كان هتلر من أعظم الشخصيات فى التاريخ – وفقا للمؤرخين – ولكنه سقط سقوطا مدويا فى النهاية أمام أعدائه فى الداخل وفى الخارج وسقط مرة أخرى عندما قتل نفسه.
فلو أن هتلر استمع إلى رأى قادته وأخذ بآرائهم المهنية حينما احتدمت الأمور لربما اختلفت المسارات واحتفظ الجيش الألماني بقوته وتجنب هزائم كسرته وهزمته . لم يكن هتلر ضابطا عسكريا فى الأساس ولم يدرس العسكرية ، وانما اعتمد على خبراته وحدسه وتقديراته الشخصية وذكائه وهو الأمر الذى مضى مسدد الخطى لمسافات طويلة.
ولكن هذا الحدس الشخصى الحذق لم يكن كافيا بالطبع لطريق هائل الامتداد والمخاطر ولم يسعف صاحبه فى مواجهة مشاعر هتلر المختلفة . فقد هتلر مشتعلا بمشاعر سلبية عارمة ملؤها الغضب والكره والانكار والغرور والكبر رفض الهزيمة وليس فقط بمشاعر القومية الألمانية ومساعر الفخر . كان هتلر منكرا لوجود الآلهة منكرا للدين – وفقا لبعض رسائل زوجته ايفا براون التى عثر عليها ، فنجد ايفا تقول فى رسالة تضمنت وصية لها : لم يكن من الممكن أن نؤمن باله ما ( تشير إلى هتلر والى نفسها ) لأنه لا توجد ادلة على وجود اله . وكان جنديا شجاعا حصل على وسامين خلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 ، وكان حزبيا رائدا ومتحدثا بارعا وكاتبا سياسيا ومستشارا أو رئيسا للحكومة ثم حاكما منفردا وزعيما أوحدا وقائدا أعلى للقوات الألمانية لسنوات طويلة امتدت لحوالى ثلاثة عشر عاما اعتبارا من يناير 1933 حتى انتحاره فى 30 أبريل 1945 هروبا من الحساب وهروبا من إهانة الهزيمة ومن شماتة المنتصرين فى الداخل وفى الخارج .
البعض من المحللين والمؤرخين يعتقد أن عدم دراسة هتلر للفنون العسكرية كان سببا فى هزيمته وسقوطه . وصحيح أن هتلر لم يدرس العلوم العسكرية وأنه كان مجرد عسكرى مراسلة أثناء الحرب العالمية الأولى وأن ما حصل عليه من تكريم كان بمناسبة عمله عسكرى مراسلة شجاع خدم فى كل من فرنسا وبلجيكا ، ولكن هذا الرأى قد لا يجد كثيرا من السند فى الواقع ، لأن هتلر قاد بلاده الى انتصارات عسكرية وسياسية كثيرة وكبيرة وهو ذات الرجل . ولا يعقل أن تكون كل انتصارات الرجل محض صدفة أو تخمينا محضا نضب لاحقا ولم يبق منه شىء . ولكن الغرور والكبر والحقد آفات خطيرة ومضللة ، وربما كانت هى السبب وراء سقوط هتلر بين أعوانه ومناصريه ومستشاريه وقواته أولا ثم فى مواجهة أعدائه لاحقا .
كان هتلر دقيقا واضحا ماهرا لا يدخر الاهتمام فى شىء ، بل يشمل أشياء كثيرة باهتمامه التام ، حتى شعر رأسه وقصة شعره وشاربه وشارته المفضلة . وبالتالى ، فليس لمثل هتلر أن يهمل فى التحصيل العلمى اللازم لفكره ولاتخاذ قرارات سليمة وقرارات مصيرية . وكان هتلر يقضى وقته كله فى خدمة أهدافه وقضاياه وفى حروب ومواجهات سياسية وعسكرية وفلسفية ودينية وتاريخية . ولم تكن خبراته العسكرية التى جمعها فى الحروب وهو فرد ثم وهو مسؤول فى البلاد ثم وهو رئيس للبلاد ثم وهو قائد وزعيم للبلاد خبرات قليلة أو معتادة.
ولا تتاح هذه الخبرات لطالب أى درجة علمية حتى الدكتوراة . ولو شاء هتلر أن يحمل ألقابا علمية لتسابقت كثير من الجامعات والمعاهد الى منحه الألقاب والدرجات . وارتكب هتلر الفظائع والجرائم فى حق الإنسانية باسم تطهير العرق الآرى من الدنس وباسم القومية مدفوعا بمشاعره الغاضبة الحاقدة الكارهة المغرورة التى صورت له ولمن حوله أنه هو مركز الكون وخالق الوجود وفقا لأقوال بعض شهود ذلك العصر . ولا شك فى أن هتلر ومن آمن بهتلر فيمن حوله كانو خاطئين ضالين أنكروا الحق والنور فسقطوا .