هيثم السحماوي
من إحدى طُرق استخدامات المجرمين الجدد للتكنولوجيا الحديثة هي القيام بجريمة غسيل الأموال عبر شبكة الإنترنت، والتي تعد واحدة من الجرائم الاقتصادية.
ووفقًا للقاعدة التي يقول بها علماء أصول الفقه وعلماء المنطق وهي: ( أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره) فبداية أعطي توضيح بسيط للقارئ العزيز عن معنى جريمة غسيل الأموال.
ففي العموم إذا ما قلنا أنه تم غسل شيئ معين فهذا يعني بأن هذا الشيئ متسخ، وبإتمام عملية غسله يتحول من شيء متسخ إلى شيئ نظيف مثال مع الملابس أو الأماكن المتسخة أو غير ذلك من الأشياء، وعملية التنظيف هذه معلومة لدى الجميع، لكن بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالأموال ونقول تنظيف أو تبييض الأموال كما يطلق عليها فاالتنظيف هذا لا يتم بالطريقة السابقة ولكن هي عملية إضفاء صفة المشروعية لأموال غير مشروعة، مثل امتلاك شخص معين لمبلغ معين من المال نتيجة الاتجار في المخدرات أو غير ذلك من الأنشطة التجارية الغير مشروعة، ثم يقوم بوضع هذا المال في عمل مشروع أي جائز قانونًا لإعطائه صبغة المشروعية وإخفاء مصدره الحقيقي.
ومن الجدير بالذكر هنا بأن هذه الجريمة ليست جديدة وإنما قديمة وموجودة قبل ظهور التكنولوجيا الحديثة وأحد أدواتها وهي شبكة الإنترنت، إلا أن وجود هذه الأخيرة غير من شكل ارتكابها بطريقة أصبحت أيسر وأسهل كالآتي:
حيث أن الصورة التقليدية التي كان يعتمد عليها المجرمون الجدد في ارتكاب هذه الجريمة هي القيام بتحويل الأموال المراد غسيلها سواء من شخص أو نشاط إلى آخر عبر البنوك أو المؤسسات المصرفية الأخرى، مما كان يشكل خطورة وصعوبة على أصحاب هذه الأموال، إلى أن جاءت التكنولوجيا الحديثة بشبكة الإنترنت التي كانت فرصة لهؤلاء المجرمين في الاستفادة منها بالقيام بأنشطتهم في مأمن وبطريقة أكثر سهولة، ولم يضيع هؤلاء الفرصة واستغلوها في القيام بنشاطهم الإجرامي، فقاموا بتحويل الأموال غير النظيفة عن طريق أجهزة الحاسب الآلي داخل الدولة وخارجها، وبالطبع فإن أغلب هذه العمليات تتم بأسماء وهمية.
ومن الطُرق الأخرى التي يستخدمها هؤلاء المجرمون في عمليات تحويل الأموال الأمنة بعيدًا عن المسائلة (البنوك ذات الخاصية السرية لحسابات عملائها).
وبالنسبة لمكافحة هذه الجرائم فعلى الصعيد الدولي وهو الأهم، لأن معظم هذه الجرائم ترتكب من قبل عصابات دولية يكون أفرادها متعددي الجنسيات ويرتكبون نشاطهم الإجرامي في أكثر من دولة، ومن هنا كانت مكافحة هذا النوع من الجرائم الخطير للغاية على المستوى الدولي أمرًا بالغ الأهمية للقضاء عليها.
لذا كان هناك توجه واهتمام كبير من قبل الكيانات والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة في القيام بجهود دولية عديدة ومتنوعة كعقد اتفاقيات وقيام مؤتمرات بين الدول بهدف مكافحة هذه الجريمة.
ومن بين هذه الاتفاقيات التي عقدت كانت (اتفاقية فيينا) التي أبرمتها الأمم المتحدة بين الدول لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات وغيرها من المؤثرات العقلية عام 1988، وأيضًا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والتي تم التوقيع عليها بإيطاليا عام 2000، واتفاقية المجلس الأوروبي التي وقع عليها في ستراسبورج عام 1990، والقانون النموذجي الصادر عن الأمم المتحدة عام 1999.
وقد وضعت كل هذه الاتفاقيات على عاتق الدول التزامًا بوضع القوانين الوطنية داخل حدودها التي تجرم كل عمليات غسيل الأموال، إضافة للتعاون الدولي مع جميع الدول في مكافحة ومحاربة هذه الجريمة.
وفي ضوء هذه الاتفاقيات الدولية ووفقًا لها قامت الدول بوضع القوانين الداخلية التي تجرم هذه الجريمة و تكافحها، ومن بين هذه الدول كانت الدولة المصرية، حيث صدر قانون مكافحة غسيل الأموال رقم 80 لعام 2002 ونشر في الجريدة الرسمية في 22/5/2002، وكان آخر تعديل أجري عليه في 28 يوليه عام 2022.
من المصادر التي رجعت إليها في هذا المقال لمن يود الاطلاع أكثر في هذا الموضوع، كتاب دكتور شريف سيد كامل بعنوان مكافحة جرائم غسيل الأموال في التشريع المصري، صادر عن دار النهضة العربية، وكتاب الدكتور أشرف توفيق شمس الدين بعنوان دراسة نقدية لقانون مكافحة غسيل الأموال الجديد، صادر أيضًا عن دار النهضة العربية، وكتاب الأستاذ محمد عبد الله أبو بكر سلامة، بعنوان جرائم الكمبيوتر والإنترنت .
يسعدني التواصل وإبداء الرأي [email protected]