بقلم: ماهر المهدى
القاهرة (زمان التركية)-فى كل بلاد الدنيا فقراء وأغنياء، والغالبية من الناس يعمل ويبحث دائما عن عمل، لأن العمل سر الحياة وسر النجاح وسر الكرامة وهو شرف الإنسان وتجسيد قوته وأصالة بنائه وطبعه الذى شب عليه، وهو نتاج ما تلقى الانسان من تعليم وتلقين ونصح فى حياته. والعمل هو خلاصة الإنسان ونتاج وجوده كله ومعنى حياته كلها، والبعض يهرب من العمل ويتذرع بالحجج الواهية قبل القوية لكي لا يعمل ولا يتحمل مسؤولية ولا يسأل عن شىء ويستمتع بما يتلقى من راتب ومستحقات غير عابىء بما يحدث وما قد يحدث حوله من مستجدات فى الحاضر والمستقبل، والذين يعملون – فى نظر الذين لا يحبون العمل ولا يعملون – أشخاص محبون للكآبة داعاة تشائم ثقيلو الظل بعيدون عن الحقيقة وتائهون عن الواقع، ةينكرون أن العمل هو الحماية الوحيدة لـ الأمس واليوم والغد، وما خلا ذلك فهو وهم وخسارة واضحة، لأنه لا يوجد فى الوجود حالة وسط بين الخسارة والمكسب وبين الخير والشر .
والموت ربما كان أسهل من الحياة ومن الكفاح اليومي من أجل لقمة العيش ومن أجل الإيجار ومن أجل تكاليف العلاج ومن أجل مصاريف المدارس ومن أجل سداد المديونيات ومن أجل الغد وبعد الغد، كما أن الله خلقنا لنعمل ونجد ونكتشف دروب الحياة وأسرارها ونستدل على الله وعلى جميل صنعه وعلى عظيم قدره مما نجده ومما نكتشفه ومما نتوصل إليه من الأسرار والخبايا فى الكون . وخلقنا – سبحانه تعالى – لنعبده ونبنى ونعمر في أرضه الواسعة حيثما حللنا، ولم يخلقنا لنتمنى الموت أو لنلقى بأيدينا إلى التهلكة، بل أمرنا رسوله الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – فى حديثه الشريف ذات الصلة بعدم تمنى الموت إلا اضطرارا حتميا، ما دام الإنسان مؤمنا بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم واليوم الآخر، فالبحث عن الحياة وعن سبل الحياة وعما يعيننا عليها ويسبغ علي حياتنا الخير واليسر والأمن والقوة والإنسانية هو من الإيمان وهو من صحيح الدين فى كل الأديان والفلسفات.
وما الموت بهدف فى الحياة وما هو ببطولة، إلا إذا كان فى سبيل من سبل العزة والشرف التى يعرفها الناس جميعا ويقرونها، والحق واضح والغث واضح لا خلط بينهما ولا التباس.
والفارق بين الانتحار وبين الاستشهاد واضح جلى: فمن استشهد مات دفاعا عن العمل وعن الحياة وعن الحق فى الحياة، ومن انتحر مات هربا من العمل وهربا من الحياة وهربا من المسؤولية ومن الأحياء حوله، ولذلك، فقد يكون من الغريب أن يطلب والد من ولده أو والدة من ولدها أن يصبح بطلا أو أن يقع شهيدا – تلبية لحلم الأب أو الأم – حتى ولو كان الابن مدنيا بسيطا لا علاقة له بالعمل العسكري أو بالعمل الشرطي، فكيف يتأتى للابن أو الابنة أن يقع شهيدا وهو موظف مدنى أو بائع أو تاجر بسيط؟ وكيف يتأتى للابنة أن تقع شهيدة وهى موظفة أو صاحبة عمل بسيط أو بلا عمل؟ إن الشهادة من عند الله، وهى عطاء لكل من أخلص فى عمله حيثما كان وليس على المرء إلا السعى قيما فيما هو صالح ونظامي.