نشر موقع The Newarab مقالًا عن الأحداث المتصاعدة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، وقد كتب المقال الكاتب والمتخصص فيشؤون الشرق الأوسط “وينثروب رودجرز (Winthrop Rodgers)” وهو يقوم بتحليل الأحداث من محل إقامته الحالي في السليمانية في إقليم كردستان العراق، و يركز على السياسة وحقوق الإنسان والاقتصاد السياسي.
إن الهجوم الأخير الذي شنته الجماعة الكردية المسلحة على أنقرة، ردًّا على القمع المتزايد ضد الأكراد في المجال السياسي في تركيا، يمكن أن يمثل تصعيدًا وليس تحولًا استراتيجيًّا أساسيًّا.
فبينما يواصل حزب العمال الكردستاني (PKK) شن صراعه المستمر منذ عقود ضد الحكومة التركية، وبعد سنوات عديدة من عدم قيام حزب العمال الكردستاني بعمليات كبيرة داخل المدن التركية ، نرى هذا تغير في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عندما شنت هجومًا انتحاريًّا على مدخل مقر وزارة الداخلية في أنقرة. كما تزامن هذا الهجوم مع الجلسة الافتتاحية للبرلمان التركي، وقد نفذ أحد مقاتلي حزب العمال الكردستاني تفجيرًا انتحاريًّا بينما قتلت قوات الأمن آخر بالرصاص وأصيب شرطيان في الهجوم.
وبالعودة إلى الماضي فمن الجدير ذكره أنه ومنذ انهيار الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام في عام 2015، تعرض حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية، لضربة قوية من الضربات الجوية عبر الحدود على قواعده في إقليم كردستان العراق، بينما امتنع عن شن هجمات واضحة للغاية، وفي أعقاب زلزال 6 فبراير وسط تركيا، أعلنت وقف إطلاق النار من جانب واحد لتسهيل عمليات الإنقاذ، والذي استمر حتى 13 يونيو.
وفي الوقت نفسه، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وائتلافه الحاكم بقمع قدرة الأحزاب السياسية الكردية، وخاصة حزب الشعوب الديمقراطي، على خوض الانتخابات وتولي ممثليهم مناصبهم، وعلى كل فإن الحركة الكردية في تركيا تقف اليوم بلا أدنى شك في موقف دفاعي. وفي حين أن هجوم أنقرة يمثل بالتأكيد تصعيدًا، فمن غير الواضح ما إذا كان هذا يمثل تغييرًا جوهريًّا في استراتيجية حزب العمال الكردستاني أو أنها ضربة لمرة واحدة لإظهار احتفاظه بالقدرة على ضرب مؤسسات الحكومة التركية.
وقد صرح داستان جاسم، زميل الدكتوراه في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق، للعربي الجديد بقوله “لقد كان هجومًا لزعزعة الأمور” وأضاف: “تركيا لا تهاجم بشكل مستمر قواعد حزب العمال الكردستاني فحسب، بل بشكل عام كل أنواع الهياكل الكردية التي نراها في تركيا”. وأضاف : “لا أعتقد أن هذا تغيير كبير في الإستراتيجية، لكن لديهم شعور واضح بأن الأمور تصل إلى طريق مسدود أكثر فأكثر” .
وفي الساعات التي تلت الهجوم، أصدر الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني بيانًا زعم فيه ما أسماه “عمل التضحية” و”الدفاع ضد تجاهل حقوق الإنسان” للشعب الكردي، وحذر البيان من أنه إذا لم توقف حكومة أردوغان “جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ذات الدوافع الفاشية، فإن الإجراءات المشروعة بمعنى العدالة الثورية ستستمر”.
كما وقد أشارت سيلين أويسال، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أهمية التوقيت الرمزي للغاية وموقع الهجوم، الذي جاء قبل ساعات فقط من موعد إلقاء أردوغان كلمة في مبنى البرلمان القريب. وقالت أويسال لـ«العربي الجديد»: “هناك مؤشرات على عهد جديد في الحركة الكردية بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية “.
وأوضحت أن “انتصار أردوغان وحلفائه اليمينيين المتطرفين يعني أن الحكومة التركية ستحافظ على موقفها المتشدد وسيستمر التضييق على الحركة الكردية داخل المجال السياسي” .
الجدير بالذكر أنه منذ عام 2019، اعتقلت حكومة أردوغان العديد من السياسيين من حزب الشعوب الديمقراطي، متهمة إياهم بصلاتهم بحزب العمال الكردستاني، وتم عزل العشرات من رؤساء البلديات المنتمين إلى حزب الشعوب الديمقراطي وغيرهم من المسؤولين المنتخبين من مناصبهم واستبدالهم بأشخاص معينين من حزب العدالة والتنمية الحاكم ، وفي مارس 2021، اتهم أحد كبار المدعين العامين في تركيا حزب الشعوب الديمقراطي بالعلاقات مع حزب العمال الكردستاني ورفع دعوى قضائية لحظر الحزب، وبينما ينفي حزب الشعوب الديمقراطي أي روابط، إلا أنه خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2023، اختارت الترشح تحت راية حزب اليسار الأخضر (YSP) بدلاً من المخاطرة بالمزيد من التعقيدات القانونية.
كان التفكير هو أن هجمات حزب العمال الكردستاني على المدن من شأنها أن تحد من جاذبية حزب الشعوب الديمقراطي لدى الناخبين، لكن نهج الحكومة القاسي تجاه جميع أنواع الجهات السياسية الكردية ربما يكون قد قوض منطق تلك الاستراتيجية.
وكما يعلق جاسم بقوله إن: “القول بأن هذا الهجوم كان سيئًا من الناحية الاستراتيجية [بالنسبة للأكراد] سيفترض أن هناك خيارًا أفضل، أي حل سياسي أو نهج ما على الطاولة والذي أصبح مستحيلًا في الأساس بسبب هذا الهجوم”، موضحًا السبب وراء احتمالية قيام حزب العمال الكردستاني بذلك، ومع ذلك، فإن الكفاح المسلح لا يبدو بديلاً جذابًا. ويتعرض حزب العمال الكردستاني لضغوط شديدة عبر الحدود في العراق من خلال الضربات الجوية وشبكة القواعد التركية في عمق الأراضي العراقية، وفي كل عام، تطلق أنقرة مجموعة جديدة من العمليات المصممة لتعطيل نشاط حزب العمال الكردستاني وإبقاء المجموعة محاصرة في معاقلها الجبلية.
كما شنت تركيا هجمات مكثفة على أهداف في شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها الجماعات الكردية مثل وحدات حماية الشعب (YPG) التي تدعمها الولايات المتحدة كحصن ضد عودة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تركيا تعتبرها جزءًا من التحالف الدولي الداعمة لحزب العمال الكردستاني.
ووفقًا لتحليل حديث أجرته رويترز، فقد شن الجيش التركي ما لا يقل عن 2044 غارة جوية في العراق وسوريا في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 53٪ عن العام السابق.
وفي حين أن الادعاءات حول مدى فعالية هذه الإجراءات في قتل مقاتلي حزب العمال الكردستاني لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد نظراً لفائدتها كدعاية، فمن الواضح أن الضغط الحقيقي الذي تمارسه تركيا يؤثر سلباً على حزب العمال الكردستاني.
وكما تقول أويسال إن الجماعة “كانت تفقد مواقعها في تركيا من حيث الأنشطة والتجنيد خلال السنوات الماضية” .
ولذلك، يبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن يتمكن حزب العمال الكردستاني من شق طريقه إلى طاولة المفاوضات بينما تظل حكومة حزب العدالة والتنمية في السلطة. وفي أعقاب هجوم أنقرة، شنت تركيا غارات جوية مكثفة على مدى أيام في إقليم كردستان العراق وشمال شرق سوريا.
ومن جانبه فقد صرح وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” خلال مؤتمر صحفي قائلًا: “إن جميع مرافق البنية التحتية ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب في العراق وسوريا هي أهداف مشروعة” . وبالفعل فابتدائا من 1 أكتوبر، شنت الطائرات والطائرات بدون طيار التركية موجة من الغارات الجوية على أهداف في جميع أنحاء إقليم كردستان، مما أثار إدانة الحكومة العراقية في بغداد. وأدت الغارات الجوية المقابلة في شمال شرق سوريا إلى مقتل ما لا يقل عن 11 مدنيا وألحقت أضرارا جسيمة بمرافق البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الكهرباء ومحطات معالجة المياه. وتم قصف أكثر من 200 موقع في الأيام التي تلت تحذير فيدان، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية، ومع ذلك، فإن هذا النشاط العسكري التركي يمثل زيادة في الوتيرة، وليس ديناميكية جديدة.
ويبقى أن نرى ما إذا كان حزب العمال الكردستاني سيشن عمليات إضافية ضد مؤسسات الحكومة التركية في الأشهر المقبلة أو ما إذا كان الهجوم في أنقرة مهمة لمرة واحدة لإرسال رسالة. وإذا حدث تحول استراتيجي، فمن شأنه أن يؤدي إلى تعميق صراع نشط وعنيف بالفعل في جزء من المنطقة لا يستطيع تحمله، وكما عقبت أويسال: “ستكون العواقب المزيد من عدم الاستقرار في المناطق الضعيفة بال
فعل في العراق وسوريا”.