بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ـ كان وحيدًا مدللًا لم ير من الحياة غبنًا، ولم يشارك والده في أعماله بعد أن أنهى دراسته الجامعية زائغ الأعين تائه الفكر وهو ينظر إلى السماء أو إلى سقف الحجرة أو إلى خطوات المارة في طريق مزدحم تعج بالناس. ولم يبق في رأسه مما درس بالجامعة شيء يذكر.
لا شيء يهم في باله، فلديه سيارة خاصة اشتراها له أبوه قبل عدة سنوات بينما يطارد كثير من أقرانه سيارات النقل العام في طريقهم من والي الجامعة. والحياة في انظاره خضراء لينة، ولكن دون ملامح أو طرقات أو أهداف مرسومة جلية. وبعد قليل التحق بإحدى المصالح الحكومية، فلم يكن مبدعًا ولا صاحب همة، وإنما أراد وظيفة -ككثير من الناس- تكسوه قبولًا وتدر عليه دخلًا شهريًّا بلا خطر ولا معاناة، وقد كان له ما أراد. أحب نفسه وأحب وحدته ولم تكن صحبة الناس تسعده، ولم يكن حلو العشرة لطيف المعشر حتى في عمله. ولم يحبه كثيرون ممن حوله ولكنه أراد أن يتزوج، فتقدم للزواج من إحدى الفتيات، ربما ليثبت لنفسه وللغير أن هناك من يسعد بالقرب منه من البشر.
رحبت أسرة الفتاة بالعريس الموظف صاحب الراتب المنتظم. فلما عرفت أسرة الفتاة بأمر والد العريس وكونه تاجرًا أقبلت على العريس المزعوم بترحاب ومودة أكبر. وشرع والد الفتاة في الاستفسار عن العريس المأمول ليستمتع بدور أبي العروس ولو قليلًا وينض عن نفسه المسؤولية أمام ابنته وأمام زوجته. وناضل الرجل قليلًا حتى وصل إلى بعض زملاء العريس في العمل، فليس الجميع ممن يرحبون بالأدلاء بدلوهم في مسائل الزواج ويؤثرون البعد. فلما استمع والد العروس إلى بعض زملاء العريس وجدهم ينصحونه بالبعد عن طالب الزواج لطبعه المنفر وعشرته غير الطيبة، ولكن والد العروس لم يشأ أن يسمع ما يصده ربما عن تجارة والد العريس وعن أعماله المبهرة المغرية، فألقى ما سمع من رأي بشأن العريس خلف ظهره ووافق على زواج ابنته من التجارة والمال والأعمال. فالثروة قادرة على تحسين الأخلاق والارتقاء بالمذاق وبث القبول فيما لا يطاق، أو هكذا كان إيمانه وكانت عقيدته. والطمع يغير المناظر في العيون، ويغير كيمياء الجسد، ويبدل المشية ويكسوها خيلاء ويكسوها قسوة. واقلعت سفينة الزواج من مرفئها على استحياء قاصدة عرض البحر، ولكنها تستطع البعد عن الشواطئ كثيرًا. فلم يكن التعسف والصعوبة في الطبع من العريس فقط، ولكن أيضًا من جانب العروس. فالعريس شخصية صعبة المزاج إلى حد ساحة المحكمة، والعروس على قدر من القسوة بحيث أنها لا ترضى لابنتها باسم “شادية” حتى ولو مهما حصل. فلما وضعت العروس طفلتها لم يصر الحدث عيدًا سعيدًا، ولكنه تحول الى معركة اتهامات مشتعلة عندما اقترح العريس اسم شادية للطفلة الوليدة، أليس هذا غريبًا؟ أمر غريب، ولكن الناس في الحياة ألوان كثيرة. فهل كان موقف الأم الشابة شكا في دوافع الأب الشاب؟ أم كان تحكمًا من قبل الأم الشابة بحيث ترفض أن يملي عليها أحد اسما لابنتها؟ أم أن رصيد الأم من الصبر لم يتحمل ثقل ظل الرجل؟
اشتعلت المعركة بين الزوجين الشابين ولم تهدأ حتى ذهب كل منهما إلى حال سبيله وهما على قارعة الطريق، ولكن شادية لم تكن السبب.