القاهرة (زمان التركية)- ذكرنا في الجزء السابق من الحوار المشار إليه؛ أن الجزء الثالث سيكون هو الجزء الأخير في سلسلة الحوارات التي قدمنا من خلالها مع اللواء الدكتور/شوقي صلاح الخبير الأمني وأستاذ القانون، رؤية تحليلية لمستجدات أحداث حرب «طوفان الأقصى»، هذا واستجابة لرغبة كثير من قُرَّاء الجريدة، وبناء على التنسيق بين هيئة تحرير جريدة زمان وضيفنا الذي حاورناه، فقد انتهى الرأي على استئناف أجزاء الحوار، خاصة في ظل تطورات مهمة للأحداث، وبناء عليه سألنا اللواء د. شوقي صلاح بالآتي وأجاب:
* دكتور شوقي، ما سبب اعتراض روسيا والصين على مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن حول مواجهة فصائل المقاومة؟
– أعتقد أن الرفض يرجع إلى ما تضمنه مشروع القرار من «الإفراج الفوري عن كافة المحتجزين»، دون تمييز بين الرهائن وأسرى الحرب.. وجدير بالذكر أن الرهائن نقصد بهم المدنيين الإسرائيليين الذين تم اختطافهم يوم السابع من أكتوبر 2023 من قبل المهاجمين من فصائل المقاومة وغيرهم، وأكدنا مرارًا، أن هذا الفعل يمثل جريمة حرب –راجع المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية- ونؤكد في هذا السياق أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم الإبادة الجماعية في حق المدنيين من سكان القطاع وهي أخطر الجرائم الجنائية الدولية على الإطلاق، كما ارتكب هذا الجيش النازي أيضًا جرائم حرب من خلال «أخذ رهائن» بالآلاف من المدنيين من سكان القطاع واحتجازهم في معتقلاته. ولهذا فإن روسيا والصين رفضتا مشروع القرار الأمريكي لعدم عدالته.
* د. شوقي، لماذا لم يتضمن قرار مجلس الأمن الأخير ما يشير إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة للسكان المدنيين في غزة؟
– قرار مجلس الأمن الأخير لم يشر لإدخال المساعدات، مكتفيًا في هذا بقرار المجلس السابق رقم ٢٧٢٠ (الصادر في ديسمبر ٢٠٢٣، وبأغلبية ١٣ عضوًا، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت) بإدخال المساعدات، وتم تعيين مشرف عام من الأمم المتحدة في هذا الشأن، وللأسف لم يغير هذا في الوضع كثيرًا.
* د. شوقي، صدر بالفعل أمس قرار مجلس الأمن الدولي بإيقاف إطلاق النار خلال ما تبقى من شهر رمضان، فما تقييمك لهذا القرار؟
– بالفعل قرر مجلس الأمن الدولي وقفًا فوريًّا لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، فيما صوت الأعضاء الأربعة عشر الآخرون لصالح القرار، الذي اقترحه الأعضاء العشرة المنتخبون بالمجلس. وبهذا فإن بايدن يرد عمليًّا على تحدي نتنياهو باقتحام رفح، ولكنه كان إلى حد كبير متوازنًا؛ فقد أوقف القرار إطلاق النار لفترة لا تتجاوز الأسبوعين، وهي المدة المتبقية من شهر رمضان، مع تحقيق جزء مهم من هدف نتنياهو الإستراتيجي، ألا وهو إطلاق سراح الرهائن، ومن جانب آخر تحتفظ فصائل المقاومة بأسرى الحرب كورقة ضغط لتحقيق الهدف النهائي للمقاومة.
– ولعل في عدم اعتراض الولايات المتحدة على القرار، فيه محاولة لكسب الوقت لصالح إسرائيل مع تحسين صورتها أمام الرأي العام الأمريكي الداخلي، خاصة وقد بدت القيادة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة لإسرائيل في جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة النازية الإسرائيلية… هذا على الرغم من محاولات واشنطن الظهور بمظهر المعارض لهذه الإبادة في حق السكان المدنيين في غزة. وتشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى رفض نسبة كبيرة من الشباب والأقليات لسياسات بايدن تجاه جرائم الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين، بجانب رفضهم ما يتحمله دافع الضرائب الأمريكي من أموال تذهب لصالح حكومة متطرفة تتعارض بعض سياساتها مع اعتبارات الأمن القومي الأمريكي، ويرون أن نتنياهو يبدو في المشهد هو المايسترو.. وأن القرار الأمريكي مرهونٌ بإرادته، حيث يستغل سيطرة اللوبي اليهودي على صانع القرار الأمريكي.
د. شوقي، هل لديك تصور خاص لمشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي في مرحلة ما بعد رمضان الجاري؟
– نعم؛ لدينا مقترح للقرار التالي لمجلس الأمن الدولي، مضمونه على النحو الآتي:
«أولًا: يتم إيقاف إطلاق النار أو أية أعمال عدائية أخرى بشكل دائم بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بغزة وخارجها، حيث تتوقف أيضًا أي أعمال عسكرية تقوم بها فصائل أو حركات مثل: حزب الله، الحوثيين، أي فصيل مقاوم في سوريا أو العراق، أو في أي مكان آخر، كما يشمل هذا القرار منع قيام أي دولة أخرى بالتدخل عسكريًّا في هذه الحرب.
ثانيًا: تتولى الأمم المتحدة مهام إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة للفلسطينيين بكافة الأراضي المحتلة، ويشرف على أعمال الإدخال هذه مراقبون من الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
ثالثًا: تلتزم إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بالدخول في مفاوضات مباشرة لحل الدولتين، بحيث تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك برعاية من الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي.
رابعًا: تتفاوض إسرائيل من خلال وسطاء دوليين مع قادة المقاومة على تبادل المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، بمحتجزين من الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وذلك خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ نفاذ هذا القرار، فإن لم تتوصل الأطراف للوصول لحل تفاوضي، فيسند الأمر للمحكمة الجنائية الدولية لتفصل بحكم بات في أمر تبادل المحتجزين.
خامسًا: يعتبر هذا القرار نافذًا اعتبارًا من تاريخ … … ……».
* يلوح في الأفق بوادر شقاق أمريكي، أوروبي، عربي من ناحية، وإسرائيلي من ناحية أخرى، بشأن اقتحام رفح بريًّا من قبل الجيش الإسرائيلي في ظل وضع المدنيين الفلسطينيين الراهن برفح، فمن في رأيك مايسترو هذه الحرب: بايدن أم نتنياهو؟ وهل سينفذ نتنياهو قراره باقتحام رفح؟
– إن اقتحام نتنياهو لرفح بريًّا دون إخلاء آمن للمدنيين الفلسطينيين، سيترتب على هذا الاقتحام غالبًا وبنسبة 99% اتساع دائرة الحرب، وهذا خط أحمر من قبل الإدارة الأمريكية، فالأخيرة لا تريد أن يتم استنزافها بقوة في مستنقع تلك الحرب، وأكد بلينكن في زيارته الأخيرة لمصر ولقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن هناك إجماعًا أمريكيًّا عربيًّا على منع عملية برية في رفح، ومع هذا ربط بلينكن الأمر بتحرير المحتجزين الإسرائيليين جميعهم!!! هذا وحذر الرئيس المصري من هذا الاقتحام لارتباطه بجرائم الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين من ناحية، ولما يحمله من تهديد للأمن القومي المصري، وخرق لمعاهدة دولية بين مصر وإسرائيل من ناحية أخرى.
– كما أن اتساع نطاق الحرب لن يوفر من ناحية أخرى للمواطن الإسرائيلي الأمن.. فالحرب في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية وحدها ترتب عليها هجرة حوالي نصف مليون إسرائيلي، وذلك اعتبارًا من السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، وذلك وفقًا لتقارير صادرة عن الإعلام الإسرائيلي، فكم سيصل العدد حال اتساع نطاق الصراع؟! ستكون التبعات ممثلة فيما يمكن أن نطلق عليه «هجرة جماعية» حيث سينعدم الإحساس بالأمن لدى المواطن الإسرائيلي؛ كما نؤكد بأن هجمات الذئاب المنفردة سواء داخل إسرائيل أم خارجها، والتي لاحت بوادرها في الأفق.. سيكون لها بالغ الأثر على صانع القرار الإسرائيلي.
– هذا ومن ناحية أخرى، فإن نتنياهو يستغل ظروف الانتخابات الرئاسية الأمريكية باعتبارها نقطة ضعف بايدن في الوقت الراهن، ويتصور أن اقتحام رفح بريًّا سيتحقق به «النصر المبين» على حماس كما وعد به سابقًا، لذا فقد صرح علانية في مؤتمر صحفي جمعه ووزير الخارجية الأمريكية بلينكن في زيارته الأخيرة لإسرائيل، أنه سيقتحم رفح بريًّا حتى لو اقتضى الأمر الاستغناء عن الدعم الأمريكي لهذا القرار، وما يترتب على هذا من نتائج، ومن عجائب الأمور أن وزير الدفاع الإسرائيلي في هذا التوقيت يرأس وفدًا إسرائيليًّا للتفاوض مع وزارة الدفاع الأمريكية، ويحمل قوائم كبيرة لاحتياجات إسرائيل من الأسلحة والذخائر في حربها ضد فصائل المقاومة، ونحن في الشهر السادس من الحرب!!!
– وعود على بدء، نؤكد أن المايسترو في هذه الأحداث هو البيت الأبيض، وأن تصريحات نتنياهو هي من قبيل الرسائل التي يُصَدِّرها للداخل الإسرائيلي، وأن فصائل المقاومة الفلسطينية تعي هذا تمامًا، بل قد اختبره حزب الله منذ أيام عندما أطلق على الشمال الإسرائيلي حوالي مائة صاروخ، وكان الرد الإسرائيلي باهتًا ولا يتناسب مع هذا الهجوم الخطير، كما أن قصف إسرائيل لبعلبك ليس هو الرد المناسب، وأتبعه حزب الله برشقات صاروخية مؤثرة بحوالي 60 صاروخًا «كاتيوشا» مستهدفًا قوة من لواء غولاني، لتؤكد هذه الهجمات أن نتنياهو يدرك خطورة خروجه عن بيت الطاعة الأمريكي.
* اللواء/ شوقي صلاح، لقد نجحت إسرائيل في تصفية العديد من قادة المقاومة الفلسطينية، ولعلها من خلال اقتحام رفح بريًّا ستنجح في استهداف قيادات وعناصر المقاومة، وهو هدف من أهم الأهداف الإستراتيجية للحكومة الإسرائيلية، فكيف ترى الأمر من وجهة نظر تحليلية موضوعية؟
– جدير بالذكر أن المقاومة الفلسطينية في غزة حريصة على أن يكون موقع كل قائد من قادتها في الأنفاق بالقرب منه مجموعة من الأسرى الإسرائيليين.. وأنه بمجرد أن تعلن إسرائيل تصفية أحد قادة المقاومة، فعليها أن تعي بأن عمليتها ترتب عليها في المقابل وفاة جانب من الأسرى نتيجة الهجوم.. لذا فإنه فور الإعلان عن هذا الأمر فإن الرأي العام الإسرائيلي سينفجر في وجه حكومة الحرب، بل ربما تظهر انشقاقات في صفوف جيش الاحتلال.. هذا، وأعلنت كتائب القسام مؤخرًا وفاة أسير من جنود الاحتلال بسبب نقص الدواء والأغذية.
* كلمة أخيرة في الحوار نترك لكم اختيار مضمونها لك..:
– أتنبأ بأن تكون رسالة الإدارة الأمريكية لوزير الدفاع الإسرائيلي -الذي رأس وفدًا تشاوريًّا حول حرب غزة عقد بواشنطن- مضمونها كالآتي: «الحرب الإسرائيلية الحالية في منطقة الشرق الأوسط يجب أن تتوقف الآن، للاستعداد لحرب محتملة أكبر وأهم بكثير؛ ألا وهي حرب الناتو/ روسيا، وإسرائيل ستلتزم بالقيام بمهام في هذه المواجهة المرتقبة.. وأن الحرب الإسرائيلية الراهنة جرح يجب أن يُغلق في أقرب وقت ممكن بجراحة تجميلية.. قضي الأمر «