ماهر المهدي
(زمان التركية)- كانت غواصة السياحة تيتان التي دمرت تحت الماء وهي في طريقها لزيارة حطام سفينة الذكريات الغارقة منذ حوالي مائة وعشرة أعوام “تيتانيك” وترقد على عمق حوالي أربعة كيلومترات تحت مياه المحيط المظلمة، أقرب إلى كبسولة ركاب موجهة من الخارج منها إلى غواصة حقيقية.
ولا ينطبق على تلك الكبسولة من وصف الغواصة سوى كونها ترسل إلى أعماق المياه محملة بالركاب، كمن يدلو بدلو إلى البئر ثم يعاد سحبه إلى السطح محملًا بما يريد من مياه البئر أو ببعض صور الحطام الراقد تحت جبال الأحزان وتلال الصدأ ورمال البحر وصخوره وكائناته.
فلم تكن المركبة التي قد يمكن الإشارة باسم تيتان للسياحة تستطيع الإبحار والمناورة بمفردها في مياه المحيط -وفقًا للتقارير الإعلامية ذات الصلة- كما لم تكن قادرة على الاتصال العزيز المعتاد لدى الغواصات، وإنما كانت تعتمد في اتصالاتها على الرسائل.
وكانت الكبسولة أو شبه الغواصة صغيرة تسع خمسة أشخاص، أو بالأحرى أربعة أشخاص ونصف، ويمكن الحياة بها لمدة أربعة أيام أو 96 ساعة فقط لا غير، وهي مدة سريان مخزون الكبسولة من أكسجين التنفس. فكانت المركبة تعتمد على الإسقاط عند أقرب نقطة إلى حطام السفينة تيتانيك، لتكمل المركبة هبوطها إلى هدفها المنشود. وقد سبق للمركبة -على قدراتها هذه- القيام برحلة سابقة في 2019 محملة بالسائحين، وعادت بسلام بعد رحلة مخيفة محفوفة بالمخاطر، وفقًا لرواية بعض رواد تلك الرحلة. ولذلك طالب بعض موظفو الشركة المنتجة للمركبة بإخضاع المركبة للفحص الرسمي المسؤول، لتقرير مدى صلاحية المركبة للغوص محملة بالركاب من عدمه، مما دعا الشركة إلى فصل الموظف الشاكي -وفقًا لبعض التقارير الإعلامية- لتستمر الشركة في مغامراتها بتكلفة مائتين وخمسين ألف دولارًا أمريكيًّا للراكب الواحد.
كان ركاب السفينة المنكوبة يتضمنون رجلي أعمال أحدهما إنجليزي والآخر باكستاني -ومعه ابنه ذو الثمانية عشرة عامًا- ومغامر فرنسي -كان ضابطًا بالبحرية الفرنسية فيما سبق- وقائد السفينة وهو نفسه رئيس شركة أوشن جيت أو بوابة المحيط المنتجة للغواصة ومنظمة الرحلة. ووفقًا للتقارير الإعلامية وتقديرات الخبراء مختلفي المشارب، فقد انفجرت شبه الغواصة السياحية -عقب هبوطها إلى المياه بفترة- إلى الداخل، ليقتل الانفجار ركاب المركبة جميعًا في التو واللحظة. فلم تكن هناك فرصة للنجاة أو الاتصال أو الإسعاف أو إنقاذ الشاب الصغير أو شيء من ذلك، لتنثر أجزاء المركبة في قاع المحيط معبرة بوضوح عن دمار المركبة ومقتل السائحين جميعًا قبل أن تتم رحلتهم التي دفعوا أموالهم وحياتهم ثمنًا لها .
للنجاح ألف أب، وليس للفشل من أهل أبدًا. وقد صدقت هذه المقولة الآن على حادثة شبه الغواصة المنكوبة، كما صدقت على حوادث كثيرة من قبل. ولو أن المركبة المنكوبة حققت نجاحًا مقبولًا، لتهافت كثيرون على نسبها وانتمائها إليهم وراحوا يذيعون خبرهم وفخرهم ، وراحوا يبيعون رحلاتها بأسعار تسابق الخيال والأحلام والمشاعر. ولو أن رحلة شبه الغواصة نجحت، لربما منح نجاحها مستقبلًا مختلفًا لركابها جميعًا: من الشاب الصغير ذى الثمانية عشرة عامًا إلى قائد المركبة وصاحب الشركة المنتجة للمركبة والمنفذة للرحلة. ولو أن تلك الرحلة تمت على خير، لكان لدى كل من كان على متنها قصص وروايات وبطولات يحكيها ويبيعها. ولكن مركبة الغوص السياحية -على ما يبدو- كانت أبعد ما تكون عن النجاح في مهمتها، لافتقادها إلى مقومات ملاحية حيوية قد يكفي للدلالة عليها انفجار المركبة إلى الداخل ومقتل جميع ركابها دون فرصة حتى من أجل الاستغاثة. فإذا كانت مركبة الغوص السياحي قد نجحت في شيء، فربما تكون قد نجحت في لفت انتباه العالم إلى سيطرة المال على أشياء كثيرة -حتى في البلاد المتقدمة- بحيث أنه قد تختلط المغامرة بالحماقة المميتة على أعين الناس وعلى مشهد ومسمع من الجميع .