بقلم: ماهر مهدي
(زمان التركية)ــ من زاوية ما، يبدو الزمن وكأنه صاحب مسرح مفتوح مشاع للجميع، ولا يغلق أبوابه أبدًا، ولا يخلو ذهنه من أفكار وحكايات يقدمها إلى رواده في مشارق الأرض ومغاربها. وعروض مسرح الزمن حقيقية ولا غش فيها، وهي على نوعين: إبداع وجمال وابتكار وفن وخير مما قدمه الخالق إلى خلقه وما نجح الإنسان في استثمار طاقته فيه استثمارًا طيبًا، وأزمات وكوارث وحروب ومغامرات ومقامرات ومؤمرات وأكاذيب وخيالات -بعضها جميل وبعضها قبيح- يظلها القوانين والنظم التي وضعها الإنسان أيضًا.
والسينما من أجمل وألطف الكاذبين الذين لا يسع المرء في كثير من الأحيان إلا أن ينظر إليها ويشاهدها ويستمع إليها بحنو وإعجاب، بل ويثنى عليها كثيرًا أيضًا في بعض الأحيان. فالخيال من مواضع الجمال في الإنسان التي قد تميزه عن غيره من الخلق وتمنحه مزية سماوية لا تقدر بثمن. فإذا تسامى الإنسان وأعمل جهده واجتهاده الإيجابيين في ثنايا خياله خرج بنتائج طيبة تفتح له ابوابا جديدة -في اتجاهات وفيرة أو قليلة بحسب الحال- وترتقي بحياة الإنسان الفكرية والمادية إلى طبقات أخرى. وإذا غلبت على بعض الإنسان شقاوته واستعجاله وامتطى ظهر خياله وهو مغلق العقل أعمى البصيرة خالي الوفاض من البحث ومن الاعداد جاء بأعمال كارثية مبكية أو مضحكة أو مبكية مضحكة معًا بحسب الحال.
ومن الأعمال الكارثية الأخيرة التي تبدو مبكية مضحكة أن تظهر طائرة ما محملة بأناس ما مشحونة بأموال غزيرة ومواد غريبة وتهبط فى بلد ما كأنها تائهة قادمة من أرض أخرى وزمن آخر أو سقطت من إحدى صفحات قصة سينمائية. ولأن الإنسان مغرم بالألغاز وبالاستكشاف -سواء كان جادًّا أو هزليًّا- فقد سارع الإنسان إلى طرح أسئلته المعتادة الغريبة المضحكة المبكية الحشرية المستفزة: من أين جاءت الطائرة؟ وإلى أين كانت ذاهبة؟ ومن هم ركابها المغامرون أرباب المال الذين تصحبهم السنون؟! والإنسان يطرح أسئلته وعيناه تغرورقان بالدمع من الضحك والتعجب والاستغراب المبررين -ربما عند الكثيرين- والمقبوحين ربما عند البعض. فالسينما والواقع مختلفان، والحياة عمل ورحمة ورضًا، أو شقاء وشرور لا قبل للإنسان بها ليس الغريب فى الإنسان أنه لا يرضى بما يحوز، ولكن الغريب ألا يدرك الإنسان حجم قدراته وحدود نفاذه.
والأغرب في الإنسان أن يصر على تحد لم يصنع له، وأن يطرق هو باب تحد شاهد شيئًا منه على شاشة التليفزيون وهو يتناول مشروبه المفضل. ولأن الإنسان ذو عقل ومسؤول عن تصرفاته، تظل أفعال الإنسان ثقيلة لا يمكن تجاهلها، وتظل مورد ظلام أو نور، حتى ولو دفعت البعض إلى الضحك .