ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ البعض يعولون على الثوابت ولا يكادون يتقبلون تغييرها أو اختفاءها ويرسمون حول تلك الثوابت خططهم مطمئنين. ولكن من المفارقات العجيبة -على الأقل في دنيا البشر- أننا ندرس ونبحث ونعمل ونصلي من أجل التغيير ومن أجل التغيير ومن أجل الانتصار على الثوابت.
ونقيس نجاحاتنا بمقدار ما حققنا من تغير، وليس بمقدار ثباتنا على بعض قديم الأمور وعتيق الفكر والطرق، مع التسليم بأهمية التفرقة بين الغث والسمين لعدم الوقوع في خطأ إلقاء الطيب والخبيث في سهلة النسيان أو في سلة التجاهل.
إن بقاء الثوابت معلق بما تحقق هذه الثوابت من نجاح، كما هو الحال بالنسبة إلى كثير من النظريات ومن الأفكار ومن المبادئ ومن القيم. وقد لا يوجد ثابت بلا قيمة أو بلا فائدة أو بلا عمل. حتى عندما يصبح الثابت قانونًا أو تقليدًا أو عرفًا يحتج به الناس يحتاج الثابت دائمًا إلى أن يثبت دوره وقيمته على مر الزمن، وإلا تراجع تمسك المجتمع به شيئًا فشيئًا حتى يتوارى خلف ستائر النسيان الكثيفة وخلف التجاهل. والتعامل اليومي المستمر على القانون وعلى التقليد وعلى العرف هو الاختبار المستمر أيضًا لنا نتعامل عليه ونطبقه.
الثوابت هي الحدود التي لا يمكن الاقتراب منها -عند البعض- وهى أيضًا -عند البعض الآخر- الحواجز التي يمكن تجاوزها بسهولة متى استلزمت الظروف هذا التجاوز ووجدت الطرق والوسائل المطلوبة وعرفت التكلفة المحتملة وكيفية احتوائها -في أقرب وقت ممكن- وبأقل الأضرار. وبذلك، قد يمكن بتكلفة بسيطة -ولو نسبيًّا- فتح آفاق واسعة حين يظن الآخرون ألا مخرج ولا فرصة أمامك، حسب تقديرك للثوابت والمتغيرات. وحساب الثوابت والمتغيرات حساب دائم مستمر وهامّ ولا يمكن تجاوزه، لأن نتائجه قد تختلف من وقت الى آخر وفقًا لعوامل كثيرة بعضها يعود إلينا وبعضها يتعلق بالظروف المختلفة. والثقة الإيجابية السليمة بالنفس هي النافذة الأولى للإطلال على احتمالات تغير الثوابت مدفوعة بالرغبة في الوصول إلى مستويات أعلى من النجاح في الحياة.
ولذلك تحدث المفاجآت الجديدة التي تضيف إلى مسار المجتمع على أيدي الشخصيات القادرة استشراف المستقبل وعلى اتخاذ وإعلان القرارات التي قد تصدم الكثيرين وتأخذهم على غرة، ولكن تثبت الأيام نفعها وجدواها.