بقلم د. *منى سليمان
(زمان التركية)_استقبل وزير الخارجية المصري “سامح شكري” نظيره التركي “مولود تشاووش أوغلو” يوم 18 مارس 2023 في زيارة هي الأولى من نوعها للقاهرة منذ 11 عامًا، وجاءت للرد على زيارة “شكري” لـ تركيا في فبراير الماضي بعد الزلزال المدمر الذي ضرب 11 محافظة تركية، حيث قام بزيارة في إطار “الدبلوماسية الإنسانية” لتركيا وسوريا وقدم خلالها مساعدات إنسانية وإغاثية وطبية لأنقرة ودمشق.
وتهدف زيارة “ تشاووش أوغلو” لإتخاذ إجراءات جدية جديدة لاستعادة العلاقات الطبيعية بين القاهرة وأنقرة، بعد مؤشرات التقارب الأخيرة التي تم اتخاذها خلال العام الماضي الذي اختتم بمصافحة تاريخية لرئيسي مصر وتركيا في قطر، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ترحيبها بالزيارة وبأي خطوات من شأنها تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة نظرًا لكون الطرفين حلفاء لها في الشرق الأوسط، وبالفعل فأي التطبيع الكامل بين مصر وتركيا سيكون له العديد من الانعكاسات الإيجابية على الدولتين في هذه المرحلة الراهنة التي تشهد العديد من التفاعلات الإقليمية البينية الممهدة “لشرق أوسط جديد” وفق المتغيرات الدولية والإقليمية.
أولًا: توافق مصري تركي على المصالحة:
قام وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” بزيارة للقاهرة يوم 18 مارس 2023 تلبية لدعوة نظيره المصري “سامح شكري”، وهي الزيارة المنتظرة منذ عام تقريبًا، ففي ابريل 2022 أجرى الوزيرين محادثة هاتفية وأكد “تشاووش أوغلو” أنه سيزور مصر قريبًا، وخلال الزيارة أكد الطرفين على رغبتهما في تطبيع كامل للعلاقات على كافة المستويات، وجدير بالذكر أن العلاقات المصرية التركية لم تنقطع دبلوماسيًّا وما حدث منذ عام 2013 كان تبادل لسحب السفراء واستمرار التواصل على مستوى قائم بالأعمال فقط، وقد عقد “شكري” و”تشاووش أوغلو” اجتماع ثنائي استمر لساعتين ثم أعقبه مؤتمر صحفي، أكدا خلاله على ما يلي ..
أكد “شكري” أن المباحثات مع نظيره التركي شملت الأوضاع الإقليمية في فلسطين وليبيا والعراق، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، والعمل على مواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب. وتطرقت على الصعيد الدولي للأزمة الأوكرانية الروسية وتداعياتها، وأوضح “شكري” أن الأرضية صلبة لعودة العلاقات إلى طبيعتها لاسيما في ظل إرادة سياسية “لتطبيع العلاقات” بين الدولتين، كما أكد أن الاجتماع الذي امتد لساعتين قد ناقش إمكانية عودة السفراء بين القاهرة وأنقرة، وأوضح “شكري” أن القاهرة تسعى لتطبيع العلاقات مع تركيا في كافة المجالات وأن المباحثات كانت شفافة وواضحة، كما ثمن “شكري” وجود توافق وتنسيق مع تركيا في عدة قضايا إقليمية، وقد وصفت وزارة الخارجية المصرية الزيارة بأنها “تُعد بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وإطلاق حوار مُعمق حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية”.
بدوره جدد “تشاووش أوغلو” شكره لمصر على المساعدات التي قدمتها لضحايا كارثة الزلزال، مشيرًا إلى أن “العلاقات مع مصر تاريخية وتربطنا ثقافة مشتركة نسعى لتقويتها”، وأكد أنه تم الاتفاق على طي صفحة التوتر مع مصر، وستبذل أنقرة قصارى جهدها لعودة العلاقات بالكامل وعدم العودة للوراء لأن تركيا ومصر تقومان بدور ريادي في قضايا المنطقة، وأكد أن “مصر لها دور عظيم على صعيد العديد من القضايا وعلى رأسها القضية الفلسطينية”، وحثَّ “تشاووش أوغلو” مستثمري بلاده على العمل في مصر وتعزيز التبادل التجاري بين الدولتين، وأكد أن القاهرة وأنقرة ربما تشهدا نموًّا متسارعًا بوتيرة كبيرة في المرحلة المقبلة، وربما تنتقل إلى مستوى لقاءات أعلى بين مسؤولي الدولتين وكشف عن التحضير لعقد قمة رئاسية بين الرئيس المصري والتركي بعد الانتخابات الرئاسية التركية المبكرة المقبلة المقررة في 14 مايو 2023، وغداة عودته لأنقرة أعلن “تشاووش أوغلو” إن توقيع مصر وتركيا اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية “سيكون هذا لصالح مصر بشكل كبير”، وكشف عن أنه دعا “شكري” لزيارة تركيا خلال شهر رمضان الكريم والإفطار معه، ويتم التشاور بكثافة لتحديد توقيت إعادة تعيين السفراء بشكل متبادل بين القاهرة وأنقرة.
ويمكن القول، أن الموقف المصري من التقارب مع تركيا رغم ذلك مازال “متحفظًا” نظرًا لطبيعة الملفات الخلافية التي تمس الأمن القومي المصري ومنها التواجد التركي في ليبيا ومازالت تلك الملفات قيد البحث والدراسة لحلها بينما الموقف التركي “متسرع” نظرًا لأن القاهرة لم تتخذ أي موقف ضد مصالح أنقرة خلال العقد الماضي الذي شهد توترًّا في العلاقات الثنائية بينهم، ولذا فإن استئناف العلاقات ووتيرتها سيتوقف على تلبية كل طرف لمطالب الآخر ونتائج الانتخابات التركية الرئاسية المقبلة.
ثانيا: مراحل التقارب المصري التركي:
تأتي المصالحة المصرية التركية لتستكمل سلسلة من حلقات المصالحة التي بدأت قبل عامين “بإتفاق العلا” الموقع في 5 يناير 2021 الذي أنهى الخلاف الخليجي الخليجي بين قطر من جهة والرباعي العربي (مصر، السعودية، الامارات، البحرين) من جهة آخرى، ثم تلى ذلك المصالحة بين تركيا مع كل من الإمارات والسعودية، ثم التقارب التركي مع سوريا واليونان، وليس آخرا المصالحة بين السعودية وإيران بوساطة صينية، وقد مرت المصالحة المصرية التركية بالعديد من المراحل حتى يتم التقارب الحالي ومن أبرز تلك المحطات ما يلي:
– شهدت العلاقات التركية المصرية العديد من مراحل التطور التي تنوعت بين التباعد والتقارب، ومنذ عام 2011 وبداية ما يسمى بثورات “الربيع العربي” أعلنت تركيا صراحة عن موقفها الداعم للحراك العربي، بيد أن “أردوغان” رفض الاعتراف بثورة 30 يونيو 2013 الشعبية المصرية رغم أنها امتلكت نفس المعطيات والأسباب لثورة 25 يناير 2011، ثم تفاقمت الأزمات بين القاهرة وأنقرة بعد تبادل سحب السفراء وتقليص التعاون الاقتصادي.
– بدأ التوتر يقل حدته في مايو 2016 بعد تولى “بن علي يلدريم” منصب رئيس الوزراء بتركيا؛ حيث دعا لضرورة عودة التعاون الاقتصادي وتحسُّن العلاقات مع مصر، وبالتزامن مع ذلك خفت حدة الخطاب العدائي من قبل المسؤولين الأتراك، وكان الدافع الأساسي لهذا التغير الاعتراف الدولي والإقليمي بثورة 30 يونيو، فضلًا عن تصاعد الأزمة الاقتصادية بتركيا مما يتطلب عودة التعاون الاقتصادي مع مصر لأنه سيضخ المزيد من الاستثمارات للاقتصاد التركي المتعثر، ثم عقد في 17 سبتمبر 2016 أول لقاء منذ 3 سنوات بين وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” مع نظيره المصري “سامح شكري” على هامش قمة حركة “عدم الانحياز” في فنزويلا مما أكد آنذاك على الرغبة في تجاوز الخلافات لا سيما من الجانب التركي الذي سعى إلى عقد هذا اللقاء.
– بنهاية عام 2017 برزت بعض صور التقارب المصري – التركي ومنها وجود تنسيق مصري – تركي لحل قضية القدس حيث تحدث “شكري” و” تشاووش أوغلو” على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لبحث نقل السفارة الأمريكية للقدس، كما تم استئناف عقد منتدى “الأعمال المصري – التركي”، وتكررت دعوات المصالحة من أنقرة للقاهرة أكثر من مرة منذ ذلك التاريخ بيد أن “شكري” أكد أن التصريحات الكلامية من قبل أنقرة لن تؤخذ بعين الاعتبار إلا إذا أعقبها تغير حقيقي في السلوك التركي الخارجي تجاه القاهرة.
-خلال عام 2020 استمرت الدعوات التركية للقاهرة لفتح الحوار وحل الملفات الخلافية العالقة بين الدولتين، بيد أن الموقف المصري لم يتغير ولم يقبل بفتح حوار مع أنقرة قبل تغير السلوك التركي تجاه مصر دولة وحكومة ورئيسًا، وفي مطلع عام 2021 وبعد توقيع “اتفاق العلا” بالسعودية والترحيب التركي به الذي كان مؤشرًا جيدًا على التقارب التركي الخليجي المصري، وخلال عام 2021 تكررت الدعوات التركية للمصالحة والتقارب مع مصر حتى عقدت جولة المفاوضات الأولى بينهم.
– بدأت الجولة الأولى من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا التي امتدت علي مدار يومي (4 – 5) مايو 2021، حيث حضر وفد تركي للقاهرة برئاسة نائب وزير الخارجية التركي “سادات أونال” ورأس الوفد المصري نظيره “حمدي سند لوزا” لبحث تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرةـ وصدر بيان مشترك أكد أن المشاورات الاستكشافية ستركز على الخطوات الضرورية التي قد تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين على الصعيد الثنائي وفي السياق الإقليمي، وتعد الجولة هى الأولى التي تتم مباشرة بين وفدي رفيعي المستوى من الدولتين، وقد وافقت تركيا على المطالب المصرية التي تمثلت في:
- وقف أي عدائيات أو استهداف لمصر وقيادتها انطلاقًا من الأراضي التركية، ووقف الاستهداف الإعلامي عبر منصات فضائية في تركيا
- احترام قواعد القانون الدولي في العلاقات بين الدول وحسن الجوار، وألا تتيح تركيا المساحة والحرية لجماعات إرهابية متطرفة تعمل ضد مصر
- عدم تعرض تركيا لأي مصالح مصرية أو تهديد الأمن القومي المصري والعربي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
– واختتمت الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا بأنقرة والتي عقدت يومي (7-8) سبتمبر 2021، وقد رأس الوفد التركي السفير “سادات أونال” نائب وزير خارجية ونظيره المصري السفير “حمدي سند لوزا” نائب وزير الخارجية المصري. ويأتي عقد الجولة الثانية بعد نحو 4 أشهر من جولة أولى استضافتها القاهرة. وقد الطرفان على مواصلة تلك المشاورات والتأكيد على رغبتهما في تحقيق تَقدُم بالموضوعات محل النقاش، والحاجة لاتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بين الجانبين. وقد تناول الوفدان قضايا ثنائية، فضلاً عن عدد من الموضوعات الإقليمية، مثل الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين وشرق المتوسط.
– في مايو 2022 أعلن “أردوغان” “إمكانية تطوير الحوار وتطبيع العلاقات مع مصر، إلى أعلى المستويات”، وأكد المستشار السياسي السابق له “تورهان شوماز” أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في بلاده رسم “خريطة طريق” لخطوات إعادة العلاقات بشكل طبيعي مع القاهرة، لأن “مصر دولة مهمة جدا في المنطقة، بشعبها العظيم، وتاريخها وثقافتها وموقعها الاستراتيجي والجغرافي، ولا يمكن أيضا إغفال دورها السياسي بالشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة شرق المتوسط، فعلى سبيل المثال لا يمكن التوصل لحلول في القضية الفلسطينية دون تدخل مصر، وأوضح “شوماز” أن أنقرة ستقوم بتعيين سفير جديد لها بالقاهرة بعد 9 سنوات من سحب السفراء بين القاهرة وانقرة، وقد عينت الأخيرة بالفعل السفير “صالح موتلو شين” ممثل تركيا السابق لدى منظمة التعاون الإسلامي سفيراً لها في القاهرة، وفي 25 نوفمبر 2022 وعلى هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم بقطر، صافح الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” نظيره التركي “رجب طيب أردوغان”، ليصبح ذلك أول لقاء بينهم منذ عام 2014، وتدشن تلك المصافحة إطلاق مسار جديد للعلاقات بين القاهرة وأنقرة.
– عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير2023، أجري الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” لأول مرة منذ عام 2014 اتصالًا هاتفيًّا مع نظيره التركي هو الأول منذ عام 2014 لتقديم العزاء في ضحايا الزلزال كما أرسلت القاهرة 6 طائرات إغاثة لأنقرة، كما قام “شكري” بزيارة لأنقرة بنهايى فبراير 2023 استقبله خلالها نظيره “أوغلو” لتقديم المزيد من التضامن والمساعدات الإنسانية لتركيا ودعمها لمواجهة ضحايا الزلزال، ورغم أن ذلك يندرج ضمن ما يعرف “بدبلوماسية الإغاثة”، إلا أنه مهد الطريق لاتخاذ خطوات جادة لتطبيع العلاقات التركية المصرية.
ثالثا: دوافع مختلفة للمصالحة:
ثمة العديد من الدوافع للتسريع بالتطبيع بين مصر وتركيا ومن أبرزها المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة بعد الحرب الأوكرانية المستمرة منذ عام ونيف والتي وضعت نفسها على أولويات أجندة اهتمام القوى الكبرى بعكس ما كان خلال العقد الماضي حيث انصب الاهتمام الدولي بقضايا الشرق الأوسط، فضلًا عن تصاعد حدة التنافس الأمريكي من جهة والروسي الصيني من جهة أخرى لتغير النظام الدولي وتحويله من نظام آحادي القطب لثنائي القطبية، وقد تجسد ذلك من خلال زيارة تاريخية يوم 21 مارس 2023، للرئيس الصيني “شي جينبينغ” لموسكو، فضلا عن إنتقال الثقل الدولي لمنطقة آسيا وتصاعد التنافس بين موسكو وواشنطن بشرق وشمال أوروبا وإقليمي القوقاز وآسيا الوسطى وبين بكين وواشنطن بإقليم الأندوباسيفيك والآسيان، كافة تلك العوامل دفعت دول الشرق الأوسط للتقارب والبحث عن تحقيق مصالحها القومية عبر التفاوض والحوار بدلا من التنافس المستمر، ومن بين الدوافع التي حثت تركيا ومصر على تسريع التقارب بينهم ما يلي:
– رغبة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في الفوز بالانتخابات الرئاسية التركية المقبلة عبر تحقيق نجاحات بالسياسة الخارجية لبلاده قبل إجراءها في 14 مايو 2023، حيث دأبت المعارضة التركية على انتقاده لإحداث “عزلة” تركية استمرت عامي (2019- 2020) حيث تفاقمت التوترات في العلاقات بين أنقرة مع اليونان والإمارات ومصر والسعودية ودول الاتحاد الأوروبي، مما انعكس سلبًا على الاقتصاد التركي، وهو ما دفع “أردوغان” بدءًا من عام 2021 لتغير مسار سياسته الخارجية وإجراء مصالحات متعددة لإنهاء تلك التوترات وهو ما نجح فيه حتى اليوم، ثم انعكس ذلك بشكل إيجابي مرة أخرى على الاقتصاد التركي الذي شهد تحسنًا طفيفًا مؤخرًا، كما أن أنقرة بحاجة ماسة حاليًا للمزيد من الدعم الاقتصادي والإنساني لمواجهة تداعيات الزلزال المدمر الذي الحق الضرر بنحو 15% من سكان البلاد البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
– رفع التبادل الاقتصادي سيكون عامل مهم للطرفين فرغم السنوات التي شهدت توترًا سياسيًّا بينهم إلا أن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وأنقرة ارتفع عام 2022 ليصل إلى 9 مليارات دولار وبلغت حجم الاستثمارات التركية بنحو (2.5 ) مليار دولار، وهناك حرص متبادل على ضخ المزيد من الاستثمارات التركية في مصر وتنمية العلاقات التجارية في شتى المجالات مما سينعكس إيجابا على اقتصاد الدولتين لاسيما في ظل أزمة أقتصادية تعاني منها أنقرة والقاهرة نتيجة لتداعيات الحرب الأوكرانية.
– يحتل الملف الليبي أولوية للقاهرة لم له من أهمية ترتبط بمحددات الأمن القومي المصري، حيث طلبت القاهرة من أنقرة أكثر من مرة بوقف التدخلات التركية في ليبيا وكذلك الاتفاقيات الموقعة في نوفمبر 2022 بين أنقرة وحكومة طرابلس المنتهية ولايتها على ترسيم الحدود والتي أعلنت القاهرة وأثينا رفضها، فضلًا عن الدعم التركي السياسي والعسكري لحكومة طرابلس المنتهية ولايتها بمخالفة لقرارات الأمم المتحدة، كما دعت القاهرة لسحب المرتزقة الأجانب من ليبيا ومعظمهم بغرب البلاد وتابعين لشركات أمنية تركية كما أن أنقرة لها تواجد عسكري بليبيا عبر قاعدة مصراته الجوية، وخلال زيارته للقاهرة نفى “تشاووش أوغلو” أن تكون الاتفاقيات بين أنقرة وطرابلس موجهة ضد مصر وجدد حرصه على استمرار التنسيق مع القاهرة في الملف الليبي، وهو ما يمكن تحقيقه خلال المرحلة المقبلة حال دعمت أنقرة الموقف المصري الداع لإجراء انتخابات ليبية جديدة لاختيار قيادة سياسية تقود البلاد وتنفيذ مقررات مؤتمر (برلين 1،2،3) الخاصة بليبيا من خلال سحب المرتزقة الأجانب وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية وهي المهمة التي تقوم بها القاهرة حاليا عبر مفاوضات تجمع ممثلي بنغازي وطرابلس لإنهاء الانقسام السياسي والعسكري بالبلاد.
– ترغب تركيا في الانضمام لمنتدى “غاز شرق المتوسط” الذي أنشأته مصر عام 2019 وضمت له (الأردن، اليونان، قبرص، الإمارات)، بيد أن الإصرار التركي على التنقيب غير الشرعي عن الغاز الطبيعي بسواحل شرق المتوسط وتوتر العلاقات بين أنقرة وأعضاء المنتدى حال دون ذلك، ولذا فإن انضمام تركيا إليه سيكون عاملًا للاستقرار بشرق المتوسط ووقف الانتهاكات التركية المستمرة بسواحل قبرص واليونان، وسيكون لمصر دورًا محوريًّا في ذلك، كما أن التعاون بين أنقرة والقاهرة في مجال الطاقة تحديدًا سيعود بالنفع عليهم، وربما يساهم في ذلك التقاب التركي اليوناني الأخير الذي حدث بعد زلزال فبراير الماضي حيث قام وزير الخارجية اليوناني بزيارة لأنقرة تعهد خلالها باستئناف العلاقات رغم الخلافات بينهم.
– عرضت تركيا وساطتها بين القاهرة وأديس أبابا لحل ملف “سد النهضة” ذلك السد الإثيوبي الذي شرعت الأخيرة ببنائه دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان بمخالفه للأعراف بما سيؤثر على حصة مصر والسودان من المياه، وقد فشلت المفاوضات في حل الأزمة إثر التعنت الإثيوبي، ويمكن بالفعل أن تنجح أنقرة في حل ذلك الملف نتيجة لعلاقاتها الاستراتيجية مع أثيوبيا فقد قدمت دعما عسكريا لها في ظل تفاقم الحرب الأهلية بين أديس أبابا وإقليم التيجراي شمال البلاد، مما ساهم في انتصار الجيش الاثيوبي عليه.
– تهتم أنقرة والقاهرة بعدد من القضايا العربية والتنسيق بينهم بالغ الأهمية لمعالجة تلك القضايا فقد تزامنت زيارة “تشاووش أوغلو” للقاهرة مع عقد مؤتمر خماسي بمدينة شرم الشيخ المصرية ضم ممثلين عن (فلسطين، إسرائيل، مصر، الأردن، الولايات المتحدة الأمريكية) لبحث التهدئة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال شهر رمضان الكريم والتاكيد على وقف المشروعات الاستيطانية لمدة أربع أشهر، وهو ما رحبت به تركيا حيث أكد “أوغلو” خلال زيارته للقاهرة سعي بلاده “ألا تكون هناك اضطرابات في الأقصى في فلسطين بشهر رمضان”، وكذلك ثمة تنسيق مصري تركي في الملف السوري خاصة مع التداعيات الإنسانية للزلزال المدمر وبحث ترتيبات وشروط عودة سوريا لجامعة الدول العربية، ولا يغيب العراق عن تلك الاجتماعات لاسيما مع وجود قواعد عسكرية تركية في شمال البلاد بإقليم كردستان العراق واستمرار القصف الجوي التركي على معاقل حزب “العمال الكردستاني” بجبال قنديل ومدينة سنجار بالعراق وهو ما اعترضت عليه القاهرة أكثر من مرة، ولذا يجب التوصل لتفاهمات تضمن الأمن القومي التركي وعدم مهاجمة الأراضي التركية من العراق دون الاعتداء على سيادة واستقلال بلاد الرافدين.
كافة القضايا السابقة أثبت العقد الماضي صعوبة مواجهة أي دولة لها وحلها بشكل منفرد وأن التنسيق الإقليمي سيكون الأفضل لحلها وذلك بناء على احترام مبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة وعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة.
مما سبق نرى أن التحولات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط ستنعكس بشكل إيجابي على العلاقات بين دول المنطقة، وساهمت في حدوث سلسلة من المصالحة العربية التركية، والخليجية الإيرانية، والخليجية الإسرائيلية، ومازالت تلك المرحلة في طور الإعداد وستسفر عن تحالفات سياسية اقتصادية جديدة وعلاقات إقليمية مبتكرة تعيد تشكيل الشرق الأوسط بعد 12 عام من الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية والتنافس الإقليمي الحاد بين مختلف القوى الإقليمية المؤثرة العربية والغير عربية.
_____
*د. منى سليمان، (باحث أول في العلوم السياسية والشأن التركي)