ستوكهولم (زمان التركية)ــ اتخذت الحكومة التركية قرارا يخص واردات الذهب، فماذا يعني هذا القرار للاقتصاد التركي؟ هذا ما تناوله المقال الذي نشره موقع المونيتور المتخصص في الشؤون الشرق أوسطية، وقام بكتابته الاقتصادي التركي مصطفى سونماز. وقد جاء في المقال:
يعتقد المراقبون أنه من غير المرجح أن تتخذ القيادة الاقتصادية الجديدة لتركيا إجراءات قوية لكبح التضخم قبل أن يمر حزب أردوغان بالانتخابات المحلية المزمعة في مارس 2024.
يرى المحللون أنه بعد شهرين فقط من تعيين فريق جديد لإصلاح الاقتصاد التركي المبتلى بالتضخم، تتزايد الأسعار، تستمر أنقرة في الاعتماد على التدخل في السوق مع فرض قيود لتخفيف المشاكل الاقتصادية بدلاً من استعادة وظائف السوق الحرة، فقد تحركت الحكومة هذا الأسبوع للحد من واردات الذهب في محاولة للحد من اتساع عجز الحساب الجاري لتركيا، والذي وصل إلى ما يقرب من 38 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام، حيث لعب المستوى المرتفع لواردات الذهب دورًا رئيسيًا في توسيع فجوة الحساب الجاري، حيث أصبح الأتراك ينظرون إلى الذهب إلى جانب العملة الصعبة، على أنهما الملاذ الآمن ضد التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية.
الجدير بالذكر أنه قد بلغ إجمالي واردات الذهب 181.1 طنًا في الأشهر السبعة الأولى من العام، مقارنة بمتوسط سنوي قدره 192.3 طنًا للفترة 2013-2022، ووفقًا للبيانات الرسمية، وقد وبلغت قيمة الذهب الذي تم استيراده هذا العام حتى تموز (يوليو) 15 مليار دولار أي ما يعادل 20٪ من إجمالي الواردات.
وهكذا تحركت الحكومة التركية من خلال فرض مرسوم رئاسي نُشر يوم الثلاثاء الماضي مقررة رسومًا إضافية بنسبة 20٪ على بعض واردات الذهب بالإضافة إلى الرسوم الحالية، وكذلك المجوهرات التي يغطي أجزاؤها الذهب وكذلك بعض المنتجات المعدنية المطلية بالمعادن الثمينة التي منشؤها خارج دول الاتحاد الأوروبي والدول التي ليست لها مع تركيا اتفاقية تجارة حرة، ونقلت وكالة أنباء الأناضول الحكومية عن مسؤولين في وزارة التجارة قولهم إن الإجراء يهدف إلى كبح عجز الحساب الجاري والمساعدة في تحقيق أهداف الإنتاج والتوظيف المحلية.
كما أفادت وكالة الأناضول أن وزارة الخزانة والمالية قررت فرض حصة على استيراد الذهب غير المعالج، بعد التشاور مع ممثلين من القطاع ومن المتوقع أن تستكمل السلطات المعنية العمل على الإجراء، والذي تم تصميمه وفقًا للأناضول “لتخفيف الأثر السلبي لواردات الذهب على عجز الحساب الجاري وتعزيز احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية” ستطبق الحصة على واردات الذهب غير المجهزة من قبل وسطاء المعادن الثمينة في بورصة اسطنبول.
ومن غير الواضح مدى فعالية الإجراء المخطط له، لكن ممثلي قطاع المجوهرات قلقون بشأن تداعياته المحتملة، بما في ذلك زيادة تهريب الذهب، ففي تصريحات نُشرت يوم الخميس الماضي حذر بوراك ياكين، رئيس اتحاد مصدري المجوهرات من أن “هذا من شأنه أن يرفع في نهاية المطاف تكلفة الوصول إلى الذهب، بالنظر إلى الطلب [القوي] على الذهب. وبسبب زيادة تكلفة الحصول على الذهب، فإن التكلفة الإجمالية لمصدري [المجوهرات] سترتفع، وبالتالي سيكون لهذا تأثير سلبي على قدرتنا التنافسية في الأسواق العالمية. ومع إدخال نظام الحصص سيتدفق الذهب المهرّب إلى تركيا عبر جميع حدودنا وهو بالتأكيد ما سيكون ضارًا بقطاعنا وبلدنا على حدٍ سواء “.
وفي غضون ذلك نجد أن ذلك القرار ليس قرارا منفردا بل هو يأتي ضمن حزمة من القرارات التي أصدرتها أنقرة للسيطرة على الأسواق المالية من خلال الإجراءات التقييدية بدلاً من ترك ديناميكيات السوق تسود، وفقًا لكريم روتا، وهو مصرفي كبير سابق يعمل حاليًا مع حزب المستقبل المعارض، فإن الأسواق المالية التركية لا تزال بعيدة عن جذب المستثمرين الأجانب على الرغم من تعيين قيادة اقتصادية جديدة، والتي تضم وزير الخزانة والمالية محمد شيمسك ومحافظ البنك المركزي حفيظة غاي إركان، بعد سنوات من السياسات المثيرة للجدل مدفوعة بوجهة نظر أردوغان غير التقليدية بأن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب تضخمًا مرتفعًا.
وقد صرح روتا لـ “المونيتور”:بقوله “مرّ شهران منذ دخول الثنائي إركان-شيمشك، لكن تركيا لا تزال بدون سوق حرة يمكن للأجانب التداول فيها باستثناء البورصة”. وهو ما نجده على أرض الواقع فلا يزال سوق العملات الأجنبية تحت السيطرة، وسوق المقايضة مغلق أمام الأجانب، بينما يخضع سوق الإيداع والائتمان لقيود شديدة، والمبالغ التي ترد إلى البورصة غالباً ما تكون محدودة للغاية.
الجدير ذكره أيضا أنه وفي ظل ولاية إركان، رفع البنك المركزي سعر الفائدة إلى 17.5٪ فقط (من 8.5٪)، بينما انتعش التضخم ليصل إلى ما يقرب من 48٪ في يوليو، وضاعف البنك توقعاته للتضخم لنهاية العام بأكثر من الضعف إلى 58٪. وهكذا فإن أي شخص وضع أموالاً على ودائعه بالليرة والسندات الحكومية في الأشهر الثلاثة الماضية، شهد أن استثماراته تجاوزها التضخم،أضف إلى ذلك ما شهده المواطنين من انخفاض في الدخل الحقيقي بما يقارب 10٪. ومع ذلك، يتوقع القليل من البنك المركزي أن ينفذ رفعًا جذريًا على سعر الفائدة في اجتماعه المقبل في 24 أغسطس.
بينما وعلى صعيد العملة واصلت الحكومة التدخل في سوق الفوركس عبر البنوك الحكومية لدعم الليرة، وكانت البنوك قد أوقفت تدخلاتها المنتظمة بعد تعيين فريق الاقتصاد الجديد، لكن ورد أنها عادت إلى السوق في يوليو، فبينما ارتفع التضخم 10٪ على أساس شهري في يوليو، ارتفع سعر الدولار 3٪ فقط في الشهر الماضي، وظلت الليرة مستقرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بعد أن فقدت أكثر من 20٪ من قيمتها في أول شهر ونصف بعد انتخابات مايو الرئاسية.
ومع اقتراب الانتخابات المحلية في آذار (مارس)، يبدو أن القرارات الاقتصادية للحكومة مصممة بحيث لا تضر باستراتيجية أردوغان الانتخابية بدلاً من استعادة وظائف السوق. إلا أنه وفي نهاية المطاف يرى المحللون الماليون أن مثل هذه التدخلات والقيود تهدد بتفاقم الهشاشة الاقتصادية لتركيا.
وكما صرح روتا فإن شيمشك قد استسلم لتقويم انتخاب الحزب الحاكم :فـ “الإدارة الاقتصادية السابقة قامت بتشخيصات خاطئة وطبقت علاجات خاطئة. لقد خفف العلاج الحالي الأعراض قليلاً، لكن لا يوجد علاج حقيقي، حيث يتم ترك التضخم دون رادع، كما أنه لا توجد معركة حقيقية ضد التضخم ” وفقًا لروتا، فإن تصريح شيمشك الأخير بأن التضخم سيبدأ في الانخفاض في منتصف العام المقبل هو علامة على أن الإجراءات الحقيقية لكبح التضخم لن تأتي إلا بعد الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في مارس القادم.