هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية)ــ أوضحت في المقال السابق المقصود بجريمة الإبتزاز الإلكتروني، وكان واضحًا من خلال مفهومها أن ركنًا من أركان جريمة الإبتزاز طلب الجاني من الشخص الذي يقوم بابتزازه منفعة مادية كدفع مبلغ مالي معين أو منفعة أخرى غير مادية مثل المنفعة الجنسية، وهو بذلك يختلف عن التهديد حيث أن هذا الأخير لا يشترط فيه ذلك (أي طلب المجرم منفعة معينة) فهو عبارة عن تخويف ووعيد لشخص معين ولو لم يقترن بطلب من هذا الشخص، وعرفته محكمة النقض المصرية بأنه (في جوهره وعيدُ بشر) وبالتالي فيمكن أن نقول أن كل إبتزاز هو تهديد وليس العكس.
وفي كلاهما الابتزاز الإلكتروني والتهديد يجب أن يكون الشيء المُهدد به فيهما جريمة في ذاته، وبمفهوم المخالفة فإذا لم يكن الشيء المهدد به أو الذي يتم به إبتزاز الأخر جريمة في ذاته وإنما فعل مشروع فلا يكون حينئذ هناك محلًّا للتهديد أو الإبتزاز ولا محل للعقاب عليهما مثال: مقاطعة تاجر وعدم التعامل معه، التقدم بشكوى للجهة الإدارية، أو إفساد علاقة شخص بأخر عن طريق النميمة، أو التهديد بأخطار وهمية لا يعترف بها قانون العقوبات كتسليط روح أو جن أو باستخدام الشعوذة والسحر.
وتقوم جريمة الابتزاز والتهديد في حالة التهديد بإفشاء أمور مخدشة بالشرف أو نسبتها إلى المهدد، لكن التهديد بأمور لا تخدش الشرف أو بأمور لا يعاقب عليها القانون فلا عقاب عليها مهما بلغت خطورتها ومهما تعلق الشخص المهدد بكتمانها مثال: التهديد بإذاعة سر صناعة من الصناعات أو حقيقة أرباح تاجر أو الميول السياسية لشخص ما…. الخ من كل ما لا يعد جريمة ولا يخدش الشرف.
ويتحقق التهديد بإحدى هذه الطرق الكتابة او بالإشارة أو شفويا، ويشترط فيها كلها أن تكون مُعينة تعينًا كافيًا وواضحة الدلالة على معنى التهديد أو الابتزاز.
وبالنسبة لأركان جريمة التهديد أو الابتزاز، ففي القانون الجنائي معلوم أنه يستلزم لأي جُرم ركنان وهما الأول: الركن المادي والثاني: الركن المعنوي.
المقصود بالركن المادي للجرم هنا هو أن يقوم شخص معين بفعل غير مشروع يشكل جريمة، وأن ينتج عن هذا الفعل نتيجة يجرمها القانون، وأن تكون هذه النتيجة بسبب السلوك أو الفعل السابق.
وقد عرفت محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر في 27 يناير من عام 1959م علاقة السببية الواجب توفرها هنا بين الفعل ونتيجته بقولها:
(بأنها علاقة مادية تبدأ بالفعل المتسبب، وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المالوفه لفعله، إذا أتاها عمدًا، أو خروجه فيما يرتكب بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب المادية لسلوكة والتصون من أن يلحق عمله ضررًا بالغير).
أما الركن المعنوي فالمقصود به تحقق العالم والإرادة من الجاني، بمعنى إتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق الوضع الإجرامي للجريمة مع العلم والإرادة بأركانه القانونية المختلفة.
وفيما يتعلق بجريمة الابتزاز والتهديد فلا يشترط فيهما توفر ما يعرف بالقصد الجنائي الخاص، بمعنى أنه غير مشترط أن يتوفر في الجاني قصد ارتكاب الأمر المهدد به، فسواء قصد إرتكابه أم لا فيقع فعله جريمة، وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية في حكم لها (يتوفر القصد الجنائي في جريمة التهديد متى ثبت أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر… وذلك بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً، ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه).
والحقيقة أن جريمة الابتزاز الإلكتروني جريمة لها عدة أبعاد، بُعد إجتماعي، وبُعد تقني، وبُعد أخلاقي، وبُعد ثقافي، وبُعد أمني، كما يقول القاضي العراقي سالم روضان الموسوي.
أما عن صور وأشكال الابتزاز الإلكتروني فأستأذن القارئ الفاضل أن يكون ذلك محور حديثي في المقال القادم إن شاء الله.
من المراجع التي رجعت إليها في موضوع الإبتزاز الإلكتروني والتهديد لمن يريد القراءة في مراجع متخصصة: رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق جامعة القاهرة بعنوان التهديد والترويع في التشريع الجنائي، من الدكتور محمود عبده محمد،عام 2012م، ورسالة الدكتوراة المقدمة إلى أكاديمية الشرطة كلية الدراسات العليا بعنوان استراتيجية مكافحة الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب الآلي، من الدكتور أيمن عبد الحافظ عبد الحميد سليمان. ورسالة الماجستير المقدمة الى معهد البحوث والدراسات العربية بجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بعنوان الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت، للباحث محمد أمين الشوابكة، عام 2002.
يسعدني التواصل وإبداء الرأي [email protected]