بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)- التأمل والتفكر فيما مضى في قديم الأزمان وفي حديثها على صفحات التاريخ وفي ذاكرة البشرية جزء هام من مصادر القوة لدى الإنسان والتي تعينه على تفهم نفسه وعلى إدراك قدراته المختلفة الجسدية والعقلية والنفسية وغيرها من القدرات.
كما أن التأمل والتفكر في وقائع التاريخ على مر العصور والسنين قد يكشف لنا كل يوم المزيد من المعرفة حول الكون الذي نعيش فيه وما به من مخلوقات نعرف بعضها وندرك بعضها. السنون تمر فرادا وعقودا قليلة وكثيرة وهي تدهس الأحداث والناس والأسماء والأسرار وتثير الرياح والعواصف وستائر التراب وتلملم أشياءها جميعًا في رحلتها إلى منتهاها. ولا تترك السنون شيئًا مما يخصها وراءها. فإذا هدأت أحوالها وحان الوقت لتحط رحالها، نشرت ما لديها جميعًا بلا كذب ولا رياء ولا غش لصالح أحد أو ضد أحد.
فالكل أمام الأيام والشهور والسنين سواسية لا تميز أحدهم قرابة ولا تبعد أحدهم ضغينة أو ثأر، من يتوقف أمام لوحة الحياة يرى -في بعض أجزائها المتفرقة حول العالم- طغاة كان لهم الحكم وسطعت نجومهم يومًا، فأحبوا العمى على الرؤية، ورأوا أنفسهم وتمنوا أن يكونوا -في أفضل حال- في صور وحوش مخيفة لم تر من قبل ولم يعرف لها أحد منشأ ولا موطنًا، وجعلوا أعزة الناس حولهم أذلة وهم ينتشون في سعادة وشماتة لا مبرر لها سوى مرض قلوبهم. فكانوا يرون في كل ظلم وفي كل اعتداء على الغير نصرًا عزيزًا وفوزًا مؤزرًا وهم لا يكسبون إلا كراهية الناس والأشياء من حولهم. فلم يكونوا على علم إلا بسبل البطش بالناس والاستيلاء على ما للغير في شتى بقاع الأرض. وكثرت عليهم أمراضهم النفسية والعقلية، فاستباحوا كل شيء وتعدوا الحدود ظالمين مقبوحين ربما حتى في عيون من حولهم من الأتباع المتوحشبن الذين ساندوهم في حملات القهر والبطولات الزائفة.
وعندما خارت قوى الأشاوس المزعومين في التراب، سقطت الغطرسة المطلبية بالذهب المسروق والدم المسفوك على الأرض مفتتة مهانة كأصحابها. وهرع الأتباع المتوحشون الى كل حدب وصوب كالجرذان المذعورة وهم يستخفون ثيابهم ويتنكرون لصورهم ولأسمائهم التي كانت ملء السمع والأبصار مكسوة بكل الخوف والقسوة، لعلهم يجدون في جحور المهملات مأمنا ينجون فيه من الحساب ومن العقاب ومما صنعت أيديهم من الأهوال. لقد نسي القساة جميعًا عبر السنين وفي مختلف بقاع الارض أن لكل شيء أجلًا، ولكن من خلق الناس والكون كله لا ينسى ولا ينام ولا يغير سنته فى خلقه يوما ما، عونًا للناس ولخلقه جميعًا وحفظا للحقوق.
إن الهروب من المسؤولية ليس إلا عملًا لئيمًا لا يأتيه إلا لئيم، لأنه ينطوي على هجر المسؤولية المعلقة برقبة الهارب الفار من الكرامة إلى موارد الذل والهوان بعد أن تجاوز الحدود وفعل ما فعل وآذى من آذى. والهروب للضعفاء جبن وخسة ونذالة لا تمحى ولا تزول، فماذا يكون الهروب لأصحاب العظمة وأرباب الزعامة والقيادة؟ وماذا يسمى هروب القاهرين المتجبرين القساة باسم الشجاعة وباسم الوطنية وباسم السمو؟ إن أسماء الطغاة والسارقين وأتباعهم من المعتدين لن تنجوا أبدًا في الدنيا من حساب الناس ومن حساب الأيام. وللسماء عدالة لا تخطأ ولا تخدع سواء من مؤمن أو من غير مؤمن. ويبقى سؤال هام إلى الهاربين الفارين: كيف بدا الهروب في أعينكم وكيف اقتنعتم به؟ بطولة جديدة أم بطولة مختلفة لا بأس بها أم اعترافًا بهزيمة لم تتصوروها أبدًا وأنكرتموها حين بدت جلية في الأفق؟