بقلم: اللواء د. شوقي صلاح*
التعريف القانوني لجرائم الإبادة الجماعية:
– نصت المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها -الاتفاقية أصبحت واجبة النفاذ في يناير 1951- على أنه “في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي، لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
أ -قتل أعضاء من الجماعة
ب – إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،
ج – إخضاع الجماعة عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا،… “.
هذا، ووقعت كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل على الاتفاقية المشار إليها.
– وجدير بالذكر أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد عرف أيضًا وفقًا للمادة السادسة منه جريمة الإبادة الجماعية بنص مقارب لنص المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
مدى إلزام قرارات محكمة العدل الدولية:
– إذا كانت محكمة العدل الدولية هي المحكمة العليا بالأمم المتحدة، فإنه قراراتها وفقًا لمنظور قانوني مجرد تعتبر باتة وملزمة، فلا يجوز الطعن عليها، ولكن على المستوى التطبيقي فقد سبق وتم تجاهل قراراتها؛ ففي مارس 2022 ألزمت المحكمة روسيا بوقف فوري لهجومها العسكري على أوكرانيا، وهو ما لم تستجب له موسكو حتى الآن.
– هذا وبفرض أن المحكمة أصدرت قرارها بشأن الشق العاجل للدعوى وقضت بإيقاف إسرائيل لحربها على غزة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن مع بدأ نظر المحكمة للدعوى بأنه لن يوقف الحرب لأي سبب.. وذلك في تحد سافر للعدالة الدولية، وجدير بالذكر أنه وبفرض دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد لاتخاذ قرار بشأن إلزام إسرائيل بإيقاف الحرب، فيمكن لأي دولة من الدول الخمس الكبرى الاعتراض على صدور هذا القرار، فيتم تعطيل إنفاذه.
– هذا فيما يتعلق بالشق المستعجل من الدعوى، أما بالنسبة لنظر المحكمة لموضوع الدعوى، وبفرض أيضًا صدور حكم بإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم للإبادة الجماعية للسكان المدنيين في غزة، فيمكن لإسرائيل تجنب آثار الحكم المتمثلة في محاكمة المسئولين عن ارتكاب هذه الجرائم، حيث يتطلب الأمر بالضرورة تدخل مجلس الأمن الدولي وموافقة الخمسة الكبار، بجانب أغلبية أعضائه على تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب، ونشير في هذا الصدد لنص المادة السادسة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والتي تنص على أنه: “يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل علي أرضها، أو أمام محكمة دولية تكون ذات اختصاص جزائي، بحيث يكون الأطراف المتعاقدة قد اعترفت بولايتها.” ونشير في هذا السياق إلى أن فلسطين –الأرض التي ارتكبت فيها الجرائم- ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي.. لذا فإن معاقبة المسئولين عن تلك الجرائم يجب بالضرورة أن يتم أمام محكمة جنائية خاصة، وبقرار ملزم من مجلس الأمن الدولي، كما سبق وحدث في محاكمة المسئولين عن جرائم الإبادة في يوغسلافيا السابقة ورواندا، وتطبيق هذا الفرض يعد بحكم الواقع شبه مستحيل. ويحضرني في هذا المقام بيت شعر للراحل الكبير كريم العراقي: عدالةُ الارضْ مذْ خلقتْ مزيفةُ.. والعدلُ في الارضِ لا عدلٌ ولا ذممُ.
الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته لمعبر رفح المصري
* دفاع إسرائيل أمام المحكمة يدعو مصر للتدخل الانضمامي مع جنوب أفريقيا
– بعد ادعاء هيئة الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بأن مصر هي المسئولة عن تأخير دخول المساعدات لقطاع غزة من خلال معبر رفع.. ففي هذا الدفاع زج لمصر في المسئولية الجنائية عن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها – وما تزال- إسرائيل ضد المدنيين بقطاع غزة.. لذا فحري بنا الآن أن ننضم لدعوى جنوب أفريقيا بعد صدور قرار المحكمة في الشق المستعجل من الدعوى.. حتى نتمكن من الدفاع عن هذا الاتهام الباطل بالمشاركة في هذا الجرم الخطير.. وأهيب بالفريق القانوني المصري حال طلبه الكلمة أمام هيئة المحكمة أن يطلب – والفرض هنا أن المحكمة أصدرت قرارها بإيقاف الحرب، وأن القرار تم تطبيقه- من المحكمة إصدار قرار تمهيدي بتكليف لجنة من خمسة قضاة من أعضاء هيئة المحكمة، للقيام بمهام معاينة مسرح الجريمة وكتابة تقرير عنه ليقدم للمحكمة.. على أن يتم وضع ضوابط عمل لهذه اللجنة القضائية، وذلك خلال قيامها بمعاينة مسارح الجرائم لاستجلاء الحقيقة، كما يجب أن تركز مصر على الشق التعويضي حال تدخلها الانضمامي – الذي أصبح واجبا- مع جنوب أفريقيا في الدعوى المشار إليها.
مواقف سياسية مخجلة للمستشار الألماني الحالي:
– ينتهج المستشار الألماني الحالي من وجهة نظرنا سياسات تتسم بالتبعية المخجلة في العديد من القضايا، وشعبه والتاريخ سيحاسبانه حسابًا عسيرًا، فتقديري أنه خان ثقة الألمان أثناء شغله لمنصبه، وأن مقعد المستشار أكبر بكثير من قدراته، ونذكر في هذا الصدد بكل التقدير والاحترام المستشارة العظيمة السابقة “أنجيلا ميركل” فحقًا لا وجه للمقارنة بينهما، وأعتقد أن المستشار الحالي سيدفع ثمنا سياسيًا باهظًا في الانتخابات القادمة، لانحيازه الأعمى لدولة ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين، والذي يعد بمثابة “هولوكوست إسرائيلي” متخيلا أن اليهود بهذا سيغفرون لألمانيا ما ارتكبه هتلر من إبادة جماعية لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وقد سئم الشعب الألماني وبخاصة الشباب من ابتزاز إسرائيل لبلدهم بدعوى الإبادة الجماعية، ولعلهم يتساءلون: لماذا لم نتخذ موقفًا مؤيدا لدعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية لنؤكد على أن سياسة ألمانيا الحالية بعيدة كل البعد عن أي جرائم للإبادة الجماعية.
– ومن ناحية أخرى فهذا المستشار قد أضر باقتصاد بلاده إضرارا فادحًا، وذلك برضوخه لأوامر الولايات المتحدة بمنع استيراد الغاز من روسيا!!! لذا فإن شعبيته قد تضررت كثيرا بسبب الخسائر الاقتصادية الجسيمة التي حاقت بألمانيا، نتيجة تفجير خط الغاز “نورد ستريم” الذي يربط روسيا بأوروبا، في حين تلجأ الولايات المتحدة لوسائل غير مباشرة “ملتوية” لشراء نفط روسي لأسباب اقتصادية نفعية.. بينما تحرم ألمانيا من غاز بثمن مناسب جدا لازدهار الاقتصاد الألماني!!! لذا فغالبا سيتخذ الشباب الألماني موقفًا رافضًا لسياسات مستشار بلاده، ولم لا وقد سبق واتخذ الشباب الأمريكي موقفًا مماثلا من سياسات بايدن، وهكذا فعل قطاع واسع من الشعب البريطاني.. لذا تحفظت الحكومة البريطانية من الاصطفاف في جانب إسرائيل فيما يتعلق بالإبادة الجماعية، مكتفية بتجاهل الأمر.. مع دعمها لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار.
مدى استقلالية قضاة محكمة العدل الدولية..
* يفترض في القضاء بشكل عام الاستقلالية.. فلا يجب أن يخضع لاعتبارات سياسية تحيد به وتحقيق العدالة بتطبيق أحكام القانون، بمعنى أن يتسم تطبيقه بالتجرد والموضوعية.. ولكن قد نصدم بواقع تطبيقي يتخذ فيه القضاة قراراتهم بما يتفق ومصالح سياسية لدولهم، خاصة في مثل هذه القضايا، لذا فإنني كأستاذ للقانون ومحامي، أتوقع بأن نسبة نجاح دولة جنوب أفريقيا في صدور قرار من محكمة العدل الدولية لصالحها سواء في شق الدعوى المستعجل، أم في جانبها الموضوعي لا يتعدى50% رغم أن ما قُدم في أوراق الدعوى، وما ذُكر أمام المحكمة من أسباب مدعمة بالأدلة الدامغة يؤكد على ارتكاب إسرائيل جرائم الإبادة الجماعية، وتجعل أي شخص منصف، وبصرف النظر عن تخصصه في المجال القانوني من عدمه، يذهب إلى إدانة إسرائيل بارتكاب تلك الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، ولعل المتخصصون في القانون الجنائي الدولي يضيفون لإسرائيل اتهامات بارتكاب جرائم دولية أخرى: كجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.. فهل ستقف الاعتبارات السياسية حائلا في وجه العدالة الدولية؟؟؟
* الخبير الأمني وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية