بقلم: محمد على نور الدين
القاهرة (زمان التركية)- فى يوم من الأيام خرج قاضي أنطاكية إلى مزرعته، فلما سار من البلد اعترضه لص، فقال له: دع ما معك وإلا أوقعت بك المكروه..
فقال القاضي: أيَّدَك الله؛ إن لأهل العلم حرمة، وأنا قاضي البلد، فَمُنَّ عليَّ واتركني ..
فقال اللص: الحمد لله الذي مكنني منك، لأنني منك على يقين إلى كفاية من الثياب والدواب، أما غيرك فربما كان ضعيف الحال فقيراً، لا يجد شيئاً ..
فقال له القاضي: أين أنت مما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدين دين الله، والعباد عباد الله، والسنة سُنَّتي، فمَن ابتدع فعليه لعنة الله».
وقطعُ الطريق بدعة، وأنا أشفق عليك من أن تدخل تحت اللعنة..
فقال اللص: يا سيدي القاضى هذا حديث مُرْسَل، لم يُرْوَ عن نافع، ولا عن ابن عمر. ولو سلّمته لك تسليم عدل أو تسليم انقطاع؛ فما بالك بلص متلصص مما لا قوت له ولا يرجع إلى كفاية عنده!؛ إن ما معك هو حلال لي؛ فقد روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه عليه وسلم قال:«لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمنين منها حلالاً».
ولا خلاف عند جميع العلماء أن للإنسان أن يحيي نفسه وعياله بمال غيره إذا خشي الهلاك. وأنا واللهِ أخشى الهلاك على نفسي، وفيما معك إحيائي وإحياء عيالي، فسَلِّمه لي وانصَرِف سالماً..
فقال القاضي: إذا كانت هذه حالتك فدعني أذهب إلى مزرعتي، فأنزِلُ إلى عبيدي وخدمي وآخُذُ منهم ما أستتر به، وأدفع إليك جميع ما معي..
فضحك اللص وقال: هيهات!
فمثلك مثل الطير في القفص، فإذا خرج إلى الهواء خرج عن اليد، وأخاف أن أخلي عنك فلا تدفع لي شيئا! ..
فقال القاضي: أنا أحلف لك أني أفعل ذلك ..
فقال اللص: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« يمين المُكره لا تُلْزِم».
وقال تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) [ النحل : 106].
فادفع ما معك..
فأعطاه القاضي الدابة والثياب دون السراويل..
فقال اللص: سَلِّم السراويل، ولا بُدَّ منها..
فقال القاضي: إنه قد آنَ وقتُ الصلاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ملعون مَن نظر إلى سوأة أخيه».
وقد آنَ وقتُ الصلاةِ، ولا صلاة لعريان، والله تبارك وتعالى يقول: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) [ الأعراف: 31] ؛ وقيل في التفسير: هي الثياب عند الصلاة ..
فقال اللص: أما صلاتك فهي صحيحة؛ حدَّثَنَا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« العراة يُصلُّون قياماً، ويقوم إمامهم وسطهم»..
وقال مالك: لا يُصلُّون قياماً؛ يُصلون متفرقين متباعدين، حتى لا ينظر أحد منهم إلى سوءة البعض، وقال أبو حنيفة : يصلون قعوداً. وأما الحديث الذي ذكرتَ فهو حديث مُرْسَلٌ، ولو سلّمته لكان محمولاً على النظر على سبيل التلذُّذ، وأما أنت فحالك اضطرار، لا حال اختيار ..
فقال القاضي: أنت القاضي وأنا المستقضي، وأنت الفقيه، وأنا المستفتي، وأنت المفتي، خذ ما تريد، ولا حول ولا قوة إلا بالله .فأخذ اللص السراويل والثياب ومضى ..
عجبت من أمر اللص ما كل هذا أمام القاضى
إذا كانت هذه فطنتك فلم السرقه!!!!
لكن يبدو أن اللصوص درجات ثم تذكرت أبا حنيفة رضى الله عنه أنه مر في طريق فرأى رجلاً سرق تفاحة ثم تصدق بها!.
فسأله: لم سرقتها؟، ظننتك جائعاً.
فقال: لا يا هذا -وهو لايعرف أبا حنيفة- أنا أتاجر مع ربي.
قال: كيف ذلك؟.
قال: سرقتها فكتبت عليّ سيئة واحدة، وتصدقت بها فكتب لي عشر حسنات.
فبقي لي تسع حسنات!.
فإذن؛ أنا كسبت تسع حسنات فأنا أتاجر مع ربي.
فقال له الإمام أبو حنيفة رحمه الله: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، لكنك تصدقت بها فلم يقبلها الله منك، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فبقيت عليك سيئه واحدة