إسطنبول (زمان التركية)ــ يحتضن الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول التركية جامع أبي أيوب الأنصاري وهو مسجد عثماني تاريخي، على مقربة من منطقة القرن الذهبي، ويتواجد خارج أسوار القسطنطينية، ويقدر الوقت الكافي لزيارة هذا الموقع الأثري ساعة واحدة.
سيرة أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه)
اعتنق الصحابي الشهير للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أبو أيوب الأنصاري خالدَ بن زيد (رضي الله عنه)، الإسلام هو وزوجته عام 621 ميلادية قبل عامين عن الهجرة، وعندما جاء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة أراد كل واحد من أبناء المدينة أن يستقبله في بيته، ولكن النبي أمر بأن يحل عقال ناقته لكي يتخذ قراره بحسب المكان الذي تتوقف عنده الناقة ولا يغضب أحدًا.
توقفت الناقة أمام بيت أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه)، فحاز الشرف، وأعد الطابق الثاني من البيت من أجل النبي الذي أقام هناك سبعة أشهر، ولهذا السبب يعرف أبو أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أيضًا باسم مضيف الرسول، وفي فترة لاحقة استخدم بيت أبي أيوب في المدينة مدرسةً لتعليم الإسلام، واصل النبي زيارة هذه الأسرة حتى بعد أن انتقل إلى منزله الخاص، وشارك أبو أيوب (رضي الله عنه) في كل الغزوات مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وأهمها معارك بدر وأحد والخندق وخيبر وفتح مكة وغزوة حنين، وجميعها ذات أهمية عظيمة بالنسبة للإسلام، لم يفارق أبو أيوب (رضي الله عنه) النبي (صلى الله عليه وسلم) في المعارك متطلعًا دائمًا لحمايته من هؤلاء الذين يتمنون له الأذى، وأحيانًا كان أبو أيوب (رضي الله عنه) يقضي الليل بأكمله في نوبة حراسة أمام خيمة النبي، وخلال غزوة خيبر كان أبو أيوب في نوبة حراسة طول الليل لمنع أي أحد من اغتيال النبي، وسر النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما رأى أبا أيوب (رضي الله عنه) في خدمته وقد بات ليله ساهرا يحرسه ودعا الله أن يحفظه ويحميه في الدنيا والآخرة، وأسهم أبو أيوب أيضًا في كتابة الوحي وجمع الآيات القرآنية أثناء حياة النبي.
خاض أبو أيوب (رضي الله عنه) عديدا من المعارك، وكان آخرها حصار القسطنطينية الأول، وعلى الرغم من كبر سنه، فإنه كان مؤمنًا بالبشرى التي ذكرها النبي محمد في أحد أحاديثه عن فتح تلك المدينة: «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش» (رواه الإمام أحمد في مسنده 4:335) كان أبو أيوب (رضي الله عنه) في الثمانينات من عمره عندما التحق بالجيش وجاء إلى القسطنطينية عام 669 م، وتصدر الصفوف أثناء الحصار والهجوم على حصون المدينة، مرض أبو أيوب أثناء الحصار وعاده الخليفة يزيد القائد الأعلى للجيش وسأله عن آخر أمنياته، فأجاب: «لا أرغب في شئ من هذه الدنيا، أتمنى فقط أن تدفنني في أبعد نقطة يمكنك أن تذهب إليها من أرض الأعداء بالقرب من حصون المدينة، فقد سمعت النبي أن مسلمًا صالحًا سوف يدفن تحت أسوار القسطنطينية، وآمل أن أكون أنا ذلك الرجل
ضريح أبي أيوب الأنصاري في إسطنبول
توفي أبو أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) عام 669م بينما كان الحصار مستمرًا، وبعد صلاة الجنازة عليه دفن بناء على وصيته في مكانه الحالي، وشاهد البيزنطيون تلك الجنازة في دهشة من خلف أسوار المدينة، وبعدما علموا أن الشخص الذي دفن بالقسطنطينة كان شخصًا مهمًا للمسلمين والنبي محمد خاصة، وحذر الإمبراطور البيزنطي المسلمين من أنه سينبش قبره ويطعم جثمانه للضواري، ورد المسلمون بأن المسيحيين سيتكبدون خسائر أفدح إن هم فعلوا ذلك، فطمأنهم الإمبراطور بأنه ستتم حماية القبر، وأقام البيزنطيون بناء فوق القبر وواظبوا على احترامه وزيارته، وبعد فتح المدينة في عهد السلطان محمد الثاني كانت أولى أمنيات السلطان أن يعثر على القبر، واكتشفه شيخه آق شمس الدين Akşemseddin/.
وبعد العثور على القبر بنى السلطان محمد الثاني ضريحا فوقه، كما شيد حول الضريح أيضًا مسجدًا ومدرسة، بالإضافة إلى مؤسسة خيرية، وتم الانتهاء من المسجد والإنشاءات الأخرى داخل المجمع في عام 1459 م. ويعد هذا المسجد أول مسجد إمبراطوري يشيده السلاطين العثمانيون في إسطنبول، وأهمية أبي أيوب تبينها مراسم تقليد السيف، وهي من أهم رموز الدولة العثمانية التي تقام عند تتويج سلطان جديد، فقد كانت تتم هنا، وبعد فتح القسطنطينية بدأ السلطان محمد الثاني مراسم تقليد السيف أمام ضريح أبي أيوب الأنصاري، واستمر هذا التقليد حتى آخر سلطان عثماني.
المصدر: الدليل السياحي لمدينة إسطنبول