(زمان التركية)- يتابع العديد من الاقتصاديون المتخصصون حول العالم القرارات التي يتخذها وزير الاقتصاد ورئيسة البنك المركزي التركي لسببين هامين الأول هو أن تركيا تعتبر دولة محورية في الشرق الأوسط خاصة وداخل حلف الناتو عامة، الأمر الثاني هو التحول في السياسات الاقتصادية الذي شهدته تركيا خلال العقد الماضي والذي يتمثل في التردد بين السياسات الاقتصادية التقليدية والتي يعمل بها العالم أو اتباع سياسات اقتصادية غير تقليدية كانت نتيجتها ارتفاع التضخم النقدي وانخفاض قيمة العملة التركية مقابل الدولار بصورة متسارعة خلال الثلاث أعوام الأخيرة حيث بلغ معدل التضخم الحالي في تركيا 47.83 بالمائة اعتبارًا من يوليو 20231.
وهذا يعني أن أسعار السلع والخدمات في تركيا قد ارتفعت بنسبة 47.83 بالمائة مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. كان معدل التضخم في تركيا مرتفعًا للغاية ومتقلبًا في السنوات الأخيرة، حيث بلغ ذروته بنسبة 72.31 في المائة في عام 2022.
إلا أن التغيير في السياسات الإقتصادية جاء مع تعيين حفيظة جاي إركان رئيسة لـ البنك المركزي التركي، وقد حلت محل إركان كيليمشي الرئيس السابق للبنك المركزي في 25 يوليو 2023. وقد عملت سابقا كمديرة تنفيذية سابقة في وول ستريت وتعد أول امرأة تشغل هذا المنصب في التاريخ التركي.
ومنذ أن تم تعيينها محافظًا للبنك المركزي التركي في 9 يونيو 2023، أتخذ عدة قرارات هامة وهي، رفع أسعار الفائدة من 8.5٪ إلى 25٪ في 24 يونيو 2023، ثم في 27 يوليو 2023 رفعت أسعار الفائدة مرة ثانية من 25٪ إلى 30، كما أنها أعلنت عن التشديد الكمي والتنويع لأدوات الادخار بالليرة التركية في 31 يوليو 2023.
ويبدو أننا على موعد مع قرار حاسم فيما يتعلق بحسابات الودائع المحمية بالعملة الأجنبية وهي نوع من حسابات الودائع لأجل التي تقدم معدل فائدة ثابت على الودائع بالليرة التركية، ولكنها تحمي قيمة المدخرات من تقلبات العملات الأجنبية، وهذا يعني أنه في حالة انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل العملة الأجنبية، سيتلقى صاحب الحساب الفرق بالليرة التركية في تاريخ الاستحقاق، وفي المقابل إذا ارتفعت قيمة الليرة التركية، فلن يخسر صاحب الحساب أيا من أمواله بل سيحصل فقط على رأس المال والفائدة بالليرة التركية، وهذا النوع من الحسابات تقدمه بعض البنوك في تركيا مثل بنك زراعت، وبنك بورجان، وإيش بنك.
ويبدو كما هو متوقع أن تلك القرارات لفتت نظر المحللين الماليين فقد كتب آدم سامسون المحلل المالي والذي يغطي الشؤون الاقتصادية والمالية لصالح صحيفة الفاينانشال تايمز مقالا نشر اليوم، أكد فيه أن تركيا اتخذت الخطوات الأولى نحو فك ما قيمته 125 مليار دولار كان يستخدم لحماية حسابات المدخرين من انخفاض الليرة، وهي أحدث علامة على تراجع تركيا عن السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي أضرت باقتصاد البلاد، فقد أعلنت الحكومة والبنك المركزي أنهما سيبدآن في إثناء المدخرين والشركات عن تجميد الأموال في حسابات ودائع محمية بالعملة الأجنبية.
كما علق سامسون على هذه القرارات بقوله إن هذا يمثل أحدث خطوة من قبل الفريق الجديد الذي عينه أردوغان بعد إعادة انتخابه في مايو لتفكيك البرنامج الاقتصادي غير التقليدي الذي بدأ قبل خمس سنوات والذي أشعل أزمة تضخم طويلة ومؤلمة ودفع المستثمرين الأجانب إلى الفرار من الأسواق التركية. ومن المعلوم أن حفيظة جاي إركان محافظ البنك المركزي الجديد قامت بالفعل برفع أسعار الفائدة بأكثر من الضعف منذ تعيينها في يونيو، كما رفعت الحكومة الضرائب وسعت إلى خفض الواردات كجزء من خطة لاستعادة صنع السياسة الاقتصادية “العقلانية”.
الجدير ذكره أن حسابات التوفير المحمية بالعملات الأجنبية تم إطلاقها في أواخر عام 2021، وكانت تعد حينها إحدى ركائز سياسة الاقتصاد السابقة، حيث ساعد هذا النوع من الحسابات في إبطاء اندفاع المدخرين المحليين والشركات إلى العملات الأجنبية من خلال تعويض حاملي الأسهم على حساب الحكومة عندما انخفضت الليرة مقابل الدولار واليورو.
والحصيلة أن البنوك التركية الآن لديها قرابة 125 مليار دولار في حسابات ودائع الليرة المحمية، وهو ما يمثل حوالي ربع إجمالي الودائع داخل البنوك التركية، وفقًا لبيانات من وكالة التنظيم والرقابة المصرفية في تركيا، الجدير بذكره أيضا أن الاقتصاديون والمستثمرون نظروا إلى هذه الحسابات باعتبارها تمثل خطرا على الاقتصاد التركي ولا يمكن الاعتماد عليها لأنها تخلق رابطًا وثيقًا بين المالية الحكومية للبلاد والليرة وهو ما يمثل مخاطرة كبيرة.
وبالرجوع إلى بيانات البنك المركزي نجده يؤكد على أن الودائع المحمية تلك كلفت الحكومة والبنك المركزي 550 مليار ليرة تركية (20 مليار دولار) هذا العام وحده، حيث تراجعت الليرة بنسبة 31 في المائة مقابل الدولار الأمريكي، وذلك وفقًا لتقديرات هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق بالبنك المركزي.
وفي نهاية المطاف فقد أعلن البنك المركزي يوم الأحد إنه سينهي قاعدة تعاقب البنوك إذا لم تقم بتحويل مبلغ كاف من الودائع بالعملات الأجنبية إلى حسابات محمية، كما ستتم زيادة حجم الاحتياطيات التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها مقابل الودائع قصيرة الأجل بالعملات الأجنبية، وذلك وفقًا للإعلان المنشور في الجريدة الرسمية التركية.
ويأمل صانعو السياسة أن تؤدي هذه التغييرات إلى تراجع استخدام حسابات الفوركس المحمية، وتشجيع المودعين على التحول إلى حسابات الليرة، وفقًا للبنك المركزي. وأضاف البنك المركزي مصرحا بقوله إن “الهدف هو المساهمة في تعزيز الاستقرار المالي الكلي”.
ومن جانبه فقد علق كارا إنه يتوقع أن يكون إبطال استخدام حسابات التوفير المحمية بالفوركس “عملية تدريجية” وأضاف أن ذلك سيعتمد جزئيًا على معدلات الفائدة التي يمكن للمدخرين كسبها على الودائع القائمة على الليرة، والتي تقل حاليًا عن معدل التضخم.
إلا أنه من الصعب التنبؤ بالقرارات التي سيتخذها البنك المركزي في المستقبل القريب، لأن ذلك يعتمد على الوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا والتحولات التي يشهدها العالم . ومع ذلك، وبناءً على القرارات المتبعة فمن المتوقع رؤية بعض الآثار الإيجابية لقرارات البنك المركزي في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، وبعض تلك التأثيرات المحتملة تتمثل في، انخفاض التضخم وسعر صرف أقوى، حيث يقلل ارتفاع أسعار الفائدة من الطلب على النقود والواردات، ويزيد من جاذبية أصول الليرة التركية، إلا انه على الجانب الأخرفمن المتوقع أن نشاهد تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة، حيث أن أسعار الفائدة المرتفعة تقلل أيضًا من الطلب على الاستثمار والاستهلاك، وتؤثر على ربحية الشركات.
ولكن وفي الوقت نفسه يأمل الاقتصاديين المزيد من الاستقرار المالي حيث يعمل التشديد الكمي وأدوات الادخار الجديدة بالليرة التركية على تقليل مخاطر أزمات العملة وزيادة عمق أسواق رأس المال.