أنقرة (زمان التركية) – أحدثت الحرب في أوكرانيا تغيرًا في عالم الجريمة السري في روسيا انعكس أيضا على تركيا التي تتسامح في الكثير من الأحيان مع أنشطة المافيا الروسية، وفق ما كشف تقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة الدولية (GI – TOC)، الذي يدرس المخاطر الجديدة التي تشكلها الحرب الروسية الأوكرانية على النظام العالمي.
وذكر التقرير أن التغيير في طريق التهريب الروسي بسبب الحرب الأوكرانية أدى أيضًا إلى تحول كبير في بنية العالم السفلي الروسي، وأن المنظمات الإجرامية الروسية، التي تتطلع إلى إيجاد قواعد جديدة لنفسها، ترى في تركيا “ملاذًا آمنًا”.
وأعد التقرير، الذي يحمل عنوان “العالم السفلي الروسي منذ الغزو الأوكراني”، مارك غاليوتي، المؤرخ والخبير الأمني البريطاني المعروف بعمله في مجال منظمات الجريمة المنظمة الروسية والدولية.
وفي مقابلة مع “دويتشه فيلة” حذر غاليوتي في تقييم لنتائج التقرير من أن منظمات الجريمة المنظمة الروسية والجهات الفاعلة التي تسهل التجارة غير المشروعة تعزز بشكل متزايد مكانتها في تركيا، وبالتالي يمكن أن تزيد من توسيع أنشطتها الإجرامية.
وأشار مارك غاليوتي إلى أن تركيا جزء من الغرب وتشارك في طرق تجارية مهمة، لكنها في الوقت نفسه ليست طرفًا في العقوبات والقيود الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية مفيدا أن تركيا أصبحت مكانا يجمع جميع العناصر رغم اختلافها الشديد.
استراتيجية المافيا الروسية في تركيا
إذن، ما نوع المخاطر التي يشكلها هذا الاهتمام بمنظمات الجريمة المنظمة الروسية على الأمن الداخلي لتركيا؟
للإجابة على هذا السؤال، يشير مارك جالوتي إلى أنه يجب تقييم التطورات من منظورين، إذ يؤكد الخبير الأمني أن المافيا الروسية تعمل من خلال مراقبة التوازنات السياسية في تركيا وتمتنع عن الانخراط في أعمال من شأنها أن تعارض الدولة بشكل مباشر، لكنه يشير إلى أن هذا لا يغير من حقيقة أن هذه العصابات تواصل أو حتى تزيد من أنشطتها الإجرامية.
وفي حديثه عن اجتماع عقده مع زعيم مافيا روسي كان يقوم بعمليات في تركيا منذ ما يقرب من عقد من الزمان قال مارك غاليوتي، “أخبرني أن تركيا عظيمة ومريحة للغاية غير أنه يتوجب تجنب مواجهة الدولة والتورط في مشاكل معها وإلا ستصبح وبالا عليك، بالطبع، عندما يتعلق الأمر بالمنظمات الإجرامية، فإن العنف موجود دائمًا بطريقة ما، غير أن تركيا دولة أمنية قوية للغاية، ومن وقت لآخر، ستكون هناك عمليات ضد المنظمات الإجرامية الروسية وغيرها من المنظمات الإجرامية المنظمة، لكن هناك مجرمون روس أقوياء للغاية يريدون استغلال تركيا، إنهم يرون تركيا كـ ملاذ آمن، ويريدون إرسال عائلاتهم إليها، ومقابلة رجل العصابات الآخرين هنا، وإدارة أعمالهم من هنا وبالفعل يمكنهم القيام بذلك نظير عدم التسبب في الكثير من المتاعب”، إذ أن هناك مراكز قوى معينة في تركيا، يحذرون هذه الدوائر بأدب شديد من التسبب في المتاعب وإلا فالجميع لن يسعدوا من النتائج.
وفي إشارة إلى أن الطرق التي تستخدمها العصابات الروسية للاتجار الدولي بالمخدرات قد تغيرت بسبب الحرب الأوكرانية، يوضح التقرير أن تركيا أصبحت طريقًا مهمًا خاصة في زيادة تهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى روسيا.
ويرى التقرير أن تدفق مبرمجي الكمبيوتر الروس أسفر عن تأجيج مشهد الجريمة الإلكترونية في تركيا، فالروس حققوا شراكات مع القراصنة المحليين وملأوا سوق الإنترنت الذي كان يحتضر منذ فترة بعشرات الملايين من بيانات الهويات الشخصية المسروقة حديثًا.
الروس وفروا المهارات، بينما استغل الأتراك أيضًا صلاتهم في أوروبا، وخاصة ألمانيا، لتسويق البيانات الشخصية المسروقة بشكل أفضل. وبهذا أكسب الروس العالم السفلي في تركيا مهارات جديدة.
تجاوز العقوبات ووظيفة تركيا
تحت عنوان “التهريب من أجل الدولة”، يشير التقرير إلى أن جهود روسيا لتجاوز العقوبات المفروضة بسبب الحرب الأوكرانية تخلق فرصًا جديدة للمنظمات الإجرامية.
ويوضح التقرير أن الكرملين يتبع سياسة يرفض الغرب منحها لصناعة الدفاع الروسية وتشجع على التهريب للوصول إلى مكونات مثل الرقائق الدقيقة المستخدمة في انتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ، ويذكر التقرير أن الدولة الروسية تتسامح مع المخدرات أو الاتجار بالبشر من قبل العصابات الدولية لتهريب هذه التقنيات، وحتى تقدم حوافز مثل الإفلات من العقاب مفيدا أن الدولة الروسية تتسامح مع المخدرات أو الاتجار بالبشر من قبل العصابات الدولية وبل وتقدم لها حوافز مثل الإفلات من العقاب وذلك من أجل تهريب هذه التقنيات.
في هذا السياق تتمتع تركيا وأرمينيا وكازاخستان والإمارات العربية المتحدة بمكانة مهمة في إمداد روسيا بمنتجات التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن استخدامها أيضًا لأغراض عسكرية.
وذكر التقرير أن أجهزة الألعاب القديمة المستعملة يتم شراؤها من مواقع مثل “إيباي” من ثم يتم تهريب الرقائق الذكية، التي يمكن إعادة برمجتها بسهولة أكبر، إلى روسيا عبر بيلاروسيا أو تركيا أو صربيا.
على تركيا التصدي للمافيا الروسية دون تأخير
في السنوات الأخيرة، اهتزت منظمات الجريمة المنظمة في تركيا بسبب الفضائح المتعلقة بالعلاقات السياسية للمافيا، أولاً، كانت هناك عملية تم فيها إطلاق سراح قادة المافيا البارزين في البلاد من السجون، واندلعت فضائح فساد متتالية.
منذ الانتخابات في مايو تم الإعلان عن انهيار منظمة أو شبكة إجرامية كل يوم تقريبًا، وحتى تنظيم العمليات، بما في ذلك قادة المافيا الدوليين. وعلى الرغم من هذا ليس من المعروف بعد إلى أي مدى تم استهداف “الجهات الفاعلة القوية للمافيا الروسية” التي يُزعم أنها تعمل في تركيا في العمليات الأخيرة وما إذا كان سيتم أخذها في الفترة المقبلة.
وأشار الخبير الأمني غاليوتي إلى أن الشرطة لا تستطيع التصدي للتهديد المتزايد للجريمة المنظمة وحدها مشددا على ضرورة التركيز على التصدي لها دون تأخير وعدم تجاهل المخاطر المتزايدة يومًا بعد يوم السماح لهم بالتجذر في تركيا وتعزيز موقفهم.
وذكر غاليوتي أنه في حال السماح للمافيا الروسية بتعزيز مكانتها من خلال بناء نوع من شبكة العلاقات مع السياسيين والقضاة والشرطة فسيكون من الصعب حل المشكلة.
تحذير لـ تركيا من “مشكلة الأمن القومي”
يرى غاليوتي أنه يجب أن تتمحور مكافحة الجريمة المنظمة في المقام الأول حول مكافحة الفساد، قائلا: “من الضروري قبول أن الفساد في الجريمة المنظمة هو دائمًا العنصر المعزز للقوة. لهذا السبب، من الضروري إعطاء الأولوية لمنع الفساد”.
وأكد غاليوتي على أهمية تعزيز تركيا تعاونها الدولي في هذا المجال، قائلا: ” منظمات الجريمة المنظمة الحديثة هي منظمة عابرة للحدود الوطنية ومحاربتها شرسة للغاية. لذا إن كنت تريد حقًا القبض على القادة أقوى العصابات وليس فقط الاقتصار على العصابات ذات المستوى المنخفض، فعليك التعاون دوليًا، وإلا فلن تتمكن من القيام بذلك “.
ويشير غاليوتي إلى ضرورة مشاركة وحدات الاستخبارات في حملة التصدى باعتبار أنشطة المافيا الروسية مشكلة أمن قومي.
وأضاف غاليوتي أنه لا يمكن اعتبار المنظمات الإجرامية الروسية جرائم منظمة بحتة قائلا: “هناك علاقة وثيقة للغاية بين الدولة الروسية والجريمة المنظمة في الوقت الحاضر، وهناك أمثلة ملموسة للغاية على استخدام الدولة الروسية للجريمة المنظمة كأداة، لذلك فهي أيضًا قضية أمن قومي”.
هذا وأوضح غاليوتي أن التهديد الذي تشكله منظمات الجريمة المنظمة يجب مكافحته أيضًا بوحدات الاستخبارات ومكافحة التجسس نظرا لعدم وجود وكالة لإنفاذ القانون في العالم لديها الموارد والكفاءات لمكافحة الجريمة المنظمة وحدها.