بقلم :هيثم السحماوي
(زمان التركية)ــ الحقيقة أنه في أحيان كثيرة ينطبق الأثر الذي يقول (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) وهي مقولة رويت عن الصحابيين الجليلين عثمان وعمر رضي الله عنهما.
وفي علم الإجرام والعقاب سواء في المدرسة التقليدية الأولى التي كان من أهم روادها ومؤسسيها بيكاريا الإيطالي و في فوير باخ الألماني و بنتام الإنجليزي، أو المدرسة التقليدية الحديثة التي كان من أهم روادها مولينيه وروس في فرنسا و كارميناتي وكرارا في إيطاليا وهوس في بلجيكا، فلقد اتفقا كلاًّ من المدرستين على أن الردع العام هو أهم ماتدور حوله أغراض العقوبة. وعندما نبحث في فلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية نجد أيضًا أهمية الردع العام ودوره في إصلاح اعوجاج وفساد البعض.
ومن هنا كانت أهمية وجود أحكام صارمة مع هذا النوع من القضايا الشائكة التي تنتهك حرمات الغير، وتعمل على ازلال الأخر، ودماره النفسي، باستهداف أغلى ما يملك الإنسان وهو شرفه وسمعته، مما يكون له بالغ الأثر على الضحية، الأمر الذي وصل بالبعض من ضحايا الابتزاز بقتل أنفسهم من شدة الخوف وهول الصدمة وفزع المصيبة.
وهذه نماذج من القضايا الأخيرة المتعلقة بالابتزاز الإلكتروني:
القضية الأولى: وقعت العام الماضي 2022، وصدر الحكم فيها من محكمة جنايات المنيا، المجرم شاب اسمه يوسف والضحية فتاة اسمها جاسمين.
وتتلخص الواقعة وفقًا لتحريات الشرطة وتحقيقات النيابة العامة في أن يوسف كان معه على هاتفه صور لجاسمين البالغة من العمر 16 عامًا كانت قد أرسلتهم له عن طريق الواتس آب، ولما طلب يوسف المزيد من الصور والفيديوهات الجنسية واعترضت جاسمين، هددها يوسف علي الواتس اب بنشر الصور التي بحوزته لها وإفشاء أمور مخدشة بالشرف، فأخبرت الفتاة أهلها بما حدث وسرعان ما تحرك الأهل بعمل محضر بالواقعة مستدلين بصور من الشات المرسل من المتهم من رقمه الخاص، وتم عمل التحريات اللازمة وإحالة الواقعة للنيابة العامة للتحقيق ثم إحالة القضية لمحكمة جنايات المنيا للفصل فيها وإصدار حكم .
فأصدرت المحكمة حكمها في هذه القضية التي تحمل رقم 1021 لعام 2022 جنايات مركز سمالوط غرب والمقيدة برقم 2022/43 كلى جنايات جنوب المنيا بمعاقبة المتهم يوسف بالسجن المشدد لمدة 15 سنة، وإلزامه بدفع المصاريف الجنائية لثبوت أدلة الاتهام الموجه إليه بتهديد فتاة بنشر صور فاضحة لها على الواتس اب.
وكان مما ذكره السيد القاضي رئيس المحكمة فيما يتعلق بحيثيات الحكم أن هذه القضية شائكة لما تمثله من سوء إستخدام المتهم لوسائل الإتصال الحديثة، وتهديد المجني عليها بنشر صورها على خلاف رغبتها وبدون رضاها بغية إبتزازها، وأن هذا التهديد تم عبر الكتابة على الواتس اب، وأن الجريمة ثابتة ثبوتا كافيا لتقديمه للمحاكمة الجنائية وأنه تعدي علي مبادئ وقيم المجتمع المصري العريق وانتهاك حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها.
ثم أوضحت المحكمة أمر في بالغ الأهمية سبق وأني قد أشرت اليها قبل ذلك وهو أن العبرة ليست في طريقة الحصول عليها، وإنما في إستخدام الجاني لها فيما هو غير مشروع ومؤثم قانونا سواء كان الجاني قد تحصل علي الصور الخادشة للحياء والفيديوهات الإباحية برضا المجني عليها أو بحيلة أو خلسة أو كرها أو تركيبا بأي وسيلة أخري طالما قام بأفعال التهديد أو الإزعاج أو النشر أو الاستغلال للحصول على منفعة مالية أو جنسية أو أي منفعة أخرى.
*نُشرت تفاصيل القضية والحكم جريدة الشروق بتاريخ 6 أبريل عام 2022÷، وجرائد أخرى… ويُستكمل الحديث في المقال القادم إنشاء الله
يسعدني التواصل وإبداء الرأي [email protected]