القاهرة (زمان التركية)- يرى اللواء الدكتور شوقي صلاح أستاذ القانون والخبير الأمني، في حواره الصحفي مع جريدة زمان التركية، أن الاقتحام الإسرائيلي البري لمدينة رفح يهدد بقوة اتساع دائرة الحرب، مرجحًا أن يلاقي بسببه رئيس الوزراء الإسرائيلي مصير سلفه إسحاق رابين، على يد جنوده الذين يرون أنهم قد زجَ بهم في حرب طويلة بسبب فشله السياسي والإداري، ويرى اللواء شوقي صلاح أن التطبيع العربي مع إسرائيل “خطوة أمريكية ذكية”، لكن هجمات طوفان الأقصى تهدد إتمام أهم مراحل التطبيع.
1- د. شوقي، رغم كل التحذيرات الدولية، يصر نتنياهو على اقتحام رفح بريًّا كما فعل في شمال ووسط غزة، مدعيًا أن القرار يتحقق به النصر المبين على حماس، فما تقييمكم؟
“أرى أن أهم نتائج هذا الاقتحام، أن تل أبيب ستتسلم الأسرى والرهائن الإسرائيليين جثثًا، كما ستتكبد الكثير من القتلى والجرحى، والمقابل تصفية أغلب عناصر المقاومة، ولن يستطع نتنياهو تهجير المدنيين الفلسطينيين قسريًّا لسيناء، كما سيترتب على الاقتحام زيادة معدلات القتل للمدنيين بدرجة كبيرة -قدرها بايدن بثلاثين ألفًا من المدنيين- مما سيحرك الرأي العام العالمي ضد إسرائيل بشكل غير مسبوق، كما ستنطلق انتفاضة في القدس والضفة الغربية، والأخطر على إسرائيل أن احتمال اتساع نطاق الحرب سيكون على المحك، وهذا خط أحمر عند واشنطن، حيث ستزداد أنشطة الأذرع الإيرانية في المنطقة ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، لذا فعلى نتنياهو أن يختار بين بدائل كلاها مر؛ وأرى أنه مكره على القبول بالخيار الأقل تكلفة وهو القبول بشروط مشروع تفاوض وقبول أغلب شروط المقاومة.
ومن الجانب المصري، أقام الجيش المصري منطقة سيطرة وتحكم بمحاذات الجدار الفاصل بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، من شأنها استيعاب المدنيين الفلسطينيين المحتمل لجوئهم اضطراريًّا لاجتياز الجدار الفاصل للنجاة من القصف الإسرائيلي في حالات الضرورة القصوى، وسوف يعاد ترحيلهم إلى غزة مرة ثانية، فهم أحرص من مصر على التمسك بقضيتهم وأرضهم.. وعلى إسرائيل أن تتحمل ما ينتج عن هذه الأزمة.
وأتنبأ من وجهة نظر شخصية أن نتنياهو، أنه سيلاقي نفس مصير رابين، وذلك حال إصراره على اقتحام رفح بريًّا دون أي اعتبار لأرواح الرهائن والأسرى الإسرائيليين، حيث سيُستهدف من قبل أي من: أحد أقارب الأسرى أو الرهائن من ناحية، أو على يد أحد جنوده من ناحية أخرى، فالكثير منهم يرون أنه زجَ بهم في حرب سببها الرئيسي فشله في إدارة الدولة وكفالة مقومات الأمن لها، وأن سياساته الحالية تنطلق من اندفاعات متهورة وغير محسوبة، أملاً في لتحقيق انتصار يكفل له النجاة من المساءلة الشخصية الجنائية والسياسية، خاصة وقد أشارت بعض التقارير الأمنية عن وجود حالات تزمر خطيرة في أوساط الجيش من سياساته، فكل منهم يضع نفسه في مكان من تم أسرهم في السابع من أكتوبر”.
2- هل هناك خلافات جوهرية حقيقية بين سياسات بايدن ونتنياهو بشأن حرب غزة، أم أنها مناورات سياسية متفق عليها بينهما.. وما تأثيراتها، على مسارات هذه الحرب؟
“ما يؤكد أن هناك خلافات جوهرية بين البيت الأبيض والحكومة المتطرفة في إسرائيل، ما صرح به بايدن علنًا واصفًا نتنياهو بأنه “أحمق” ويتعمد إفشال المفاوضات ليظل في الحكم.. وجدير بالذكر أنه ليس وحده في هذا الاتجاه، فحكومته وقادة الأجهزة الأمنية أيضًا معرضة للمساءلة السياسية إن توقفت الحرب.
هذا، وأكدت -مؤخرًا- التقارير السنوية التي تقدمها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والتي تتناول فيها بالرأي أهم الأحداث المحلية والعالمة، خاصة التي تؤثر على الأمن القومي الأمريكي، أن أهم مؤشرات حرب غزة: أن عناصر المقاومة الفلسطينية قادرة على الاستمرار في الحرب لمدة طويلة، وأن سياسات الحرب الإسرائيلية تهدد وبقوة باتساع نطاق الحرب – وهذا بالنسبة للبيت الأبيض خط أحمر– وأن القضاء على حماس أمر محل شك كبير، وإسرائيل تحتاج لسنوات لتحقيقه، بمعني أنه استنزاف طويل الأمد، وكذا انتهت إلى أن” قدرة الحكومة الإسرائيلية عل الاستمرار في خطر” أي مهددة بقوة، وهنا صدرت تصريحات إسرائيلية مفعمة بالغضب، منها ما جاء على لسان نتنياهو: “إسرائيل ليست محمية أمريكية أو جمهورية من جمهوريات الموز، وأن الحكومة الإسرائيلية حكومة منتخبة”. ولا عجب أن يصرح نتنياهو قريبًا مرددًا: الشرعية، الشرعية… ويكررها كثيرًا.
ونؤكد في هذا السياق بأن؛ اقتحام رفح بريًّا وبفرض نجاح إسرائيل في السيطرة على المدينة، فهذا لا يعني القضاء على المقاومة، وأقصى ما يترتب على هذا هو إضعاف المقاومة وتحويلها مؤقتًا من كيان متماسك له قيادة مركزية ليصبح مؤقتًا كيانًا أشبه بمجموعات مسلحة تقوم بشن هجمات حرب العصابات.. وهذا ما أكدت تقارير أجهزة أمنية إسرائيلية عليا”.
3- ما مدى تأثير اللوبي اليهودي على الانتخابات الأمريكية القادمة، مع التركيز على وضع بايدن السياسي وانعكاسات الخلافات المشار إليها على وضعه في السباق الرئاسي؟
“نرى أن الاستيطان له مفهومان؛ الأول: المفهوم التقليدي الذي يعني قيام دولة الاحتلال بنهب الأراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات ليسكنها الإسرائيليون، ويتم هذا وفق سياسات مستمرة وممنهجة من قبل كافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولا شك أن حكومة نتنياهو المتطرفة أسرعت الخطى في هذا الملف، سعيًا لتغيير واسع في واقع الجغرافية السكانية، وعلى أثر هجوم طوفان الأقصى فقد تم تهجير ما يزيد على نصف مليون مستوطن إسرائيلي.. وبهذا فإن المقاومة يمكن لها أن تغير في واقع هذا الاستيطان غير المشروع بعمليات عسكرية تهدد أمن المستوطنين.
بينما هناك مفهومًا آخر للاستيطان أكثر خطورة؛ ونقصد به الاستيطان بمعنى السيطرة التي يقوم بها اللوبي اليهودي والقوة الناعمة للسلطات الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ويستهدف هذا الاستيطان السيطرة على: مراكز صناعة القرار، والإعلام، ومركز المال والأعمال، وقد تابعنا من زمن وحتى الآن مشاهد لا حصر لها تؤكد هذه السيطرة.
ودعني أطرح رأيًا في جدلية العلاقة بين إسرائيل والغرب؛ هل هي علاقة محض نفعية؛ إسرائيل فيها هي أداة الغرب في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، أم أن إسرائيل تجاوزت هذه الدائرة وأصبحت الدولة التي يمكن حال تعارض مصالحها مع مصالح الغرب.. تنفذ إرادتها وما تراه متفقًا مع مصالحها، حتى ولو كان هذا ضد ما يراه الغرب لتعارضه مع مصالحه العليا أو أمنه القومي.
ونؤكد في هذا الصدد بأن؛ الولايات المتحدة تستطيع ترويض إسرائيل في أي وقت، ولكنها لا تفعل، فربما ترى أنه من الحكمة أن تستمر في الدعم مع التهديد بسحبه، بل ويستجيب بايدن وغيره أحيانًا للابتزاز الإسرائيلي الصريح، وأكرر أن هذا نوع من الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الأمريكية، هو استيطان بمعنى “السيطرة على مراكز صنع القرار الأمريكي” وربما يأتي يوم تكون أمريكا كلها تحت سيطرة اللوبي اليهودي.. والخلاصة، سيدخل نتنياهو بيت الطاعة الأمريكي، فإن كان هو ذئب، ففي البيت الأبيض أسود، وعليه أن ينتبه إلى أن بايدن ورغم كبر سنه، إلا أنه مازال يحمل سمات شخصية الكاوبوي الأمريكي. ولنتساءل: ماذا لو أن الولايات المتحدة والدول الغربية لم يدعموا إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر الماضي.. هل كانت ستصمد في مواجهة عناصر المقاومة الفلسطينية وأذرع إيران في المنطقة؟ أترك الإجابة للقارئ الكريم.
وإلحاقًا على ما تقدم، فإن الرؤساء والمرشحين للرئاسة يتسابقون لإرضاء اللوبي اليهودي في أمريكا من خلال الاستجابة لطلبات ورغبات دولة إسرائيل، والدليل على هذا يمكن أن نرصده واقعًا في عشرات الأمثلة؛ لعل آخرها أن الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته قد حذر نتنياهو من اقتحام رفح بريًّا دون إخلاء مسبق للمدنيين، ورغم هذا فلم يوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر”.
( سننشر بإذن الله قريبًا الجزء الثاني من الحوار مع اللواء د. شوقي صلاح)