برلين (زمان التركية)- نشر مركز أبحاث ويلسون مقالة تحليلية لمستقبل العلاقات التركية-الغربية بعد إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
كاتب المقال هو الدبلوماسي الامريكي جيمس ف. السفيرا السابق للولايات المتحدة الأمريكية في العراق وتركيا، وهو حاليا يتولى منصب المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش.
وجاء في المقال: لقد فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية ثالثة غير مسبوقة في مواجهة المنافسة الشديدة في الانتخابات الرئاسية التركية، و مع هذا الفوز، فمن المرجح أن يظل أردوغان زعيم تركيا وأيضا شوكة في خاصرة الغرب لسنوات قادمة، وفي الوقت نفسه فإن تريا ليست دولة عادية فغنها دولة وراغم تعثر اقتصادها حاليا إلا أنها داخل مجموعة العشرين، ولديها خبرة دبلوماسية، وقوة عسكرية، وقبل كل شيء موقع جغرافي هام، ودولة ضرورية للغاية خلال هذا الوقت المحفوف بالمخاطر.
وربما قد يكون هذا سبب تصريح حكومة بايدن في إستراتيجيتها للأمن القومي في أكتوبر 2022 “نحن في منافسة إستراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي” ، وبالتالي “سنشارك مع أي دولة تشاركنا اعتقادنا الأساسي بأن النظام القائم على القواعد يجب أن يظل أساس السلام والازدهار العالميين ” . تستوفي تركيا معايير “أي دولة” وإن كان ذلك مع وجود محاذير، ونظراً لأهميتها، فإن التعامل معها بفعالية في هذه المنافسة الاستراتيجية أمر بالغ الأهمية، لكن هذا سيتطلب سياسة “الانخراط والفهم والتغلب” .
مشكلة مع الخارج القريب
التعامل مع أردوغان هو الخطوة الأهم والأكثر صعوبة. إنه، مثل معظم الأتراك، يشعر بالاستياء العميق والمبرر (إلى حد ما) من المعاملة الأمريكية والأوروبية على مدى العشرين عامًا الماضية، لكن على عكس العديد من الأتراك، فإن أردوغان أكثر معاداةً للغرب من الناحية الثقافية والعاطفية.
وقد سعت إدارة بايدن من خلال بايدن نفسه بالتعامل مع أردوغان فقد كانت اتصال بايدن بأردوغان في 30 يونيو أمرا هاما لتأكيد أن الولايات المتحدة الامريكية تتعامل مع أنقرة في ظل الوضع الدولي الراهن، والمشاركة هي فقط طريقة ضرورية وليست كافية، حيث تنبع المشاكل مع تركيا خارج نطاق أردوغان أيضًا خاصة قضايا تتعلق “بالخارج القريب” لأنقرة، وهو ما دفع تركيا لفترة طويلة إلى صراع متكرر مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك فإن حل التوترات أو حتى إدارتها تعوقه العقليات المتشددة في تركيا والغرب وبالتالي، فإن الحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة يتطلب من الغرب على الأقل فهم هذه القضايا، وفي حين أن الاتحاد الأوروبي لديه علاقات اقتصادية أوثق ويعتمد بشكل أكبر على القرارات الأمنية التركية، فإن نقاط الضعف الدبلوماسية تتمثل في قضايا مثل( اليونان وقبرص) وتلك القضايا لحساسيتها ستتطلب قيادة واشنطن.
ومع ذلك، فإن إحدى المشكلات تتمثل في الميل شبه المستمر في السياسة الخارجية الأمريكية للتقليل من أهمية المخاوف الأمنية الخارجية القريبة من الدول حتى فوات الأوانعلى سبيل المثال مسيرة عام 1950 نحو نهر يالو، تصدي إيران للوجود الأمريكي في العراق، وكذلك تقويض مهمة باكستان لأمريكا في أفغانستان. ولذلك أرى أنه يجل أن يكون التعامل بشكل مثمر مع أنقرة في القضايا الخارجية القريبة مثل روسيا وحزب العمال الكردستاني واليونان وقبرص والقوقاز، ومن المهم أن نفهم كيف ترى أنقرة هذه القضايا.
حزب العمال الكردستاني
تعارض تركيا وجوديًا التوسع الروسي، كما يتضح منذ عام 2020 من خلال أعمالها ضد روسيا في شمال غرب سوريا وليبيا والقوقاز، والأهم من ذلك أوكرانيا. لكن لدى تركيا أيضًا مصالح ونقاط ضعف مهمة تجاه موسكو والأمر الذي يتطلب عناية فائقة، حيث تبلغ التجارة الثنائية مع روسيا أكثر من 60 مليار دولار، أي ضعف التجارة بالبينية مع الولايات المتحدة، وتشمل 40-50 في المائة من واردات الغاز – مصدر الطاقة الرئيسي لتركيا. علاوة على ذلك، أثبتت كلا من روسيا وإيران قدرتها على استغلال أكبر مخاوف تركيا الأمنية الداخلية، حزب العمال الكردستاني.
وتعد قضية حزب العمال الكردستاني- حركة متمردة إرهابية كردية تركية نشطة منذ عام 1984- هي القضية الأمريكية التركية الأكثر صعوبة، فعلى عكس البلدان المجاورة حيث يتركز الأكراد في المناطق الحدودية، يوجد الكثير من السكان الأكراد في تركيا وهم يمثلون قرابة % 20 من تعداد السكان داخل تركيا، وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد ومندمجون مع بقية السكان، وبالتالي إذا نجح حزب العمال الكردستاني في تنفيذ أجندته الانفصالية فلن تواجه تركيا لحظة أخرى مثل كوسوفو في عام 1999 بل لحظة رواندا في عام 1993.
علاوة على ذلك، لدى حزب العمال الكردستاني قوات عسكرية عبر الحدود في العراق وسوريا، مما يزيد من التهديد، و هناك بعض المفارقة في بروز هذه القضية في العلاقات الثنائية، حيث وصفت الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منذ فترة طويلة بأنه حركة إرهابية وساعدت أنقرة ضده، إلا أن تحولا حدث في السياسات الأمريكية وقد جاء هذا التحول في عام 2014 بعد أن دعمت الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني السوري أعيدت تسميتها لاحقًا باسم قوات سوريا الديمقراطية لتمويه صلاتها بحزب العمال الكردستاني، وحيث كانت لها أهمية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفي البداية لم يمثل ذلك الدعم مشكلة كبيرة، حيث أوقفت أنقرة وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني وكانت تجري حوارًا مع الأكراد السوريين المرتبطين بوحدات حماية الشعب.
شمال شرق سوريا
لكن تغير كل هذا في 2015-2016 بسبب التغييرات السياسية في تركيا التي أدت إلى انهيار وقف إطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني وأنتجت موقفًا أكثر صرامة مناهضًا لحزب العمال الكردستاني، و في غضون ذلك، أدت الطموحات الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية لقيادة قوة مئة ألف جندي للقضاء على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في الفرات إلى سيطرتها على 20٪ من سوريا وملايين السوريين، وهو ما أدى إلى خلق توتر كبير في العلاقات الثنائية وهو ما أدى إلى تصريح أمريكا بأن دعم قوات سوريا الديمقراطية سيكون فقط “تكتيكيًا ومؤقتًا وتعامليًا” لتطمين أنقرة، رغم عدم وجود رؤية أكبر لـ “الدولة الصغيرة” لقوات سوريا الديمقراطية التي أنشأتها واشنطن إلى حد كبير، بالطبع فلم تقبل أنقرة تلك الأشياء المؤقتة، مشيرين إلى أنه على الرغم من التزامات نائب الرئيس آنذاك بايدن ووزير الخارجية لاحقًا مايك بومبيو، فإن واشنطن لم تجبر قوات سوريا الديمقراطية على الانسحاب من مدينة منبج عبر نهر الفرات إلى الغرب. بل وبدلاً من ذلك بدأت في تسليح قوات سوريا الديمقراطية في عام 2018 بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية إلى حد كبير وتمركزت القوات الأمريكية على طول الحدود التركية،على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تلتزم أبدًا بمعارضة التوغل التركي عسكريًا.
باختصار، كانت رسالة واشنطن مختلطة بشكل ميؤوس منه، وكانت النتيجة توغلًا عسكريًا تركيًا في أراضي قوات سوريا الديمقراطية في عام 2019 مما خاطر بجهود الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية بأكملها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حتى تم التفاوض على وقف إطلاق النار مع أردوغان، لكن القضية تظل تسمم العلاقات لأن مصيرقوات سوريا الديمقراطية وعلاقاتها مع أنقرة ودمشق وواشنطن غير واضحة.
قبرص والقوقاز
التوترات اليونانية التركية لها جذور تاريخية ولكنها تتوقف حاليًا على السيادة الممنوحة لجزر بحر إيجة اليونانية بموجب الاتفاقيات الدولية بين عامي 1914 و 1948، واتفاقيات لندن وزيورخ لعام 1960 التي أسست استقلال قبرص.
لكن هذه الاتفاقيات تحمي المصالح التركية مثل جزر بحر إيجة منزوعة السلاح وحقوق الأقلية التركية القبرصية، لكن منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم تعثرت الأمور بسبب اجرات اليونانيين، وهو ما أدى إلى ردود فعل تركية، بما في ذلك غزو قبرص عام 1974 لمنع الاتحاد مع اليونان، وعمليات حرية الملاحة الجوية والبحرية في بحر إيجه. وقد ظهرت مشاكل أحدث فيما يتعلق بحقوق غاز قاع البحار، لكن حجة تركيا بأنها تتراجع عن تحديات المعاهدة تتقوض مرارًا وتكرارًا من خلال أعمالها العدوانية – بدءًا من هجوم قبرص الثاني في عام 1974 إلى التحليق فوق الأراضي اليونانية التي لا جدال فيها والتهديدات بالحرب.
أما فيما يتعلق بالقوقاز، سنجد أنه تتعارض المصالح التركية التي تتمثل في التوسع الروسي والإيراني وتقوم تركيا بدعم أذربيجان، التي تربطها بها علاقات عرقية ولغوية وجيوستراتيجية، في مواجهة أرمينيا التي لا تزال على خلاف مع باكو وينظر إليها على أنها قريبة جدًا من موسكو وطهران.
الفهم والتغلب على المشكلات
الجدير بالذكر أن ما يعرقل قدرة واشنطن وبروكسل على فهم وجهة النظر التركية المعارضة المنهجية التي تمارسها جماعات الضغط المختلفة، بدءًا من الجماعات العرقية الأرمينية واليونانية والكردية، إلى المحافظين الجدد المناهضين لأردوغان، ومسؤولو الدفاع المنزعجون من شراء تركيا لمنظومة الدفاع الروسية S-400 والإجراءات في سوريا، حتى عندما استجابت تركيا للطلبات الغربية مثلما حدث في عهد تورغوت أوزال في التسعينيات أو أردوغان بقبوله في البداية خطة قبرص، استمرت جماعات الضغط في المطالبة بالاستسلام التركي في عدد من القضايا. وكان رد الفعل على ذلك أن أصبح الرأي العام التركي أكثر معاداة للغرب، مما حد من مرونة الحكومة، وبالتالي لا يمكن لواشنطن تحقيق تقدم في تلك القضايا إلا إذا تمكنت من التغلب على هذه العقبات.
ولحسن الحظ، فإن فوز أردوغان الانتخابي يوفر للولايات المتحدة وتركيا فرصة للبدء من جديد، إلى جانب المشاركة السريعة على أعلى مستوى، فيجب على واشنطن وأنقرة العمل على تحقيق مكاسب سريعة الآن مثل: انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وصفقة طائرات F-16 ووقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني أو على الأقل ضبط النفس التركي المستمر في شمال شرق سوريا، والهدوء مع اليونانيين.، والتقدم في التقارب الأرمني الأذربيجاني الأخير الذي روج له وزير الخارجية توني بلينكين، وبالنظر إلى العقبات المذكورة أعلاه أمام تحسين العلاقات، فإنه لا توجد ضمانات لكن لا يمكن لواشنطن ولا أنقرة تحمل تجاهل هذه العقبات أمام تطوير العلاقات الثنائية.