بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) –في الإثني عشر مقالاً السابقين في السلسلة كان الحديث عن الدبلوماسية في الشريعة الإسلامية، والآن أبدأ بالحديث عن الدبلوماسية من الجانب الآخر، وهو جانب القانون، على أن أعود مرة أخرى لإكمال الحديث عن الدبلوماسية في الشريعة الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر هنا، التذكير بأنه بالحديث عن الدبلوماسية في الشريعة الإسلامية لا يعني على الإطلاق أنها بدأت في هذا العصر، وإنما قد عُمل بالدبلوماسية قبل ذلك بكثير، بل قبل بداية عصر الحضارات، فقد كانت الدول والإمبراطوريات والقارات المختلفة تتبادل فيما بينها الرسُل محملين بالرسائل، وحينئذ كانت العلاقات الدبلوماسية تهدف إلى إقامة إتفاقيات للصيد وللتجارة وللزواج أو الإنذار بالغزو … الخ، وكان لهؤلاء الرسُل حصانات وامتيازات. وموجود جزء من هذا التاريخ في سجلات جداريات المايا في أمريكا الشمالية، وجداريات الإنكا في أمريكا الجنوبية. أما عن تاريخ الدبلوماسية منذ فترة بداية الحضارة الإنسانية، ومن ناحية اللغة فتعتبر اللغة( الأكادية )أول لغة دبلوماسية تسجل في التاريخ الإنساني، ومن ناحية المعاهدات، فتعتبر أول معاهدة دبلوماسية تصلنا كاملة هي المعاهدة التي عقدها الملك المصري رمسيس الثاني مع الحيثيين عام 1280 قبل الميلاد.
وإذا ما ألقينا نظرة خاطفة على التاريخ الدبلوماسي، نجد أن في الصين في القرن الثالث قبل الميلاد كانت العلاقات الدبلوماسية تهتم بأمران هامان: وهما العلاقات التجارية مع العالم وتأمين حدود الصين المترامية.
وفي اليونان أتاح تشريع ( بروكسيني) أن يكون لأي مواطن يوناني تختاره سلطة المدينة أن يستضيف قنصل أجنبي فخري، تكون مهمته الإعتناء بمصالح مواطني الدولة الأجنبية الموجودين داخل الحدود اليونانية.
ويذكر المؤرخ هيرودوت وجود قناصلة يونانيين في مصر خلال القرن السادس قبل الميلاد .
أما في الهند فلقد ازدهرت الدبلوماسية الهندية في عهد الإمبراطور الموري (أشوكا). وكانت الدبلوماسية تقوم على ثلاث محاور وهم، حمل الرُسل لرسائل محددة وطارئة من الهند، ومجموعة هدفهم القيام بأعمال الجاسوسية، إضافة إلى الرسُل الذين كانو يسمو بالرسُل الملكين وهم الذين يعملون على تنظيم العلاقات التجارية مع الدول الأخرى.
وفي القرن الثالث عشر ميلاديًّا جاءت الإمبراطورية المغولية بـ (بايزا) وهو شيء شبيه بجواز السفر الحالي، كان هذا الجواز ثلاث مراتب من حيث أهميته، الأولى ذهبية والثانية فضية والثالثة نحاسية.
وكانت الكنيسة الكاثوليكية بروما ترسل ما يسمي (بمفوضي البابا) للحلفاء لمهمات تشريعية أو سياسية.
أما الدبلوماسية في شكلها المعاصر فيرجع أصولها إلى عصر النهضة، وتحديدًا على يد الدول البازغة شمالي إيطاليا، وفي القرن الثالث عشر تأسست أولى السفارات.
ولقد اصطلح لقب “سفير” في هذه الفترة وانتقل هذا من إيطاليا إلى باقي دول أوروبا.
وقامت ميلان بإرسال سفيرها إلى فرنسا عام 1455م، وأرسلت أسبانيا سفيرها إلى إنجلترا عام 1487م.
وجاء القرن السادس عشر والدول الأوربية تتبادل البعثات الدبلوماسية فيما بينها، وكانت البعثة الدبلوماسية تضم أحيانًا مائة شخص.
وجاءت المحطة الهامة وهي صلح (وستفاليا) والذي بإتمامه عام 1648 كان بمثابة ميلاد للدول القومية الحديثة، حيث أصبح لكل دولة أوروبية كبرى سفارة أو مفوضية في جميع الدول التي تربطها بها مصالح.
حتى جاءت محطة أخرى في تاريخ الدبلوماسية وهي مؤتمر فيينا عام 1815 الذي كان بين سفراء أوروبا، ووضع نظام للتبادل الدبلوماسي وكان يضع فرقًا في التعامل بين الدول الكبرى والدول ذات المصالح المحدودة، حيث كان للدول العظمى وحدها تبادل البعثات.
ثم كانت المحطة الأهم وأساس الدبلوماسية المعاصرة وهي اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، وهي الاتفاقية التي ستكون الشاهد والمرجع الدائم للحديث عن قضايا كثيرة تخص الدبلوماسية في القانون ابدأ بالحديث عنها من المقال القادم بإذن ربنا.
يسعدني التواصل وإبداء الرأي[email protected]