هيثم السحماوي
(زمان التركية)_أتحدث في هذا المقال عن موقف الشريعة الإسلامية من الشائعات، والنصوص الإسلامية التي تعاملت معها، ونماذج من الشائعات التي كانت في التاريخ الإسلامي.
وبالبحث نجد أن الشائعات كان لها وجود في التاريخ القديم في مختلف الفترات والعصور، وترصد كتب السيرة والتاريخ الإسلامي كثير من الشائعات التي ظهرت وانتشرت في فترة ظهور الإسلام والعهد الأول منه، منها مثلًا شائعة مقتل النبي محمد صلي الله عليه وسلم في غزوة أحد، وشائعة إسلام كفار مكة، وحادثة الإفك التي أصابت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ما أشاعه المشركون عن المسلمون في عمرة القضاء بأن أجسامهم قد ضعفت بسبب حمى المدينة… الخ من شائعات وجدت سواء في التاريخ بشكل عام أو بالتاريخ الإسلامي بشكل خاص.
وفي كتاب المسلمين القرآن الكريم تعامل الله سبحانه وتعالى مع الشائعات في أكثر من موضع بالنصح والتوجيه على ما يجب على المسلمين، فوضع القاعدة العامة في هذا الأمر وهو أن يقوم الإنسان بالتحقق والتبين والتثبت مما يصل إليه من أخبار وألا يسلم بكل ما يسمع أو يقرأ على أنه حقيقة، فقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم:
(يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا على ما فَعَلتُم نادِمِين) (سورة الحجرات/6)
ويرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى قاعدة أخرى في التعامل مع الإشاعة وحماية النفس والآخرين من أخطارها، وهو ألا يقوم مستقبل الإشاعة بالمساهمة في نشرها بترديدها ونقلها للآخرين، فقال الله الرحمن الرحيم:
(إذ تَلَقَّونَهُ بِألسِنَتِكُم وتَقُولُونَ بِأفوَاهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وتَحسِبُونَهُ هَيِّنًا وهوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَولا إذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُمْ مَا يَكُونَ لَنَا أن نَتَكَلَّم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هذا بُهتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أن تَعُودُوا لِمِثلِهِ أبَداً إن كُنتُم مُؤمِنِين) سورة النور/ 15-17
ويوضح القران الكريم واجب آخر على متلقي الإشاعة، وأنه في طريقه للبحث والتثبت من الأمر يرجع لأولي الأمر وأهل المواقع الحقيقية الصادقة كي يتحرى ويعلم ما إذا كان الأمر مجرد إشاعة لا أساس لها من الحقيقة أو أنها حقيقة بالفعل، فيقول جل في علاه: ( وإذا جاءَهُم أمرٌ مِنَ الأمنِ أوِ الخَوفِ أذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إلى الرّسولِ وإلى أُولِي الأمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الذينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم) سورةالنِّساء/ 83
هذا بالنسبة لحديث القرآن أما بحثنا في المصدر الثاني لنصوص الشريعة الإسلامية وهي السنة النبوية المطهرة، نجد عدة أحاديث تتحدث في هذا الشأن منها:
فيرشد النبي محمد صلي الله عليه وسلم الإنسان إلى قاعدة عامة هامة جدًّا في الحياة، وهي ألا يتعامل مع كل مايسمع بالترديد وتبادل الحديث مع الأخرين ونقله، والحقيقة أن هذا يخص الشائعات بالطبع، ولكن حتى غير الشائعات ولو كان الأمر حقيقة فليس أيضًا بعض الأمور يصح أو جيد تبادل الحديث فيها، ففي صحيح مسلم عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع)
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر».
وقد جاء الوعيد الشديد في السنة النبوية في حق الكذب عمومًا، وفي حق الإشاعات على وجه الخصوص؛ لما تتضمنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة».
ولعلك عزيزي القارئ تتذكر الحديث المشهور يتحدث في هذا السياق وقد ورد الحديث في موطأ الإمام مالك، وهذا نصه: عن صفوان بن سُليم رضي الله عنه : “أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال : (نعم) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن بخيلًا؟ قال : (نعم) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال : (لا).
ومن التدابير النبوية في التعامل مع الشائعات: الدفاع عمن أثيرت عليه إشاعة، والاعتذار له بما يعلم عنه؛ للحد من مدى الإشاعة، كما في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدْراعَه وأَعْتُدَه في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب فعمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها». وفي شرح معنى الحديث قال النووي: ومعنى الحديث أنهم طلبوا من خالد زكاة اعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم لا زكاة لكم علي، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن خالدًا منع الزكاة، فقال لهم انكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه.
ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: رد الإشاعة ومحاربتها، وتصحيح الخلفية التي نشأت عنها الإشاعة، ومن ذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم الخبر الذي أشيع بأن الشمس كسفت لموت ولده إبراهيم، كما في البخاري عن المغيرة بن شعبة قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله».
صدق الله العظيم وصدق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم …
هكذا كما نرى تعاليم الله لنا في التعامل مع الشائعات، ومنهج النبي محمد صلي الله عليه وسلم كنبي وقائد في التعامل معها، وبناء على كل ذلك يأتي السؤال ما الواجب علينا عمله تجاه الشائعات بالشكل الذي يحمي أنفسنا والآخرين ؟!
أترك الإجابة للقارئ الفاضل …