أنقرة (زمان التركية) – يثير إعلان روسيا رغبتها بإنشاء مركز للطاقة في تركيا، العديد من الجوانب الغامضة للأمر.
وكان المسؤولون الأتراك قد أدلوا بتصريحات عكست نوايا مشابهة عقب إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال الأشهر الأخيرة عن رغبته في إنشاء مركز للغاز الطبيعي في تركيا لبيعه إلى دول ثالثة والدول الأوروبية في حال رغبتها.
وفي تصريحاته بشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن الهدف يكمن في تحويل تركيا إلى مركز عالمي يشكل السعر المرجعي للغاز الطبيعي خلال أقرب وقت ممكن.
وكان بوتين قد طرح هذا المقترح في عام 2014، غير أنه عاود تسليط الضوء على المشروع خلال الأشهر الأخيرة بسبب التأثيرات السلبية للعقوبات الغربية المطبقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى الخبراء أن الاتحاد الأوروبي لن يرغب كسابق عهده في الغاز الروسي لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب.
وتشير البيانات الصادرة مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الجاري أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تراجعت إلى 72.75 يورو وهو ما كانت عليه قبل الحرب الأوكرانية.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن روسيا طرحت فكرة إقامة مركز الطاقة في تركيا في محاولة منها للوصل من جديد إلى الأسواق التي خسرتها نوعا ما، بينما يرى البعض أنه يتوجب بحث الأمر من منظور أوسع وأن الأمر قد يضم الغاز القادم من مسارات أخرى وليس فقط الغاز الروسي.
من جانبه يوضح الرئيس السابق لشركة خطوط النفط التركية (بوتاش)، جوكهان يلدرم، أن الوضع الحالي لا يختلف كثيرا عن الوضع وقت طرح المقترح وذلك من حيث الكشف عن الجوانب الغامضة مفيدا أنه ليس من المعروف بعد ما طرحته روسيا خلال المباحثات.
ويؤكد الخبراء أن فكرة تحويل تركيا إلى قاعدة للغاز الطبيعي فكرة إيجابية جدا من الناحية النظرية ويمكن تطبيقها بسبب الموقع الجغرافي، غير أن توفير الشروع المعينة لتحقيق الأمر يستوجب نحو 3-4 أعوام على الأقل.
وفي حديثه مع موقع دويتشه فيله في نسخته التركية أفاد يلدرم أنه على الرغم من عدم اشتراط الأمر لبنية تحتية فزيائية فإنه لابد من إتمام ضروريات كوجود خزانات أسفل الأرض ووجود وصلات أنابيب بشكل كاف وإبرام اتفاقيات مع الدول التي ستتجه إليها تلك الوصلات.
وأوضح يلدرم أن هذا الأمر لن يكون صعبا بالنسبة لدولة مثل تركيا التي تعد أكبر مستهلك للغاز وتمتلك الإمدادات الأكثر تطورا في دول البلقان وجنوب شرق أوروبا بل وأسيا الوسطى، مشيرا إلى إمكانية تحقيق الأمر في حال الانصياع للقواعد اللازمة.
وأشار يلدرم إلى تمتع تركيا بموقع جغرافي ممتاز مفيدا أن تركيا تتلقى الغاز الطبيعي حاليا من كل من أذربيجان وإيران والولايات المتحدة بجانب روسيا وأنها بالمستقبل قد تتلقى أيضا الغاز من تركمنستان أو شمال العراق وأن الأحاديث المثارة تدور حول إبرام اتفاق مع عمان.
وأضاف يلدرم أن هذا الغاز يتم تأميمه في تركيا وقد ترسله تركيا إلى دول كبلغاريا ومقدونيا بل وربما البوسنة ورومانيا وأوكرانيا.
وذكر يلدرم أنه لا توجد اتفاق قائم مع بلغاريا رغم تصدير الغاز إليها مفيدا أن هذه الاتفاقيات تشكل أهمية لصادرا الشركات التجارية من الغاز وهو ما يجعل مشروع مركز الغاز الطبيعي أمر ممكن بالنسبة لشركة بوتاش فقط في الوقت الراهن.
ماذا يعني مقترح روسيا هذا بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟
هناك من يرى أن مقترح تحويل تركيا لمركز للغاز الطبيعي في الوقت الذي لم تعد فيه أوروبا بحاجة للغاز الروسي وتتراجع فيه أسعار الطاقة يعكس نجاح العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
ويرى الخبراء الاستراتيجيون الأوروبيون أن هذا المقترح هو محاولة من روسيا التي فقدت أوروبا والعائدات الضخمة الواردة منها لدخول هذه الأسواق بطرق أخرى.
ويهدف الاتحاد الأوروبي من خلال العقوبات إلى إعجاز روسيا عن مواصلة الحرب الأوكرانية من الناحية الاقتصادية.
وعقب اندلاع الحرب في أوكرانيا واصلت تركيا علاقاتها الجيدة مع روسيا وأعلنت اتباعها سياسة متوازنة ورفضت المشاركة في العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا.
ويشكل عدم انصياع تركيا للعقوبات الأوروبية على روسيا قضية أخرى، فأنقرة لا ترى ضرورة في الانضمام لعقوبات فرضتها منظمات لا تشارك بها كالاتحاد الأوروبي أو دول أخرى بدون قرار من الأمم المتحدة وترسم سياستها في هذا الإطار.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على دول ثالثة وأفراد وشركات لخرقها العقوبات على روسيا في التكنولوجيا المستخدمة بالإنتاج العسكري وذلك بموجب قرار صادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتتواصل المفاوضات بين أنقرة وبروكسل المنقسمة في هذه السياسات، حيث أقدم الاتحاد الأوروبي على مراجعة مئات الشركات الروسية التي تتزايد أعدادها داخل تركيا ويواصل الاتحاد اللقاءات مع المسؤولين الأتراك حول هذا الامر، وقام بالتواصل مع شركات تركية لتحذيرها من خرق العقوبات