هيثم السحماوي
(زمان التركية)ــ السؤال الذي يطرح نفسه الآن إذا كان المجرمون الجُدُد من مروجي الشائعات لهم هذا التأثير وهذه الخطورة على أمن الدول واستقرارها، فما هي سُبل مواجهة هذا النوع من الجرائم من الناحية التقنية العلمية؟
في الحقيقة أن للإعلام دورًا هامًّا وكبيرًا في التصدي للشائعات وحماية الأفراد والدول من أخطارها، وهذا الدور للإعلام بكافة إشكاله سواء الصحفي أو التلفزيوني أو أعلام مواقع التواصل الاجتماعي، ويكون ذلك بطرق مدروسة وعلمية تقوم على رصد الشائعة وبيان مصدرها، وبديلها من الخبر الصحيح أو المعلومة الصحيحة، إضافة إلى القيام بالدور التوعوي للمواطنين بأخطار الشائعات والمواقع والأشخاص الذين يدعمون تزييف الحقائق وتشويه الصور و مآربهم من ذلك، والأدلة على كون ما يُروجون له من أخبار مجرد شائعات عارية من الصحة وبعيدة عن الحقيقية…الخ .
والدور الأساسي والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الدول عن طريق مؤسساتها الرسمية المختلفة ومواقعها وحسابتها الإعلامية المتنوعة ، والدور الأهم هنا للدولة هو القضاء على الشائعة قبل ظهورها أو السياسة الوقائية للدولة للحماية من الشائعات بكافة السُبل والطرق، والتي منها الطرق القانونية والإجراءات التي تتخذ حيال الأشخاص أو المواقع التي يثبت إدانتها في ترويج الشائعة سواء كانت ضد شخص أو مؤسسة، وأرى أنه من السّبل الحقيقية والفعالة في مواجهة الشائعة السياسة أن تعرض الدولة عن طريق مؤسساتها الرسمية الحقائق والأمور بموضوعية وشفافية بحيث تنال ثقة الجمهور طالما احترمت عقولهم وصارحتهم بالحقائق المجردة.
وتوضح الدكتورة فاطمة عبد الفتاح أستاذ الإعلام بكلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، في بحثها الذي بعنوان “آليات مكافحة الشائعات في الفضاء السيبراني” السُبل العلمية والتقنية في مكافحة الشائعات الإلكترونية والتي منها الوسائل التالية:
أولًا- تطبيقات الذكاء الاصطناعي: والتي تعتمد على خوارزميات حديثة لتحليل المعلومات ورصد الأخبار المزيفة بشكل فوري و أوتوماتيكي وأكثر سرعة من مجموعات رصد المعلومات المزيفة التقليدية.
مثال ذلك ما قامت به شركة جوجل خلال عام 2016 بتمويل 20 مشروعًا أوروبيًّا يعمل على التحقق من المعلومات، تضمنت مشروعين في بريطانيا استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمكافحة الأخبار المزيفة إبان الانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة.
ثانيًا- التعقب الرقمي: وهي الحلول التي لا تكتفي برصد الشائعة فقط، ولكنها تعمل على تتبع انتشارها، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل سريع ومنظم. ومن أبرز أمثلتها موقع Emergent، الذي هو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز “تو للصحافة الرقمية” بجامعة كولومبيا، حيث يقوم الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات.
ثالثًا- مراكز التحكم في الشائعات: وهي مراصد مزودة بالتقنيات والتطبيقات التقنية اللازمة لمتابعة الفضاء السيبراني ورصد الشائعات، خاصة في فترات الأزمات والطوارئ.
وقد أشار الباحث أونوك من جامعة يورك البريطانية في دراسته حول انتشار الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أهمية تلك المراكز لدحض التضليل، وتزويد المواطنين في الوقت المناسب بالمعلومات الصحيحة من خلال قنوات الإعلام والتواصل المختلفة، مثل: مواقع الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، وخدمات التغذية الفورية، والبريد الإلكتروني، والرسائل الهاتفية، فضلا عن وسائل الإعلام التقليدية.
رابعًا- المبادرات المتخصصة: وهي المشروعات التي يتم إطلاقها بغرض مكافحة الشائعات في فترة أو نطاق محدد، مثل: مشروع كروس تشيك الذي أطلقه تحالف “فيرست درافت” لمكافحة الأخبار المزيفة في غرف الأخبار، والذي تخصص لمكافحة المعلومات المضللة والمزيفة في فترة انتخابات الرئاسة الفرنسية..الخ.
خامسًا- المكافحة التشاركية: والتي تقوم على إدماج المستخدم نفسه في مواجهة الشائعات، عن طريق نشر الوعي بين المستخدمين، وحثهم على الإبلاغ عن المحتوى المشكوك فيه.
أما عن موقف الشريعة الإسلامية من جريمة نشر الشائعات؟ والسُبل التي وضعتها لمواجهة هذه الجريمة وحماية الأفراد والدول من شرورها؟
فأستأذن القارئ الفاضل أن يكون هذا محور حديثي في المقال القادم بإذن الله .