أقرة(زمان التركية)-دعا وزير المالية التركي إلى التحلي بالصبر في الوقت الذي يحاول فيه كادره الجديد من التكنوقراط عكس سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين في اقتصاد البلاد المتضرر، وفي أول مقابلة له مع وسائل الإعلام الدولية منذ تعيينه في يونيو/حزيران، قال محمد شيمشك إنه يسعى إلى “إعادة التوازن إلى الاقتصاد وتخفيف الطلب المحلي” بعد سنوات من السياسات الاقتصادية غير التقليدية المتبعة بناءً على طلب الرئيس التركي.
وقال شيمشك إن الرئيس يدعم التحول في السياسة النقدية الحالية ، والتي شملت رفع أسعار الفائدة بأكثر من 20 نقطة مئوية منذ الانتخابات العامة التي أجريت في مايو.
وصرح وزير الاقتصاد التركي لصحيفة الفينانشال تايمز بقوله “نحن على الطريق الصحيح، وهناك أدلة قوية على عودة الثقة العالمية في الاقتصاد التركي” مضيفا “لكننا بحاجة إلى التحلي بالصبر،فاصلاح الاقتصاد يمثل تحديا حقيقيا ” ، وقد واجه اقتصاد البلاد البالغ حجمه 900 مليار دولار سنوات من الاضطراب بعد أن ضغط الرئيس التركي على وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية المتعاقبين لاتخاذ قرارات استنزفت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وأدت إلى هروب رأس المال الأجنبي وأشعلت التضخم . لإلى أن أجرى الرئيس تغييرات على فريقه للإدارة الاقتصادية في أعقاب الانتخابات، وتم تعيين شيمشك لقيادة عملية إصلاح واسعة النطاق للسياسات النقدية، والتي كانت لسنوات تعتمد على إصرار الرئيس التركي على فكرة مدارها أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم الحاد بدلا من علاجه.
وصرح شيمشك من مكتبه في العاصمة التركية أنقرة قائلا: “لقد اتخذنا بالفعل إجراءات دراماتيكية” .
وقد صرح شيمشك، الخبير الاقتصادي السابق في ميريل لينش والذي عاد مؤخراً من رحلة إلى نيويورك لجذب مديري الصناديق، إن السياسات ستركز على تهدئة التضخم، وإعادة بناء احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية المستنزفة، وخفض العجز المتفاقم في الحساب الجاري، وأضاف شيمشك إن ارتفاع الصادرات والاستثمار سيكون أساسيا لاستدامة النمو، مضيفا أن تركيا ستحتاج إلى أن تصبح أقل اعتمادا على الإنفاق الاستهلاكي الذي يؤجج التضخم.
وفي حين تبنى الرئيس التركي السياسات الجديدة علناً، فإن العديد من المستثمرين والمحللين ما زالوا متشككين بشأن مدى الحدود التي سمح بها الرئيس لفريقه الاقتصادي الجديد بعدم تجاوزها، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئيسية في المدن الكبرى بما في ذلك إسطنبول وأنقرة في أوائل العام المقبل.
رفع الفائدة في تركيا
وبينما يقترب التضخم الآن من حد 60 في المائة، يعتقد معظم المحللين أن محافظ البنك المركزي الجديد حفيظة جاي إركان ستحتاج إلى رفع أسعار الفائدة أعلى بكثير لاحتواء ضغوط الأسعار، مما قد يؤدي إلى صراع محتمل مع الرئيس ويزيد من احتمال أن تجد مصرفية جولدمان ساكس السابقة نفسها تمت إقالتها، الجدير بالذكر أن شيمشك ترك منصبًا اقتصاديًا رفيعًا في حكومة أردوغان في عام 2018 بعد أن عين الرئيس صهره وزيرًا للمالية.
إن التضخم الحالي سيظل في “مرحلة انتقالية” حتى منتصف العام المقبل،وكما صرح شيمشك فإن الظروف المالية كانت بالفعل أكثر صرامة مما اقترحه البنك المركزي وحده بسبب خطوات أخرى لتشديد السياسة، وأشار إلى سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى إبطاء نمو الإقراض للمستهلكين والشركات، فضلا عن زيادة الضرائب على النفط وضريبة القيمة المضافة، وقال: “لإعادة ضبط توقعات التضخم، نحتاج إلى الثقة وهذا هو المفتاح”.
وكانت الحكومة التركية سمحت لليرة بالانخفاض بنسبة 24 في المائة منذ بداية يونيو/حزيران، حيث قلصت محاولتها المكلفة لدعم العملة، وأعلن شيمشك إن تركيا ستسعى أيضًا إلى تفكيك برنامج الادخار البالغ 123 مليار دولار ببطء، والذي تم من خلاله تعويض المودعين على حساب الحكومة عندما انخفضت قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو، وينظر المحللون والاقتصاديون إلى البرنامج، الذي تم إطلاقه في أواخر عام 2021 كجزء من محاولة لدعم الليرة، على أنه خطر كبير على المالية العامة في تركيا لأنه يربطها بشكل أكثر إحكامًا بأداء الليرة، وهناك بالفعل بعض المؤشرات على أن البرنامج الاقتصادي الجديد بدأ يؤتي ثماره، وتظهر بيانات البنك المركزي أن إجمالي احتياطيات العملات الأجنبية، باستثناء الذهب، ارتفع إلى نحو 73 مليار دولار، من أقل من 50 مليار دولار في مايو/أيار.
وأصبحت الحماية ضد العجز عن سداد الديون التركية، باستخدام الأدوات المعروفة باسم مقايضات العجز الائتماني، أرخص بكثير منذ يونيو/حزيران.
وتستعيد الشركات التركية أيضًا إمكانية الوصول إلى أسواق السندات الدولية: أصبحت شركة Arçelik لصناعة الأجهزة المنزلية الأسبوع الماضي أول شركة غير مالية مُصدرة تبيع سندات بالدولار منذ يناير 2022، وفقًا لبيانات Dealogic.
وكما صرح شيمشك قائلا أنه “بينما نحرز تقدما، ستتحسن قدرة الشركات والبنوك على الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية – وهذا أمر أساسي.” وأضاف “بمجرد أن نصل إلى هناك، ستكون مهمتنا أسهل”.
الجدير بالذكر أن تركيا وقعت مع الإمارات العربية المتحدة اتفاقيات استثمار وتمويل بقيمة 50 مليار دولار في يوليو، على الرغم من أن بعض الالتزامات قد تستغرق سنوات للتنفيذ لأنها تعتمد على عمليات الاندماج والاستحواذ، كما أدرج العرض الذي قدمه شيمشك خلال رحلته إلى نيويورك الأسبوع الماضي موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقال شيمشك إن وزارة المالية سترحب بالتقدم مع الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بتحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات، بالإضافة إلى التعاون في مجال الهجرة الأمنية والطاقة، وأضاف: “تركيا بصدد الخروج من الركود الجيوسياسي”.