بقلم: ماهر المهدي (زمان التركية)- المواقف الجامدة في الأوقات الصعبة قد تثير الدهشة والاستغراب من القسوة الظاهرة وربما المتعمدة، ولكن البعد عن المشهد قليلًا ربما يساعد في رؤية صورة أوضح لمسرح الأحداث ويتيح فرصة أفضل لتقدير الأمور.
على مسرح الأحداث تترابط الصور والمشاهد بشكل ما ولو تباعدت مواقعها على سطح الأرض وخاصة في الوقت الراهن الذي يرتبط فيه العالم مع بعضه البعض بقنوات عدة أهمها الترابط السياسي والأمني والاقتصادي والمالي والإنساني.
والعالم ينسى حقيقة، لأن النسيان من طبيعة الإنسان الغالبة. ولكن التجارب المؤلمة لا تنسى سريعًا، وما فتأ العالم يحاول جاهدا البعد عن استخدام القوة لتسوية النزاعات والحصول على أو استرداد الحقوق المفترضة، ولكنه ما زال يقع كل حين في حالة من حالات استخدام القوة لفرض إرادة جانب ما على جانب آخر على أرض الواقع. وهذا الخروج على الصف هو الأمر الذي يهز العالم في أعماقه وبهدد كثيرًا من إنجازاته التي حققها في عصور السلام وفي غياب الحروب والمواجهات العسكرية. وليست كل الصراعات واحدة بالطبع. فالصراع الذي يقع في القلب وبمزق بعضًا من أهم شرايين الحياة التي صممت وبنيت لتصمد وتعيش وتسهم في البناء وفي التطوير لعشرات السنين قد يرنو إلى مستوى الخيانة ويستوجب أقسى العقوبات، لا لكونه خروجًا على الصف فيما يتعلق باستخدام القوة لتسوية النزاعات رغم رفض العالم لهذا الاسلوب، ولكن أيضًا للضرر الواسع النطاق الذي ألحقه بجميع الأطراف ذات الصلة القريبة والبعيدة بطرفي أو أطراف الصراع .
إن العالم كله يدرك وبعرف جيدًا ويلات الحروب والمواجهات العسكرية ويحاول البعد عنها بكل الطرق -رغم تفاوت حجم المصالح وتفاوت ححم الضرر بالطبع بالنسبة إلى كل الأطراف. ولكن ترابط العالم وتأثره ببعضه البعض بسرعة وبقوة سياسيًّا واقتصاديًّا وماليًّا وأمنيًّا قد يحد بفعالية من مساحة الاختيار أمام دول عديدة عند الرغبة في سلوك اتجاه مخالف للدول الأقوى والتي تملك ناصية الأمور وصمامات بعض عناصر الحياة الجوهرية فيها. وبذا، فقد يصبح القرار في يد الأقوى ليحاول إدارة الأمور كيفما يرى هو. وبالطبع، فإن تكرر واقعة استخدام القوة على يد طرف ضد طرف آخر لتسوية نزاع أو تصحيح وضع أو تحقيق تقدم على صعيد ما في منطقة ثانية من العالم في ذات الوقت سوف يلقى موقفًا حاسمًا من المجتمع الدولي ضد من استخدم القوة ولو كان على حق.
والحكمة من موقف المجتمع الدولي الحاسم قد تكمن في الحيلولة دون اتساع نطاق الأعمال العسكرية، وكذلك عدم مكافأة مستخدم القوة على تصرفه، فضلا عن محاولة الحد من الأضرار التابعة. لهذا السبب، قد يبدو موقف العالم حاسمًا ظالمًا في حالات بعض الصراعات.
إن التنمية والتعليم والبحث العلمي والزراعة والصناعة والصحة والحرية قد يكونوا أهم عناصر التقدم فى المجتمعات اليوم ، لأن المجتمع السليم صحيا المتعلم الحر المنتج هو مجتمع قوى رشيد التصرف والتقدير وقادر على حماية أبنائه من شرور كثيرة -ومنها شرور الحروب والمواجهات العسكرية- بأساليب وطرق عديدة قبل أن يسمح لنفسه بالانزلاق إلى هوة حرب تدمر فى ساعات قليلة ما بناه فى سنوات وعقود طويلة باهظة التكلفة.