بقلم: لواء دكتور/ شوقي صلاح
القاهرة (زمان التركية)ــ كم آذى بنو إسرائيل سيدنا موسى عليه السلام، وأكد هذا القرآن الكريم في قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا” (الأحزاب، 69) واشترط بنو إسرائيل يومًا على سيدنا موسى ليؤمنوا برسالته أن يروا الله جهرة، فكان جزاؤهم الصاعقة؛ قال تعالى: “وَإِذْ قُلتُم یَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهرَة فَأَخَذَتكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُم تَنظُرُونَ” (البقرة، 55). والآن نحن أمام فصل جديد من التحدي مبادئ الأديان السماوية، حيث يسعون في الأرض فسادًا.. لكن نصر الله قريب.
– هذا وبعد مرور أسبوعين على بدء الحرب عقب العملية العسكرية لعناصر المقاومة الفلسطينية والتي أطلقوا عليها “طوفان الأقصى”، فقد تدفقت المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، كما حدث في حرب أكتوبر 1973، بل وفاق الدعم الحالي سابقة، فأرسلت الولايات المتحدة وألمانيا بعض قوات النخبة للقيام بمهام دعم للجيش الإسرائيلي في حربه ضد فصائل المقاومة بغزة، وخشية توسع نطاق الحرب، وسوف نتوقف بالتحليل الأمني والقانوني أمام بعض مشاهد هذا الصراع، أملاً في إنهاء هذه الحرب والحيلولة دون توسع نطاقها.
* عملية “طوفان الأقصى” مقاومة مشرُوعَة ضد محتل غاصب
– لقد أدهشتني كلمات المتحدثين عن الدول الغربية في مؤتمر السلام بالقاهرة، حيث أجمعوا على أن عناصر المقاومة في غزة ينتمون إلى تنظيمات إرهابية، وما نؤكده وبكل صراحة وموضوعية؛ أن كفاحهم هذا ضد المحتل الإسرائيلي يدخل في نطاق أعمال المقاومة المسلحة لتحرير وطن محتل، ومع هذا ندين ما قاموا به من خطف للرهائن من المدنيين واحتجازهم.. رغم أن هدفهم من الخطف والاحتجاز هو المقايضة بهم لتحرير رهائنهم في السجون الإسرائيلية، بجانب إجبار المحتل على الحد من ضرباته الانتقامية خاصة بعد العملية العسكرية الناجحة التي قاموا بها.
– هذا وإن أردنا للعدالة الجنائية الدولية أن تتحقق، فعلى مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار بتشكيل محكمة جنائية دولية خاصة بأحداث 7 أكتوبر وما تلاها من أحداث في قطاع غزة، على غرار ما صدر عن هذا المجلس بشأن تشكيل محكمة جنائية دولية ليوغسلافيا السابقة (تأسست بموجب قرار مجلس الأمن رقم 827 في 25 مايو 1993) وهكذا الحال أيضًا بشأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (المشكلة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 955 لسنة 1994)، وليَمثُل المتهمون من الطرفين أمام المدعي العام الذي تُعينه المحكمة، وعقب تحقيقات موضوعية عادلة، يحال المتهمون بعدها لهيئة المحكمة لتقضي في الاتهامات المسندة إليهم، بحكم فيه قصاص عادل لكل من خالف قواعد القانون الدولي الإنساني وارتكب جرائم جنائية دولية.
– وإن أشرنا في معرض هذا الحديث، بما وقعت فيه فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة من خطف مدنيين واحتجازهم كرهائن، فنرجع هذا لوجود قصور في مستوى احترافيتهم العسكرية، فمن قبيل الاحترافية أن تتجنب ارتكاب جرائم حرب، ولا نستطيع أن ندفع أخطاءهم بدعوى أن كلًّا منهم لديه ثأر من العدو الإسرائيلي الغاصب، وعندما لاحت الفرصة وفي ظل مواجهة مباشرة من المسافة (صفر) فإن بعض عناصر المقاومة ارتكبت خروقات لقواعد الاشتباك وللقانون الدولي الإنساني.. فأساس العيب يرجع لقصور تدريبي، وكان على المقاومين إدراك، أن الجوانب القانونية والإعلامية لها أهميتها القصوى في إعداد المقاتل المحترف، ومن المؤسف أن الإعلام الفلسطيني ثم العربي زاد الطين بلة بنشر مقاطع فيديو توثق هذه الانتهاكات، بينما على الجانب الآخر تنتخب الآلة الإعلامية عشرات المشاهد التي سجلتها عناصر المقاومة وأعادت نشرها لتصمهم بالإرهاب والوحشية والبربرية.
* إرهاصات حرب دينية بين اليهود والمسلمين تلوح في الأفق
– هناك معطيات تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، ويبدو هذا جليًّا في قيام وزير الأمن الداخلي بالظهور علنًا وهو يعتمد الرسومات الهندسية الخاصة بهيكل اليهود –يدعي اليهود أنه معبدهم الأول في القدس وأن الذي بناه سيدنا سليمان حسب ادعائهم- وتعتزم هذه الحكومة إقامته بعد هدم المسجد الأقصى، وقد كان التوقيت المزمع تنفيذ هذا المخطط بعد الأعياد اليهودية الأخيرة، أي بعد يوم السابع من أكتوبر، لذا فقد استبقت فصائل المقاومة الأحداث بالقيام بعملية “طوفان الأقصى”، ولعل المؤسف في هذا الشأن أن يعلن الرئيس الأمريكي أنه يفتخر بكونه “صهيونيًّا” ويُعلن وزير خارجيته أيضًا وهو في زيارته الأخيرة لتل أبيب، أنه يأتي في هذه الزيارة باعتباره يهوديًّا !!!.
– وبسبب التصريحات المشار إليها فقد واجهت الولايات المتحدة عملية قتل خطيرة قام بها شاب من أصول شيشانية، وقَتَل فيها بسكين مُدَرسَه كما قتل اثنين آخرين، في جريمة يبدو أن باعثها ديني، هذا وتوالت بلاغات وجود قنابل في مطارات فرنسية، ترتب عليها غلق ست مطارات للقيام بأعمال التفتيش والتعقيم الأمني، فهم يتخذون هذه البلاغات على محمل الجد، ويتخذون إجراءات التأمين اللازمة في هذا الشأن، وفي إيطاليا أُغلقت مدرسة يهودية لرصد تهديدات باعتداءات على طلبتها ومُدرسيها، وفي ألمانيا قام أشخاص بإلقاء قنابل مولوتوف على كنس يهودي.. .
– ونؤكد، على أن تحول الصراع إلى حرب دينية بين مسلمين ويهود يترتب عليه نتائج كارثية في كل أرجاء المعمورة، فلتنتبه الحكومة الإسرائيلية الدينية المتطرفة ومناصريها إلى أن عدد يهود العالم في كافة أرجاء المعمورة 14 مليون نسمة، لذا فعليهم إدراك خطورة ما هم مقدمون عليه.. ونحن المسلمون -خاصة في مصر- نجل ونحترم سيدنا موسى عليه السلام، فهو مصري، ولد في مصر وعاش فيها، وتجلى المولى عز وجل عليه على أرضها بسيناء، فهو عليه السلام جَدُنا ونفتخر، ونشير في هذا الصدد أنه؛ لما قدِم نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وقالوا “إنه يوم عظيم، نجى فيه الله موسى وأغرق فرعون وجنده، فصامه شكرًا لله” فقال نبينا صلى الله عليه وسلم، “نحن أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ” وصامه وأمر بصيامه.
* هل تتكرر أحداث معركة ” بيرل هاربر” ؟؟؟
– بعد عملية الطوفان المشار إليها، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى شرق البحر المتوسط أحدث حاملات طائرات، وهكذا فعلت بريطانيا، وذلك لتوفير الحماية اللازمة لإسرائيل من مخاطر توسع الصراع.. فهل يمكن أن تعاد مشاهد معركة “بيريل هاربر” ؟ وللتذكرة فهي غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية اليابانية – أطلقوا عليها العملية -(Z) في السابع من ديسمبر 1941، ضد الأسطول الأمريكي القابع بالمحيط الهادئ في قاعدته البحرية بميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، وأرغم هذا الحدث الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية.
– ونؤكد في هذا السياق أن حاملات الطائرات المشار إليها بجانب ما تمتلكه من تكنولوجيا تسليح متطورة للغاية تجعلها قادرةٌ على مواجهة كافة أنماط الاعتداءات، سواء القادمة من البحر أم الجو أم البر.. كما ترافقها العديد من القطع البحرية التي تتولى مهام حمايتها أيضًا، ولا تملك دول المنطقة من التكنولوجيا العسكرية لصواريخها ما يُمَكنها من إغراق هذه القطع البحرية، حيث تملك هذه النوعية من الصواريخ فقط الدول المتقدمة كروسيا والصين، فهل نقلت هذه الدول مثل هذه التكنولوجيا لدول بالمنطقة؟ وبفرض هذا، فإن ما تملكه الولايات المتحدة من قدرات فائقة على الردع.. تجعل الآخر يفكر ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة المتهورة.. ومع هذا ففي حالات فقدان الأمل والانهزام الكاسح.. حيث لا يصبح هناك ما تبكي عليه.. هنا لا تجد مخرجًا سوى تطبيق نظرية “الخسارة للجميع”.
– ومؤخرًا تناقلت وكالات الأنباء خبر قيام الحوثيون بإطلاق رشقة صواريخ على مدمرة أمريكية وهي في طريقها أمام سواحل اليمن بالبحر الأحمر، فتصدت لها بنجاح صواريخ المدمرة الدفاعية.. فهل هذا يعد من قبيل جس النبض؟ أم أنها رسالة للولايات المتحدة مفادها أن سحائب الصواريخ ستهدد قطعها البحرية القابعة بالمنطقة حال توسع نطاق الصراع.. وأن تكثيف وجود حاملات للطائرات، بجانب غواصات نووية في المنطقة أمر استعراضي معنوي أكثر منه قدرة على الردع، ولما لا فهناك حركة مقاومة تملك ما يزيد على المائة وخمسين ألف صاروخ، عشرة ألاف منهم فقط يمكن توجيهها لهذه القطع، بجانب استهدافها أيضًا بضربات تحت الماء، وخلال ست ساعات فقط.. بعدها ستفقد غالبًا تلك القطع البحرية قدرتها على الدفاع عن نفسها، وهنا يمكن استهداف الطائرات الموجودة على الحاملات، فتلك الطائرات ملكات في السماء حال طيرانها، أما وهي رابضة على سطح الحاملات أو الأرض فتحتاج دائمًا لحماية.. كما يمكن استهداف المدرج أيضًا، خاصة مع تطور تكنولوجيا المسيرات الانتحارية – فمنها ما يكون له قوة تدميرية كبيرة، ومنها ما يُحدث حريقًا فور اصطدامه- وقد شاهدنا تدميرها لأحدث الدبابات الغربية بحرب أوكرانيا.. لذا فقد تحتاج تلك الحاملات إلى تطوير يعزز حمايتها، لذا فإن الأمر يتطلب تطوير هيكل هذه القطع البحرية، بإنشاء مظلة فولاذية على جانب من سطح الحاملة، لتوفير حماية للأيقونات الموجودة على سطحها، وإعاقة أي استهداف لها من الأجناب، خاصة بعد تحييد قدراتها الدفاعية.
– هذا، وإن تأكدنا فنيًّا من حقيقة تلك المخاطر، فإن على الدول التي تملك تلك الحاملات سحبها لتطوير كفاءتها، وهنا لنا أن ندعو الكلية الفنية العسكرية وكليات الهندسة في مصر، للإعلان عن مسابقة بحثية للمهندسين المتخصصين في هذا المجال لتقديم نماذج اختراع لتطوير حاملات الطائرات وفقًا لوضعها الحالي، مع مسابقة أخرى لتقديم نموذج معدل جديد للحاملات، لا تكون فيه الدُرر الرابضة عليه من طائرات معرضة للقصف، ولي أن أحتفظ بحقي في الملكية الفكرية لهذا الاقتراح.
“التوابيت الملكية” سكنت كهوفها..
– أجمع المحللون على أن اتساع نطاق الصراع الحالي بالشرق الأوسط يحمل في طياته مخاطر واسعة النطاق، بما تتحقق معه خسائر جسيمة لكافة الأطراف، خاصة وقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما في حلبة الصراع، من خلال إرسال قوات عسكرية من مختلف الأفرع، معززة بآلاف من عناصر النخبة، بينما القوى العظمى على الجانب الآخر – خاصة روسيا- اكتفت بتحذير شفوي صريح مفاده: أن التدخل الغربي في الصراع سيدعو أطرافًا أخرى للتدخل، خاصة إذا استمرت إسرائيل في سياستها التدميرية بقطاع غزة، وأعرب بوتين عن هذا خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
– هذا، وفي نطاق التحليلات والخطط الأمنية الصادرة عن الخبراء بشأن هذه الحرب، والتي تم تداولها في مختلف المواقع.. فقد تابعت ما يتعلق منها بمواجهة عمليات الإبادة الجماعية والتهجير القسري لسكان قطاع غزة، فواحدة سميت بخطة “الهجمات المرتدة” وقد تم تداولها خاصة بعد قيام وزير الدفاع الصهيوني بتوزيع أسلحة على سكان إسرائيل بالمستوطنات لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم إذا اقتضى الأمر، وقد أشير في المقابل أنه: سيتم الإعداد لتسليح عناصر من المقاومة الاحتياطية أيضًا، فقد يأتي وقت يضطر فيه سكان غزة والضفة القيام بهجمات مرتدة؛ تعتمد على تحريك أسراب من البشر في اتجاه معاكس.. وللخطة بالطبع تفاصيل عسكرية كثيرة ودقيقة لم يتم الإفصاح عنها.
– كما تابعت أيضًا تداول عنوان لخطة أخرى سميت بـ “التوابيت الملكية” ولم يُكتَب عنها أي تفصيلات تُذكر، سوى عبارات: “عقب رصد تابوت العهد.. سُكٍنت التوابيت الملكية بكهوفها انتظارًا ليوم البعث.. لتَرجع السيوف لأغمادها بعد كسر مضاربها”. وعند محاولتي الوصول للموقع مرة أخرى تبين حذفه.. !!!.
هذا ويبدو من التحليلات التي تابعتها أن: كل أطراف الصراع دخلت النفق، مع علمِها يقينًا بوقوع الزلزال.. وهناك من ينتظر!!!.
“وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا“ 59 الكهف.
__________
لواء دكتور/ شوقي صلاح
خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية