أنقرة (زمان التركية) – بدأت أسعار السلع الغذائية في التراجع عالميا خلال الآونة الأخيرة بعد ارتفاعها بفعل الاحتلال الروسي لـ أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وأزمة المناخ.
وعلى الرغم من هذا تواصل أسعار الغذاء الارتفاع في تركيا، حيث يشير البنك الدولي إلى احتلال تركيا المرتبة الخامسة عالميا في التضخم الغذائي في الوقت الذي تتصدر فيه دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بهذه الفئة.
وتشير بيانات التضخم الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية إلى بلوغ معدلات التضخم الغذائي 68 في المئة خلال شهر مارس/ آذار الماضي بعدما سجلت 70 في المئة خلال الشهر نفسه من العام الماضي.
وعكس مؤشر الأمن الغذائي لمجلة الإيكونيميست تراجع القوة الشرائية الغاذية في تركيا بنحو 16 نقطة خلال الفترة بين عامي 2012 و2022.
وفي حديثه مع موقع بي بي سي بنسخته التركية أفاد أستاذ الاقتصاد بقسم الاقتصاد الغذائي بجامعة البسفور، جوكهان أوزرتان، أن التضخم الغذائي مشكلة ستستمر 15 عاما على الأقل في تركيا وأن حلها لن يكون سهلا.
ويتمثل نصف تعداد سكان تركيا من المزارعين البالغ عددهم 2 مليون مزارع من مزارع أسرية تبلغ مساحتها 2 هكتار أو أقل.
من جانبه أفاد أوزرتان أن غياب المنظمات كالتعاونيات أثر سلبا على القوة الشرائية للمزارعين مفيدا أن التعاونيات تشتري كميات أكبر من المزارعين وهو ما سيخفض الأسعار وقد تسهم في تعزيز أرباحهم بدفعها الوسطاء إلى الانسحاب من الحين للآخر وإنتاج سلع ذات قيمة إضافية.
وتثير أسعار البصل والبطاطس جدلا في تركيا بشكل واسع، ففي التاسع من أبريل/ نيسان الماضي نشر رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الشعب المعارض للرئاسة، كمال كيليجدار أوغلو، تسجيلا مصورا عبر حسابه بموقع تويتر حول أسعار البصل.
وظهر كيليجدار أوغلو في التسجيل المصور وهو يحمل بصلة قائلا: “هذا هو ما يشغل بال المواطن. وفي حال عدم تغيير السلطة سيصل كيلو البصل إلى 100 ليرة. حاليا يبلغ سعر الكيلو 30 ليرة. إنه بطل ألا يخجلون من أنفسهم؟”
وفي كلمته خلال مؤتمر جماهيري في مدينة أسكيشهير بالثامن عشر من أبريل/ نيسان علق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على تسجيل كيليجدار أوغلو هذا قائلا: “والآن يطل علينا السيد كمال وشغله الشاغل البصل والبطاطس، لكن يا سيد كمال أتساءل كيف ستنقلون البطاطس والبصل بدون تلك الشاحنات وتلك الطائرات وتلك الطرق؟”
ويشير الباحثون إلى أن الفارق بين أسعار المنتجين والمستهلكين الخاصة بالبصل والبطاطس بدأ في الاتساق خلال عام 2011 مؤكدين أن الزيادة في أسعار المنتجين أعقبت الزيادة في أسعار المستهلكين وهو ما يفيد بأن الزيادة قد تكون ليست نابعة من أسعار المنتجين.
ويرى البعض أن الزيادة غير المنتظمة في أسعار المستهلك قد تكون ناجمة من نقص المطروح الناجم عن الطقس.
وفي هذا السياق ذكر الصحفي والكاتب المعني بشؤون الزراعة، علي أكبر يلدرم، في مقاله الصادر في الرابع من أبريل/ نيسان الماضي أن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار البصل يرجع إلى قلة المحصول.
وتفيد بيانات هيئة الإحصاء أن انتاج البصل تراجع بنحو 6 في المئة على الصعيد السنوي خلال عام 2022.
وأوضح يلدرم في مقاله أن الطقس الحار تسبب في فساد المحاصيل بالمخازن مفيدا أن بإمكان البصل أن يفسد بسهولة داخل المخازن التي لا تتوافق مع المناخ.
وتشير غرفة المهندسين الزراعيين باتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك إلى تجاوز نصيب المناطق المتضررة من زلزال قهرمان مرعش المدمر في الإنتاج الزراعي لتركيا نحو 85 مليار ليرة من بينهم 52 مليار ليرة من الإنتاج الزراعي و34 مليار ليرة من الثروة الحيوانية.
ويشهد الشارع التركي حالة من الجدل حول عدم تلبية المعروض من المنتجات الزراعية طلبات السوق. وفي المقابل تشير الدراسات إلى استمرار تلبية انتاج السلع الغذائية كالبقوليات والخضروات والبصل والبطاطس والأرز والسكر للطلب الداخلي.
ويزعم أوزرتان أن المشكلة تم تجاوزها عبر استيراد البذور الزيتية كالقمح والذرة وعباد الشمس واستمرار تزايد المعروض منها بوجه عام.
من جانبه يشير الباحث في المناخ وشؤون المياه، جوكشه شانجان، في حديثه مع بي بي سي بنسختها التكية إلى كون التركيز على الحلول طويلة المدى حتى وإن تم تحقيق تحسن مؤقت عقب تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي هي الخيار الأمثل مفيدا أن تركيا تعاني من الجفاف المستمر بفعل الأزمة الاقتصادية وأن هذا الأمر يؤثر على خصوبة الأرض وتكاليفها.
وأوضح شانجان أن انخفاض نسبة المياه الجوفية سيدفع البلاد إلى استهلاك مزيد من الطاقة لضخ المياه إلى الحقول قائلا: “
علينا الاستعداد إلى جفاف أطول وأعنف بفعل التغييرات المناخية على المدى الطويل. ولن نستطيع تحقيق هذا بزراعة الذرة في قونية. مهما كانت قوتك الشرائية قد تعجز عن شراء القمح إن لم يتوافر بالسوق الخارجية. الوضع نفسه يسري على المياه”.
ويوضح التقرير الزراعي لعام 2020 الصادر عن جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك أن إنتاج تركيا من البندق والمشمش والعنب المزرعة خلال الفترة بين 2021 و2050 قد تتراجع بنحو 40 في المئة و10 في المئة و20 في المئة بالترتيب مقارنة بالفترة بين عامي 1991 و2012 بفعل الأزمة الاقتصادية.
وأضاف التقرير أن 97 في المئة من المزارعين المشاركين في تلك الدراسة التي شارك بها 700 مزارع أكدوا تراجع الحصاد والإنتاجية بفعل التغييرات المناخية وأن نحو 90 في المئة من المزارعين لم يتلقوا أي دعم مالي أو تدريب موضوعي لتقليص تأثيرات المناخ.