واشنطن (زمان التركية)ــ نشرت صحيفة (National Interest The) الأمريكية تقريرًا يتنبأ بالسياسة الخارجية التي يمكن أن تتخذها تركيا حال فوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها في 14 من شهر مايو القادم.
البروفيسور “إيفان ساشا شيهان (Ivan Sascha Sheehan)” العميد المشارك لكلية الشؤون العامة والمدير التنفيذي السابق لكلية الشؤون العامة والدولية في جامعة بالتيمور الأمريكية، يقول في التقرير:
في حالة وصول تحالف المعارضة إلى السلطة، ستتغير بالتأكيد لهجة العلاقات الدبلوماسية، وإذا كان التضخم المتفشي وتكاليف المعيشة المرتفعة دوافع غير كافية لاصطفاف الناخبين ضد أردوغان، فإن رد الحكومة غير الكفؤ على الزلزال الكارثي في 6 فبراير لا يترك أي شك في أن السلطة من أعلى إلى أسفل ممنوحة لفرد واحد، ولا تخدم المصلحة العامة.
ونجد على الجانب الآخر من الاقتراع، أن كتلة من ستة أحزاب معارضة، بما في ذلك حزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري قد رشحوا كمال كيليجدار أوغلو للرئاسة، والسؤال هو إذا ما انتصرت المعارضة، ما الذي يجب أن تتوقعه السلطات الأمريكية والأوروبية، والقوى العظمى الأخرى، فيما يتعلق بتغير السياسة الخارجية؟
فبعد أن تراجعت العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين إلى أدنى مستوياتها التاريخية، مع ظهور العداء المتبادل في كل مجال تقريبًا من مجالات التعاون – وتفاقم في كثير من الأحيان بسبب الإيماءات غير الضرورية وغير المنطقية. كان معظم النقاش حول العلاقة ضيقًا للغاية، ومقتصرًا على الخلافات حول مبيعات مقاتلات F-16 وتوسيع الناتو، والصراع في سوريا. ومع ذلك هناك العديد من المصالح المشتركة التي يمكن أن تعززها حكومة جديدة بقيادة المعارضة.
حيث تقع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي على مفترق طرق عالمي مهم بشكل غير عادي حيث تربط بين الغرب والشرق – وقد ازداد الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد أهمية مع حرب موسكو في أوكرانيا، وهناك مؤشرات واضحة على أنه في حالة وصول تحالف المعارضة إلى السلطة، فإن لهجة العلاقات الدبلوماسية فيما يتعلق بأوكرانيا ستتغير. فقد كانت ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد، بالإضافة إلى كونها وزيرة داخلية سابقة ونائبة رئيس البرلمان في دورتين تشريعيتين، من أوائل السياسيين الأتراك الذين استنكروا الاستفتاءات الروسية المزورة في شرق أوكرانيا، ويدعم موقفها على نطاق واسع الشعب التركي الذي تعاطف تاريخيًّا مع تتار القرم.
وفي وقت مبكر جدًّا، جادلت أكشينار بأن سلوك روسيا يمثل “انتهاكًا واضحًا للحق في السيادة الذي هو أساس القانون الدولي، وأن سلوك بوتين المغامر لا يمثل تهديدًا لأوكرانيا فحسب، بل أيضًا لأمن وسلامة أراضي جميع البلدان في المنطقة.”
وحتى الآن لم تنضم تركيا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بل لعبت دورًا مهمًا في التوسط في الاتفاقات الناجحة، مثل مبادرة حبوب البحر الأسود، وهذا دليل على قيمة الآلية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا، ومع احتمال أن تلعب أنقرة دورًا حاسمًا في محادثات السلام المحتملة في المستقبل، فمن الأهمية بمكان أن تعكس الإدارة المقبلة رفضًا أقوى للغزو والاحتلال غير الشرعيين لأوكرانيا.
والحقيقة أن معظم الناخبين الأتراك يفضل العلاقات المثمرة بدلاً من العلاقات العدائية مع الحلفاء الغربيين، فلقد سئم الجمهور التركي تاريخيًا من التوسع الروسي الذي يعود تاريخه إلى الحروب الروسية العثمانية، بالإضافة إلى محاولات جوزيف ستالين لانتهاك المعاهدة التركية السوفيتية لعام 1925 مطالبته بإنشاء قواعد عسكرية بالقرب من مضيق البوسفور ومحاولاته لضم مناطق مثل كارس وأردهان وربما مناطق من أرضروم وشرق البحر الأسود جعل الشعب التركي يكره روسيا، و لذلك يُنظر إلى غزو موسكو غير المبرر للأراضي ذات السيادة الأوكرانية بعين الشك.
كما قد تشهد العلاقات مع الصين أيضًا بعض التغييرات، فقد استضافت أكشنار مؤخرًا عمر كانات وهو رئيس المؤتمر العالمي للإيغور، وذلك من أجل مناقشة كيف يمكن أن تساعد تركيا في حماية هذا المجتمع الضعيف من الاضطهاد، وقد أعرب قادة المعارضة الآخرون بالمثل عن اهتمامهم بحماية السكان الأويغور.
وبالإضافة إلى مجالات التعاون هذه فإن تركيا تلعب دورًا رئيسيًّا في توفير الاستقرار لأمن الطاقة الإقليمي والأمن الغذائي نظرًا لأن الدولة تقع في أهم نقطة عبور بين اقتصادات الحبوب في البحر الأسود وتعمل كقناة أساسية لموارد الطاقة في منطقة حوض آسيا الوسطى، وقد برهن كلا من الوباء وحرب روسيا في أوكرانيا دليلاً على أن أدنى اضطراب في هذه الأسواق يرسل موجات صادمة عبر الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تؤدي التغيرات في أسعار الوقود والغذاء إلى استياء واسع النطاق وحتى الإطاحة بالحكومات.
ولكن مع توثيق التعاون يمكن أن تتضاعف الفرص، حيث تقع تركيا على مقربة من أكثر من نصف احتياطيات النفط والغاز في العالم، وهي في وضع جيد لتصبح طريقًا رئيسيًّا لأمن الطاقة ويمكنها على الأرجح أن تلعب دورًا مهمًا في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ولقد أهدرت الحكومة التركية الحالية العديد من الفرص لتطوير دور أكثر بروزًا لتركيا في المنطقة لأنها ركزت بشكل كبير على المظهر أكثر من الجوهر، برفعها الشعارات الشعبوية بدلا من التركيز على السياسات المدروسة جيدًا، وأهتمت بالادوار الصغيرة بدلا من تغليب فن الحكم الموضوعي، و إذا كانت تركيا تريد فعلاً أن تتخذ “صفر مشاكل مع الجيران” شعارا لها فإنها تحتاج إلى حكومة تعامل جيرانها بحسن نية، حكومة لا تسعى إلى استغلال الظروف لتحقيق مكاسب سياسية محلية على الرغم من أن ذلك ضد مصالح تركيا العامة.