بقلم: ماهر المهدي
(زمان التركية)- لماذا لا تلتقي البحور وتندمج في بعضها البعض لتصبح بحرًا واحدًا أو محيطًا واحدًا؟ مياه البحور والمحيطات المختلفة لها خصائها التي تميز كل منها عن الآخر.
فلكل بحر درجة تشبع ما من الملوحة، ودرجة تشبع ما من الطمى، ودرجة ما من الحرارة وربما غير ذلك من الخصائص الطبيعية. ولذلك، يميز ملتقى البحرين أو المحيطين حد ما، كأن هناك حاجزًا يحول دون التئام البحرين وتحولهما إلى بحر واحد أو محيط واحد مترامي الأطراف عظيم الحجم. ولذلك أيضًا، تختلط البحور والمحيطات وتندمج مياهها ولكن بقدر، لكي يظل هناك بحور وليس بحر واحد.
كذلك الناس والشعوب، يلتقون ويختلطون ببعضهم، ولكنهم يظلون على فرديتهم وعلى تفردهم وعلى تميزهم الشخصي -مهما حدث – فلا يختفى أحد ولا يتلاشى أحد في ظل أحد. وفي لحظة ما قد يتباعد القريبان أو القريبون ويتركون بينهم مسافة أو مسافات كبيرة، بعد أن يكون البعض قد ظن ألا تباعد بينهم أبدًا.
ليست هذه خيانة، نعم ليست تلك المسافة خيانة، فمن حق الجميع أن يدافع عن وجوده وأن يدافع عن حقوقه متى استشعر الحاجة إلى هذا الدفاع الواجب، لظروف ظاهرة واضحة أو حتى لظروف باتت -وفق منطق الأشياء – تغلب على المستقبل القريب أو حتى البعيد . سواء كانت الظروف المستجدة سلبية الأثر- في نظر طرف أو في نظر بعض الأطراف في العلاقة الوثيقة – قد ظهرت عن قصد أو غير قصد من طرف أو من أطراف أخرى في العلاقة.
وذلك لأن التغير الحادث أو المتوقع حدوثه قد يؤدي إلى ضرر محقق في جانب المتضرر أو المتضررين. والدفاع عن الحق رجولة وكرامة، ولكن ينبغي أن يكون الدفاع بالتي هي أحسن، صونًا لكرامة الجميع وحفظًا للحقوق وتقديرًا لما كان من تاريخ وما قد يوجد من حاضر ومن مستقبل قادم.
إن الدفاع عن الحقوق ودفع الضرر المنظور أو المتوقع هو عمل مشروع وضرورة إنسانية لا تخطئها حادسة، وما ذلك بخيانة، بل إن الاعتداء والالتفاف على حقوق الغير والتخطيط للغدر بهم وبحقوقهم هو الخيانة. ولكن الكبر والغطرسة لا يعينان صاحبهما كثيرًا على توخي الحذر وتحري الصواب. إذ لا قائمة لشيء بلا عدل، ولا اطمئنان لأحد على مقعد القلق والترقب. ولا النسيان يعرف طريقًا إلى ضحية غدر أو اعتداء، لا في الأرض ولا في السماء . فإذا كان من الأرض ضعيفًا اليوم، فهناك ألف غد وغد ينتظرونه قويًّا قادرًا بشكل ما أو في صورة مألوفة أو جديدة غير مطروقة.