بقلم: ماهر المهدي
(زمان التركية)-من عجائب الإنسان فخره الدائم بتقدمه وتحضره بما أنجز في مجالات كثيرة، ثم هو يعود في نهاية اليوم وقد ترك مهنًا هامة ومؤثرة في حياة الناس -بشكل مباشر وغير مباشر- دون أن يضيف إليها شيئًا من التقدم المطلوب لترقى تلك المهن إلى مستوى معقول حتى من التحضر اللازم وتضع أقدامها على الطريق. فالاهتمام المتوازن يصتع تقدمًا متوازنًا، لأنه في النهاية لا يوجد في الحياة ما هو ليس بمهم. كل شيء مهم د وكل شيء يتصل بالإنسان وبحياته مباشرة أو بشكل غير مباشر هو شيء مهم.
إذ يبدو أن الإنسان يخضع لهواه في الحكم على الأشياء، فما لا يعجب الإنسان فهو لا يستحق الاهتمام، أو على الأقل لا يستحق الاهتمام حتى يجد من الأمور ما يغير هذا الانطباع. والحرمان من الاهتمام تقدير فرضه الإنسان على نفسه وليس عقابًا مفروضًا عليه، رغم تعرض الإنسان للخسارة غير المبررة في كل يوم بسبب تقديره. فالناس -في مهن الحلاقة والجزارة- على وجه المثل- يمارسون مهنة لا يعلمون عنها شيئًا بقرار شخصي بحت إذا ما قرروا العمل فى هاتين المهنتين. وفي اليوم التالي لقراراتهم يصبغون على أنفسهم ألقابًا وصفات مما قد يحلو لهم ويؤكد قدرات لم تختبر وقدرات زائفة وقدرات غائبة أصلًا ولو وجود لها، وذلك بالطبع لجذب الزبائن. فهذا معلم وليس مجرد جزارًا، وهذا ستيلست أو مصمم قصة شعر أو صانع قصات الشعر وليس مجرد حلاق، ويبقى الجوهر كما هو دون إضافة تذكر في كلا المهنتين. فلا تعديل في الأسلوب، ولا ارتقاء في الفكر، ولا نتائج مختلفة.
الجزار على قديمه: يذبح في أي مكان: في محل أو في بيت أو في شارع. فلا اهتمام بكشف طبى على الحيوان والاهتمام بنظافة مكان الذبح، ولا اهتمام بخوف الحيوان وفزعه، ولا اهتمام بتسرب الدماء الى الشارع وإلى المصارف غير المعقمة والمعدة لهذا النوع من الصرف، ولا اهتمام بصحة الناس وما قد يصيبهم من أذى. والحلاق على ما عرف به: لا يرى في رأس الزبون سوى حشائش طويلة وقصيرة تحتاج إلى قص أو إلى إزالة سواء كانت كثيفة أو قليلة. وفي التو والحال يشرع الاستايلست في قص وقلع شعر الزبون من كل جانب ثم أعمال مجفف الشعر في رأس الزبون وهو يضيف بعضًا من مستحضرات غير معروفة ولا يعبأ باطلاع الزبون عليها، ليطمئن باله إلى ما يخلط بشعره أو بما تبقى من شعره أو من حشائش رأسه. والزبون وشعره المسكين في أزمة وفي حرج، لأن مقص الحلاق صانع قصات الشعر أو الاستيلست -سواء كان رجلا أو سيدة- أسرع من تفكير الزبون أو الزبونة في كيفية الخروج من المأزق المضحك الحزين. فمقص الحلاق قد حصد ما حصد من شعر الناس وخرب ما خرب من منظر جميل،
وربما لم يعد هناك أفضل من الهروب في أسرع وقت ممكن من هذا المقلب المتكرر. فالناس لا تذهب إلى صالون حلاقة رخيص -في المعتاد العام- وإنما يتخير الناس لشعرهم أفضل ما يعرفون في كل وقت ووفقًا لخبرات الأصدقاء أحيانًا ووفقًا للإعلانات التي تروج لهذا الصالون ولذاك. ولكن ذات الحلاق نفسه قد لا يستطيع أن يخرج نتيجة جيدة لمرتين متتاليتين ناهيك عن عدة مرات متتالية. فالأداء بحسب الحال والنتيجة بحسب الحال والناس تستعوض ربنا فيما مرت به من تجارب سيئة مضحكة مع قصات الشعر وحلاقة الشعر. فلا توجد مدرسة لتعليم الحلاقة، ولا توجد رخصة لممارسة مهنة الحلاقة، مثلما أنه لا توجد رخصة للجزارة ولا لممارسة مهنة للجزارة. فمن شاء فاليعمل جزارًا جبارًا، ومن شاء فاليعمل حلاقًا في التو واللحظة والعزاء لضحايا المهنتين في كل الأحوال. ويبقى العقاب الوحيد للحلاق للفاشل هو عدم التعامل معه مرة أخرى، رغم ما قد يفوت الزبون من فرصة الضحك الهستيرى على منظره بعد الحلاقة فى كل مرة يزور فيها الحلاق. أما الجزارة والحيوانات، فلهم ربنا وهو خير نجدة في عالم غرير.