بقلم د. منى سليمان
القاهرة (زمان التركية)-عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان لقاء يوم 11 نوفمبر 2023 على هامش القمة العربية الإسلامية الاستثنائية بالعاصمة السعودية الرياض لبحث تطورات الوضع في قطاع غزة بعد شنت إسرائيل حربا ضارية للرد على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023.
ومنذ ذلك ويشهد الموقف المصري التركي توافقًا حول ضرورة وقف إطلاق النار وحل الأزمة الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين والقرارات الأممية ذات الصلة، مما ضاعف من الزخم في العلاقات المصرية التركية بعد تطبيع العلاقات رسميًّا بين الدولتين وتبادل السفراء في يوليو الماضي، حيث شهد صيف 2023 لقاءين جمعا “السيسي- أردوغان” وقام وزير الخارجية والتجارة والصحة الأتراك بزيارة القاهرة خلال أكتوبر ونوفمبر 2023، مما ينذر بالمزيد من الزخم في وتيرة العلاقات المصرية التركية خلال الفترة المقبلة وهو ما سينعكس إيجابًا على معالجة القضية الفلسطينية والعلاقات التركية المصرية ومجمل القضايا العربية والإقليمية محل الاهتمام بين الدولتين ومنها الملف (السوري، الليبي، غاز شرق المتوسط).
أولا: التوافق المصري التركي حول القضية الفلسطينية:
شهد الشهر الماضي منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، إجراء ثلاث اتصالات هاتفية بين الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان”، لبحث تطورات الوضع بقطاع غزة وسبل إيقاف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع، وقد تكثفت خلال الشهر الماضي الاتصالات المصرية التركية على كافة الصعد لبحث الوضع بغزة، والتي كان من أبرز صورها ما يلي:
– عقد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” لقاء يوم 11 نوفمبر 2023 مع نظيره التركي “رجب طيب إردوغان”، في العاصمة السعودية الرياض على هامش القمة العربية – الإسلامية المشتركة التي شارك فيها 57 دولة لبحث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبحثا خلاله سبل مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين في مختلف المجالات، بعد التقدم الملموس في العلاقات الثنائية خلال الفترة الأخيرة، وقد شهد الموقف المصري والتركي توافقًا خلال القمة العربية الإسلامية بالرياض، حيث اتفقت القاهرة وأنقرة على ضرورة كسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة والتشديد على وقف حربها على القطاع والعمل من أجل إدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود بشكل فوري إلى قطاع غزة، وتوافق الموقف المصري والتركي على رفض تهجير سكان قطاع غزة لان ذلك سيؤدي لتفاقم الازمة كما جددت مصر رفضها تهجير الفلسطينين لسيناء المصرية وهو ما أيدته أنقرة، كما اتفق الرئيسين على ضرورة استمرار الدور المصري الجوهري في إنفاذ المساعدات الإغاثية لأهالي غزة عبر معبر رفح المصري، وتكثيف الجهود الدولية للدفع نحو تطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
– أجرت قرينة الرئيس المصري السيدة “انتصار السيسي” يوم 12 نوفمبر 2023 اتصالًا هاتفيًّا بنظيرتها التركية السيدة “أمينة إردوغان” لبحث الدعم الإنساني لغزة، ويعد هذا أول اتصال هاتفي بينهما منذ استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وبحث الاتصال الدعم الإنساني لسكان القطاع وتوفير المساعدات الإغاثية لهم وتسخير موارد الدولة المصرية كافة لتقديمه، وأكدا على الاعتزاز بالعلاقات الأخوية بين الشعبين المصري والتركي، وبحثا سبل التعاون في مجالات (تمكين المرأة، دور المؤسسات الإجتماعية في التنمية).
– قام وزير الصحة التركي “فخر الدين خوجة” بزيارة للقاهرة يوم 15 نوفمبر 2023 لبحث سبل الدعم المقدمة لقطاع غزة، كما قام بزيارة المصابين الفلسطينين في مستشفى “معهد ناصر” بالقاهرة.
– قام نواب من حزبي السعادة والمستقبل في تركيا بزيارة لمصر في 4 نوفمبر 2023 لدعم وتفقد جهود المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأكدوا أنهم “خططنا للذهاب إلى غزة عبر مصر من خلال المبادرة”، وأشير في البيان إلى أنهم يريدون تحويل انتباه العالم إلى غزة وأن يكونوا قدوة للبرلمانات العالمية، وبعد عودته لانقرة قدم الوفد البرلماني التركي في تقريرا عن الزيارة، وقام الوفد بزيارة لمعبر رفح وذلك بالتزامن مع إرسال تركيا طائرة مساعدات إلى مطار العريش لإيصالها لقطاع غزة.
– قام وزير الخارجية التركي “حقان فيدان” بزيارة في 14 أكتوبر 2023 هي الأولى له لمصر بعد تعيينه بمنصبه قبل أربع أشهر، وقد استقبله آنذاك الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، كما عقد اجتماعا مطولا مع نظيره المصري “سامح شكري” وبحثا الوضع بقطاع غزة بعد بدء الحرب الإسرائيلية عليه، وتوافق الموقف المصري والتركي حول خطورة استمرار الوضع الراهن وتهديده لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، مما يتطلب تكثيف الجهود الدولية للعمل على الوقف الفوري للعنف واستعادة التهدئة، كما اتفقا على ضرورة عدم تعريض سكان قطاع غزة لسياسات العقاب الجماعي من حصار وتجويع أو تهجير، وثمن “فيدان” الدور المصري في تنسيق وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية من جميع الدول والمنظمات الدولية المعنية للقطاع، وأكدا على أهمية الدفع الحل الجذري والدائم للأوضاع الراهنة المتأزمة، من خلال العمل على التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، وفق مرجعيات الشرعية الدولية، بما يحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويحقق الأمن لجميع شعوب المنطقة”، واكد “فيدان” ان مصر وتركيا لديهما ماضي مشترك وروابط متجذرة لها ثقل استراتيجي في العالم العربي والبحر المتوسط، ودائما تمثل المفتاح من أجل الاستقرار والأمن في المنطقة، وأن التعاون بينهم وثيق لأنهما بلدان مهمان في منطقة المتوسط.
ثم حرص “فيدان” على استمرار التواصل مع “شكري” عبر إجراء اتصالات هاتفية معه بشكل مستمر، لمتابعة آخر تطورات الأزمة بقطاع غزة، وبحث سبل إدخال المساعدات من معبر رفح المصري، ومنها المساعدات التركية التي تصل لميناء العريش المصري ثم يتم إدخالها لقطاع غزة.
ولذا فإن التوافق المصري التركي حول القضية الفلسطينية وآليات معالجة الأزمة الراهنة بقطاع غزة، يضيف المزيد من الزخم في وتيرة العلاقات المصرية التركية التي شهدت تطورات إيجابية متعددة منذ صيف 2023 حيث تم إعادة تعيين السفراء في القاهرة وأنقرة، واستمرار التنسيق والاتصال المستمر بين القيادة السياسية في الدولتين سيؤدي لتطورات إيجابية على العلاقات الثنائية وعلى مجمل القضايا الإقليمية المعنية للقاهرة وأنقرة.
ثانيا: زخم التقارب المصري التركي:
منذ نوفمبر 2022 الذي شهد المصافحة الشهيرة بين الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان” في قطر على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم، وتشهد العلاقات المصرية التركية تطورات إيجابية وزخم مضاعف في وتيرتها، فقد عقب ذلك تبادل الزيارات بين وزراء خارجية الدولتين حيث قام وزير الخارجية المصري”سامح شكري” بزيارة أنقرة في فبراير 2023 لتقديم مساعدات إنسانية عقب الزلزال المدمر، ثم قام وزير الخارجية التركي السابق “مولود جاويش أوغلو” بزيارة القاهرة في مارس من نفس العام، وبادر الرئيس “السيسي” بالاتصال “بأردوغان” في يونيو 2023 لتهنئته على الفوز بالانتخابات الرئاسية واتفقا على أهمية البدء الفوري في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء، وتعزيز سبل التعاون الاقتصادي والتجاري في شتى المجالات، وهو ما حدث بعد ذلك.
ففي يوليو 2023 أعلنت مصر وتركيا رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، وعينت أنقرة “صالح موتلوشن” سفيرا جديدا لها في مصر، وتم تعيين السفير “عمرو الحمامي”، كسفير مصري في أنقرة، وفي 27 سبتمبر 2023 قدم “الحمامي” أوراق اعتماده إلى “أردوغان” كأول سفير مصري منذ 10 سنوات وتعهد بالعمل على تعزيز العلاقات المصرية التركية والارتقاء بها في كافة المجالات.
كما عقد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” جلسة مباحثات موسعة مع نظيره التركي “رجب طيب أردوغان”، في 10 سبتمبر 2023 على هامش القمة الـ 18 “لمجموعة العشرين” بالعاصمة الهندية نيودلهي، ويعد هذا اللقاء الثاني بينهم بعد مصافحتهم الشهيرة على هامش افتتاح “كأس العالم” بقطر في نوفمبر 2022، وتعد تلك جلسة المباحثات الأولى والموسعة بينهم وبحثا خلالها تطوير التعاون الثنائي بين الدولتين بعد تطبيع العلاقات وتبادل تعيين السفراء، وسبل زيادة حجم التجارة والتبادل الاقتصادي والقضايا الإقليمية والدولية المعنية، بدوره دعا “أردوغان” لأهمية دعم الحكومة المصرية للمستثمرين الأتراك وإحياء التعاون الثنائي في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والثقافة والتعليم، وأكد “أردوغان” عن اعتقاده بأن عودة العلاقات بين تركيا ومصر إلى سابق عهدها ستنعكس إيجاباً على المشكلات الإقليمية، وبخاصة الأزمة السورية، واتفق الرئيسين على ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي كنهج استراتيجي راسخ في إطار الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة بما يعزز الأمن والاستقرار بمنطقة شرق المتوسط، وأعربت مصر في 1 أكتوبر 2023 عن تضامنها مع تركيا حكومة وشعباً، بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرض له مقر المديرية العامة للأمن بوزارة الداخلية بأنقرة، وشددت على موقفها الثابت الذي يرفض أشكال الإرهاب كافة والعنف المؤدي إلى زعزعة الاستقرار وترويع المواطنين، وهو ما رحبت به أنقرة وشكرتها عليه.
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد شهد العام الحالي نقلة نوعية في العلاقات بين القاهرة وانقرة، ومان حجم التجارة بين تركيا ومصر 1.3 مليار دولار في الربع الأول من عام 2021، وارتفع بنسبة 85% في الربع الأول من عام 2022 ليسجل 2.5 مليار دولار، وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا عام 2022 نحو 9.7 مليار دولار، وتجاوزت الصادرات المصرية لتركيا 5 مليارات دولار، بينما زادت الاستثمارات التركية في مصر خلال العامين الماضيين لأكثر من ملياري دولار، وبلغ عدد الشركات التركية العاملة في مصر نحو 200 شركة، وخلال الربع الأول من عام 2023 سجلت تركيا أكبر مستورد للصادرات السلعية غير البترولية من مصر بقيمة 799.7 مليون دولار وهو ما يمثل 9.1% من إجمالي الصادرات المصرية، وقد شهدت الفعاليات الاقتصادية بين الدولتين زخما كبيرا كان من أبرزها:
– شارك وزير المالية المصري “محمد معيط” يوم 8 نوفمبر 2023 “المنتدى الاقتصادي التركي العربي” بإسطنبول، وأشار لأهمية فتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات التجارية مع تركيا، باعتبارها سادس أكبر وجهة للصادرات المصرية، بمبلغ ٣,٢ مليار دولار، وثالث أكبر دولة مُصدرِّة لمصر بـ ٣ مليارات دولار، وكانت من كبرى الدول فى الاستثمار الأجنبى بمصر عام ٢٠٢٢ بـ ١٠٣,٥ مليون دولار، ويوجد نحو ٧٩٠ شركة تركية تعمل فى بلادنا باستثمارات ٢,٥ مليار دولار فى عدة قطاعات؛ على نحو يجعلنا نتطلع إلى تطوير وتعميق علاقات التعاون بين البلدين فى مختلف المجالات.
-وفي نهاية أكتوبر 2023 زار وزير التجارة التركي “عمر بولات” مصر ويرافقه 100 رجل أعمال، وهدفت الزيارة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين تركيا ومصر، وضم الوفد التركي 113 رجل أعمال من بينهم 10 رؤساء لمنظمات مجتمع مدني، وعقد خلال الزيارة الاجتماع الخامس للجنة المشتركة لاتفاقية التجارة الحرة واجتماع التضامن التقني الذي عقد بين مصر وتركيا وناقش بحث توسيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وبدء مباحثات التقييم واستخدام العملات المحلية في التجارة بين البلدين، وصعوبات الحصول على إذن عمل والمشاركة في السوق التي واجهتها دوائر العمل في مصر مع تأسيس خط رورو، وذلك رغم وجود مطالبات في مجلس النواب المصري بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، بسبب إضرارها بالمنتج المحلي، وقد تزامن مع ذلك مباحثات بين البنك المركزي المصري والتركي حول وضع آلية للتبادل التجاري باستخدام العملات المحلية بين الدولتين، وهو ما سيحقق عائد اقتصادي كبير على اقتصادهم لاسيما في ظل أزمتي التضخم وارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في مصر وتركيا.
وجدير بالذكر، أن وزير الإنتاج الحربي المصري محمد صلاح الدين مصطفى قد دعا رئيس وكالة الصناعات الدفاعية التركية خلوق جورجون، للمشاركة في النسخة الثالثة بمعرض الصناعات الدفاعية والعسكرية (EDEX 2023) المقرر عقده بمصر خلال الفترة (4 -7) ديسمبر 2023، وأكد الطرفان على أهمية البدء في التعاون بمجال صناعات الدفاعية، ويعد المعرض هو الحدث الدفاعي والأمني الوحيد القارة الإفريقية والشرق الأوسط.
مما سبق، نجد أن القاهرة وأنقرة قد تمكنتا من إدارة الخلافات بينهما وتوصلتا لآليات معالجتها عبر تطبيع العلاقات وتبادل السفراء والدفع بالتعاون الثنائي بينهم على كافة الصعد، ولعل أبرز المجالات التي تشهد توافقا مصريا تركيا ومرشحة للمزيد من التعاون هي القضية الفلسطينية، وكذلك مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي، ففي ظل تشابه الأوضاع الاقتصادية الحالية في كل من مصر وتركيا سيكون من الأفضل لهما تكثيف تعاونهم الاقتصادي والاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري وهو ما سيحقق عوائد اقتصادية هامة عليهم، كما يمكن عودة برامج رحلات “الشارتر” السياحية بين الدولتين التي كانت معتمدة قبل عام 2013، بدورها فقد أعلنت أنقرة رغبتها في زيادة استثمارتها في مصر إلى (15 مليار دولار)، وهو ما سيعود بالنفع عليهم، وتتمثل الاستثمارات التركية في مصر المرشحة لمضاعفتها وضخ المزيد من الاستثمارات بها في مجالات (الملابس الجاهزة) وهناك شركات تركية تدرس الدخول فى مجال التكنولوجيا بمصر، وأيضا يمكت التعاون بمجال تصنيع السيارات وتجميعها لاسيما وأن أنقرة انتجت مؤخرا أول سيارة كهربائية ذاتية الصنع، ويعد مجال النقل والطاقة من أكثر المجالات المرشحة للاستثمار التركي المصري لاسيما وأن القاهرة هي من أهم مستوردي الغاز المصري وكذلك أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا مما يفتح أبواب القارة السمراء للمنتجات التركية عبر نقلها من خلال الموانىء والمطارات المصرية لدول القارة، في المقابل يمكن لأنقرة التوسط لحل أزمة “سد النهضة” بين مصر وأثيوبيا والسودان، كما يمكن تعزيز التعاون بين القاهرة وأنقرة في المجال الثقافي والعلمي بشتى مجالاته وتوظيف التاريخ المشترك بينهم لتعزيز تبادل البعثات الثقافية والعلمية وتدريس اللغة التركية والعربية في الدولتين بشكل أوسع، ومن المنتظر أن يتم إعادة إحياء مجلس التعاون الاستراتيجي المصري التركي رفيع المستوى وهو ما سيمثل إطار مؤسسي فاعل لدفع العلاقات بين الدولتين.
وهذا التقارب لا ينفي وجود خلافات بين وجهتي النظر المصرية والتركية في عدد من الملفات، بيد أن هذا لا يعني بالضرورة حدوث توتر بين البلدين، لأن القاهرة وأنقرة اختارا الحوار كسبيل لمعالجتها، وهو الخيار الأفضل لإدارة العلاقات بين أكبر دولتين بالشرق الأوسط، ومن أبرز تلك الملفات الخلافية هي .. الملف الليبي فمازالت أنقرة تحتفظ بتواجدها العسكري في غرب ليبيا وتدعم حكومة “عبد الحميد الدبيبة” التي انتهت شرعيتها بيد أن أنقرة مؤخرا أعلنت دعمها لإجراء انتخابات جديدة بليبيا وهو ما يتوافق مع الموقف المصري والدولي، وكذلك تعترض القاهرة على استمرار القصف التركي على شمال سوريا والعراق والذي أكدت أنقرة مواصلته لملاحقة عناصر “حزب العمال الكردستاني” المصنف “إرهابيا” بتركيا ولذا يمكن طرح وساطة مصرية في هذه القضية لاسيما في ظل العلاقات المتميزة بين مصر وكافة أطرافها (بغداد وإقليم كردستان العراق، دمشق وقوات سوريا الديمقراطية الكردية).
كما تريد أنقرة الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تديره القاهرة وهو مازال محل بحث بينهما، وما سيسفر عنه من ترتيبات اقتصادية وسياسية بشرق المتوسط تعني الدولتين لعل أبرزها هو ترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر ودول المنطقة، هذا فضلا عن رفض القاهرة للإعتداءات التركية على السيادة القبرصية واليونانية والتنقيب عن الغاز بشكل غير شرعي أمام سواحل نيقوسيا وأثينا بشرق المتوسط، والتي كان آخرها الاعتداء التركي على قوات الأمم المتحدة بقبرص في أغسطس 2023، حيث اتّهمت الأمم المتّحدة قوات تابعة للقبارصة الأتراك بمهاجمة عناصرها أثناء تصدّيهم لمحاولة شقّ الطريق في المنطقة العازلة بين (دولة شمال قبرص الغير معترف بها سوى من تركيا) ودولة قبرص.
ولعل الخطوة المنتظرة من الدولتين هو قيام الرئيس “السيسي” أو “أردوغان” بزيارة رسمية للآخر، وقد أكد الأخير أنه تلقي دعوة من الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” لزيارة القاهرة وقدم له دعوة مماثلة، وربما يتم حاليا الترتيب لتلك الزيارة بين الأجهزة السياسية والمخابراتية للدولتين وربما يتم إرجائها حتى الانتهاء من معالجة كافة القضايا الخلافية بينهم، ويمكن أن تتم بعد إنتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أو منتصف العام المقبل، وستكون حال حدوثها نقطة تحول في العلاقات المصرية التركية وستدشن مرحلة جديدة من التعاون والتوافق والتنسيق في شتى المجالات بين الدولتين.
خلاصة القول، أن النظام الدولي الحالي يمر بمرحلة اضطراب تتصاعد فيها الدعوات الروسية والصينية لتغييره من نظام آحادي القطبية لمتعدد الأقطاب، وهذا يؤدي للمزيد من الضغوط على النظم الإقليمية كالشرق الأوسط، ولذا فإن الحوار والتعاون المصري التركي أصبح ضرورة ملحة لتعزيز التعاون الثنائي بينهم ولمعالجة القضايا الإقليمية المتعددة والحفاظ على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط المضطربة والتي تشهد المزيد من التحولات المستمرة في توازنات القوى بين عناصرها وسيسفر عنها ترتيبات إقليمية جديدة ستؤثر سلبا وإيجابا على مصر وتركيا.
____
د. منى سليمان
*باحث أول ومحاضر في العلوم السياسية والشأن التركي