بقلم: عبدالله منصور
(زمان التركية)_ لطالما اتجهت الأنظار، داخل تركيا وخارجها، صوب كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، قبيل كل انتخابات رئاسية، ينافس فيها أردوغان على المنصب.
الجميع يترقَّب ذلك السياسي الذي يقود الحزب الذي أسَّس تركيا الحديثة، ويحمل على عاتقه إرث ثقيل ورثه من المؤسِّس مصطفى كمال أتاتورك؛ حلم البعض بات حقيقة، منذ أعلن كمال كيليتشدار أوغلو ترشُّحه في الانتخابات المُقبلة.
لم يكن الأمر مُفاجئًا؛ إذ شهدت الأشهر الأخيرة جدلًا واسعًا حول تسمية مرشح المعارضة، ولكن المتابع الدقيق للحراك السياسي في تركيا والتغطية الإعلامية لهذا الحراك يُدرِك جيدًا أن جميع الأصابع كانت تُشير بوضوح إلى كيليتشدار أوغلو، صاحب الحزب الأكبر بين أحزاب المعارضة.
في كل استحقاق انتخابي كان كيليتشدار أوغلو يدعم مرشَّحا ما ضد أردوغان، ولكنه لم يترشَّح بنفسه؛ إذ لم تكن لديه نقطة قوّة سوى كونه على رأس الحزب العلماني الأكبر في تركيا صاحب الإرث الأثقل. فمثلًا في انتخابات 2014 دعم حزب “الشعب الجمهوري” أكمل الدين إحسان أوغلو، رئيس منظمة التعاون الإسلامي السابق، وفي انتخابات 2018 رشَّح الحزب مُحرَّم إنجة، عضو حزبه الذي خسر في الجولة الثانية من الانتخابات بفارق بسيط، وسرعان ما انشق عن الحزب وأسَّس حزبًا خاصًّا به. أمَّا هذه المرَّة قد تكون الترتيبات السياسية والصدفة والأوضاع الاقتصادية في صالح مرشح الحزب، رئيسه كيليتشدار أوغلو، ويمكن سردها في عشرة نقاط قوّة رئيسية:
• نقطة القوّة الأولى تتشكَّل في الإرث العلماني الثقيل الذي يحمله كمال كيليتشدار أوغلو مع حزب “الشعب الجمهوري” الذي أسَّسه أتاتورك مؤسِّس الجمهورية التركية، والذي يحظى بقبول واسع داخل تركيا.
• نقطة القوّة الثانية في يد كمال كيليتشدار أوغلو هذه المرَّة تتمثَّل في اتساع قاعدة التأييد الذي قد يحصل عليه؛ إذ سيخوض الانتخابات بدعم قوي من خمسة أحزاب معارضة من تيارات وتوجُّهات أيدولوجية مختلفة، فمثلًا حزب “الخير” يميني قومي منشق عن حزب “الحركة القومية” وبالكاد يحصل على 10% في نتائج استطلاعات الرأي، وكذلك حزب “السعادة” يميني إسلامي منبثق حركة “الرؤية الوطنية” (ميلّي جوروش) التي أسَّسها نجم الدين أربكان، المعروف بأبو الإسلام السياسي في تركيا وكذلك مُعلِّم أردوغان، كما أنَّ بيان تسمية كيليتشدار أوغلو أُعلن من مقر حزب “السعادة” الإسلامي؛ مما يتيح له فرصة استقطاب أصوات إسلامية كانت تبتعد عنه بسبب هويّته العلمانية. وكذلك حزب “المستقبل” يميني محافظ أسَّسه ويقوده أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء الأسبق الذي انشقَّ عن حزب “العدالة والتنمية” وسحب معه عددٌ من رموز حزب أردوغان، وهناك أيضًا حزب “الديمقراطية والتقدُّم” اليميني الليبرالي الذي أسَّسه علي باباجان، وزير الاقتصاد الأسبق المنشق عن حزب أردوغان والمعروف أيضًا بمهندس التنمية الاقتصادية في تركيا.
• نقطة القوّة الثالثة تتمثَّل في وجود أحمد داوود أوغلو المعروف بعلاقته الجيدة والمتوازنة مع الأكراد، وتصريحاته الدائمة والمتكرِّرة عن حقوق الأكراد فضلًا عن قيادته مفاوضات السلام مع الأكراد في عام 2015؛ مما يتيح لكيليتشدار أوغلو فرصة اللعب على استقطاب أصوات الأكراد. كذلك يُعرف داوود أوغلو بأنَّه رجل سياسي قوي ويرجع البعض الفضل له في تحسُّن علاقات تركيا مع دول الجوار، بسبب سياسة “صفر مشكلات”.
• نقطة القوّة الرابعة تكمُن في شخصية “علي باباجان”، ذلك السياسي المعروف بخطابه المعتدل، المعروف أيضًا بدفاعه عن حقوق المرأة، وخصوصًا أن الحكومة التركية أعلنت العام الماضي انسحابها من اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي (اتفاقية إسطنبول). كذلك يحظى “علي باباجان” بقبول شعبي في الجانب الاقتصاد، بسبب دوره في النهضة الاقتصادية لتركيا، من خلال تولّيه منصب وزير الاقتصاد (2009-2011) ونائبًا لرئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد (2009-2015)، ولا يخفى على أحد الأوضاع الاقتصادية التي تُعاني منها تركيا منذ سنوات من دون جدوى للحلول التي تطرحها الحكومة.
• نقطة القوّة الخامسة تتمثَّل في ميرال أكشنار، رئيسة حزب “الخير” المعروفة بالمرأة الحديدة، تلك المرأة المنشقَّة عن حزب “الحركة القومية” المتحالف مع أردوغان، وتسعى لجذب المزيد من أنصار التيار القومي.
• نقطة القوّة السادسة تتمثَّل في تصريحات كمال كيليتشدار أوغلو نفسه عن ضرورة تحسين العلاقات مع دول المنطقة؛ لتجاوز الأزمة الاقتصادية. وكذلك تصريحاته المتكرِّرة عن ضرورة عودة العلاقات مع سوريا، الأمر الذي سيجذب له جزءًا من أنصار التيار القومي المنزعجين من وجود اللاجئين –السوريين تحديدًا- داخل تركيا.
• نقطة القوّة السابعة تتمثَّل في هويّته العلوية، مما يضمن له أصوات الطائفة العلوية داخل تركيا، كما أنَّ البعض ينظر إلى هذه الهويّة على أنَّها ستسهِّل عليه مهمة توطيد العلاقات مع إيران، وعودة العلاقات مع سوريا الأسد.
• نقطة القوّة الثامنة تتمثَّل في أنَّه يحظى بقبول غربي، أكبر من أردوغان نفسه، الذي دخل في صدامات متعدِّدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة. فقد أجرى كيليتشدار أوغلو جولة خارجية في الربع الأخير من العام الماضي، شملت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
• نقطة القوّة التاسعة فتتمثّل في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها تركيا واستمرار تراجع سعر الصرف، فضلًا عن الارتفاع الجنوني في معدلات التضخُّم. ومن يتابع الصحف المعارِضة وعلى رأسهم صحيفة “جمهوريت” التابعة لحزب “الشعب الجمهوري” يجد أنَّ تغطيتها للحراك الانتخابي تُخصِّص نحو 25% منها لانتقاد الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى انتقاد تقاعس الحكومة في أزمة الزلزال الأخيرة.
• نقطة القوّة العاشرة تتمثَّل في إبداء مُحرَّم إنجه المرشح السابق في الانتخابات استعداده لدعم مُرشَّح الطاولة السداسية، لو كانت تدعمه ميرال أكشنار، رئيسة حزب “الخير”، فماذا إذا نجحت في إقناعه بذلك، وأيَّد كيليتشدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات؟ وهو ما قالته أكشنار قبل ثلاثة أيام في لقاء تلفزيوني: “اتفقت مع السيد مُحرَّم على دعم أي مُرشَّح يصعد للجولة الثانية أمام أردوغان، مهما كان اسمه”.
• نقطة القوّة الحادية عشر تتمثَّل في تمكُّن كمال كيليتشدار أوغلو في استقطاب أنصار حزب “الشعوب الديمقراطية” أكبر أحزاب الأكراد، وخصوصًا أن هناك مؤشِّرات على محاولة كيليتشدار أوغل فعل ذلك؛ حيث أجرى زيارة للحزب قبل أيام من إعلان ترشُّحه.
• نقطة القوّة الثانية عشر تتمثَّل في نتائج استطلاعات الرأي التي تُظهر تراجع شعبية الرئيس أردوغان (43.2%) مقابل ارتفاع شعبية كيليتشدار أوغلو (56.8%) (نتائج شركة “ORC” التركية بتاريخ 07 مارس 2023)، ولكن لا يمكن التعويل على هذا الجانب كثيرًا لأن كل الانتخابات السابقة كان أردوغان يفوز فيها بالرغم من أن نتائج استطلاعات الرأي تظهر تراجعه. ولكن العامل الأهم هو استطلاعات الرأي التي تُظهر تراجع شعبية حزب “الحركة القومية” المتحالف مع أردوغان إلى نحو 5% فقط.
الآن بعد سرد اثنا عشر نقطة قوّة في يد مرشَّح “تحالف الأمّة” المعارِض الذي أجمع على اثنا عشر مادة، نجد أن الفرصة أكبر من أي وقتٍ سبق بالنسبة للمعارَضة للإطاحة بأردوغان. اثنا عشر نقطة قوّة قد تطيح بالرجل الأقوى في تركيا الذي شاهدته تركيا يلعب كرة القدم مرتديًا قميصًا بالرقم 12.