بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) _ العالم يقبل في تمام وعيه اقتحام مقر بعثة تتمتع بالحصانة بقوات أمنية، لتلقى القبض على مسؤول يحاول الهروب من الملاحقة القانونية التي استدعتها تهم موجهة إليه في وطنه بالفساد، ويقبل قصف بعثة تتمتع بالحصانة القنصلية ليبعث إلى الدولة صاحبة المقر والى الدولة صاحبة البعثة، وإلى دول المنطقة مجتمعة برسالة فحواها أن القوات التي قامت بتلك الهجمة قادرة على فعل كل شيء دون توقف عند حواجز ما.
الواقعة الأولى نبتت سعيًا وراء تطبيق القانون المحلي، وحماية حقوق الدولة الوطنية المادية والقانونية والأدبية، وتقديم نموذج حي على قدرة الدولة على القيام بواجباتها حتى أبعد مدى وربما مهما حصل ومهما كانت النتيجة، وتقديم شهادة حية على عدم تمتع أحد بمناعة ضد المحاسبة القانونية.
والواقعة الثانية نشأت على يد حكم وضع نفسه في مأزق من الوحشية والعنف غير المحسوب الهادف ربما إلى شق طريق بالدم والموت الى أحلام وطنية سعيدة في “جنة ديمقراطية ” تستطيع أن تقتل من حولها أجمعين وأن تدمر ما حولها كله بينما تنمو تحيا هي في رخاء وحبور، وذلك في إطار الرد على دولة عدو ظاهر وبعث رسالة إلى مجموع دول المنطقة. وفحوى الرسالة هو القدرة على ضرب كل هدف -مهما ان كان – بقسوة وصرامة ونجاح واضح، ربما اتباعًا لحكمة بعض القادة التاريخيين الطغاة الخاسرين مثل هتلر الذى يروى عنه أن بعض تحفيذه لقواته قام على أن الانتصار في الحرب هو هدف أوحد يعلو على احترام الصح والخطأ .
والواقعتان ولا شك انتهكتا إطارًا قانونيًّا دوليًّا هامًّا يحرص العالم أجمع -منذ أمد بعيد في تاريخ البشرية – على توقيره وتقديسه وإبعاده عن نيران الحروب والنزاعات الدولية وهو الإطار المتعلق بالرسل أو المبعوثين الدوليين، فقتل المبعوثين وانتهاك مقار البعثات كان تاريخيًّا وما زال من أقبح الأعمال التي لا تجد لنفسها مبررًا مقبولًا في كل الأحوال وفي كل الشرائع مجتمعة ومتفرقة لما ينطوي عليه الاعتداء على المبعوثين من شرور عظيمة.
وقد لا يفسر الواقعتين شيء سوى الانتهازية والأنانية السياسية الضيقة التي لا ترى حولها أحدًا أو شيئًا سوى مصالحها العاجلة، وليكن بعد ذلك ما يكون وليقع الحساب وقتما يقع وعلى كاهل كائن من كان .