بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ الرياضة متعة. الرياضة قوة. الرياضة التزام. الرياضة صحة. الرياضة مستقبل طيب. كانت هذه وما زالت كلمات وعبارات والدي العزيز المحب للرياضة وللرياضيين.
ربما لم تهتم والدتي كثيرًا لمسألة الرياضة، ولكن والدي لم يتوقف عند الكلمات الحلوة والتشجيعية الموجهة إلى لأقبل على الرياضة وعلى ممارستها.
فقد اصطحبني والدي إلى النادي الرياضي منذ استطعت السير على قدمي الصغيرتين وأنا طفل كل أسبوع وفي كل مناسبة يمكننا فيها زيارة النادي.
كان تصرف والدي ممنهجًا ويهدف إلى تعريفي بالرياضات المختلفة وإتاحة الفرصة لي لاستطلاعها جميعًا وممارسة بعضها أو إحداها.
وعندما مازحني مدرب الكاراتيه بالنادي ووصفني بالبطل الصغير ضحك والدي وأمن على حديث المدرب اللطيف الذي اختفى فجأة لبضع دقائق، وعاد إلينا أنا ووالدي وفي يديه بدلة بيضاء صغيرة وحزام أبيض أيضًا وقدمهما إلى قائلًا: هذه بدلة الكاراتيه يا بطل وحزامك الأول، فمتى نبدأ التدريب معًا؟
ضحك والدي وضحك المدرب وفرحت بالبدلة البيضاء وبحزامها. كان بيتنا جميلًا هادئًا بفضل والدتي وسماحتها، فصرت تلميذًا مجدًا ناجحًا كما أحببت رياضة الكاراتيه وأقبلت عليها بشغف مثلما أقبلت على مذاكرتى دائمًا.
وتقدمت في دراستي وفي رياضة الكاراتيه، حتى اشتركت في المسابقات الوطنية مرات متتابعة وفزت في كثير من هذه المسابقات بمراكز متقدمة أسعدتني وأسعدت والدي أيضًا.
وتخرجت في كلية الهندسة لتبدأ مرحلة جديدة في حياتي. فرحت أجتهد لأتعرف على قطاع العمل الذي يناسبني والذي قد يسعدني العمل فيه واكتساب الخبرات وتحقيق الكسب المادي والمعنوي فيه . وطرقت أبوابًا كثيرة للعمل فى مجال الهندسة، لكني لسبب ما لا أعرفه لم أجد ما يشدني إليه ويأخذني إلى عالمه، بينما كانت رياضة الكاراتيه التي حصدت فيها أعلى أحزمة الإجادة من الأبيض إلى الأسود تدخل البهجة على قلبي كثيرًا وتشغل قلبي بالمسابقات وبالجوائز المتتالية. غمرتني رياضة الكاراتيه بالحب والفرح مثلما غمرنى والديا بحبهما وبرعايتهما، حتى أنهكني حب رياضة الكاراتيه وغلبني وطغى على وقتي وعلى اهتمامي، حتى انتبهت إلى سؤال مهم وجهته الى نفسي: إن الوقت لا يعوض فماذا تفعل بكل هذا الاهتمام بالرياضة؟
انتبهت على حين غرة إلى أن معرفتي بالكاراتيه وعلاقتي به صارت ربما أكبر من علاقتي بالهندسة ومن حبي للهندسة ففزعت من هذا التفكير.
استغرقني التفكير طويلًا لأجد نفسي تتوق إلى افتتاح نشاط تجاري في مجال الأدوات الرياضية الخاصة برياضة الكاراتيه، وهو تطلع غريب وبعيد عن الهندسة ولكنه جيد وقابل للنجاح في رياضة شعبية كبيرة في مصر. ونجح مشروعي الصغير قليلًا فقليلًا وأنا سعيد بما بدأ يتدفق إلى جيبي من مكسب مادي بسيط. كنت أتردد على بعض تجار الجملة الكبار العاملين في مجال معدات التدريب البلاستيكية متواضعة الثمن لأحصل على بعضها في المقعد الخلفة لسيارتي وأبيعها لاحقًا إلى بعض زبائني من الشباب. فأتلغت الشمس القوية بعض المعدات البلاستيكية مما اضطرني إلى حجب الشمس عن المقعد الخلفي بلصق شرائط شفافة داكنة اللون على الزجاج الخلفي للسيارة.
ونجحت الحيلة البسيطة في دفع الضرر عن المعدات الرياضية التي أحملها في سيارتي. ولكن في الطريق إلى وجهة ما استوقفني كمين للشرطة فتوقفت على الفور واخرجت رخصتي ورخصة السيارة.
ولكن مسؤول الكمين نظر إلى الزجاج الخلفي وأبلغني أنه سيوقع على غرامة -بسبب الشريط الداكن اللون- فرحت أشرح للرجل باحترام سبب استعانتي بالشريط الداكن، ولكن المسؤول أشاح بوجهه وأمرني بالانتظار أمام الكمين على جانب الطريق.
صدعت للأمر واتجهت ببطء إلى الموقع الشاغر أمام الكمين، فإذا بي أرى عددًا من السيارات الخاصة القابعة في هدوء وهي كاملة التعتيم والظلمة من كافة الجهات وعارية من اللوحات الرقمية أيضًا.
استشطت غضبًا في نفسي وركنت سيارتي وعدت إلى مسؤول الكمين لأبلغه جملة واحدة: لن أدفع أية غرامة. وأضفت والرجل ينظر إلى في دهشة: انظر إلى سياراتكم تامة الظلمة عارية اللوحات قبل أن تطالبني بسداد غرامة.
قال مسؤول الكمين: خذ سيارتك وامض إلى حال سبيلك. ومضيت إلى حال سبيلي.