هيثم السحماوي
(زمان التركية)ــ وصلنا بالحديث إلى جرائم مروجي الشائعات، وهي من وسائل الحرب النفسية وزعزعة التكامل الاجتماعي واستقرار الدولة ومن ثم الإضرار بأمنها، وتشتد خطورتها حينما تكون الدولة في حالة عدم استقرار أو وقت الأزمات والكوارث.
وتعتبر الشائعات والأكاذيب التي يتم نشرها خلال وسائل التواصل المختلفة من أخطر الأسلحة المستخدمة للإضرار بالأمن القومي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وهي تمثل خطورة على الأفراد والدولة لا تقل عن الإرهاب نظرًا لشيوعها في كل زمان ومكان واستحواذها على جانب كبير من الأحاديث اليومية، كما أنها بمثابة سلاح يراد منه إحداث بلبلة وانشقاق في المجتمع وتهديد الأمن والسلم العام وغيره من الوقائع التي تستلزم ضرورة التصدي لها والقضاء عليها.
وبالنسبة لتعريف الشائعات لُغويًّا فقد ورد في لسان العرب لإبن منظور: شاع الخبر في الناس يشيع شيعًا وشيعانًا ومشاعًا وشيعوعة، فهو شائع: انتشر وافترق وذاع وظهر. وإشاعة هو وأشاع ذكر الشيء : أطاره وأظهره، وقولهم: هذا خبر شائع وقد شاع في الناس، معناه قد اتصل بكل أحد، فاستوى علم الناس به، ولم يكن علمه عند بعضهم دون البعض.
وبالنسبة للتعريف اصطلاحًا فقال البعض أنها عبارة عن رواية مصطنعة عن شخص أو جماعة أو دولة، يتم تداولها شفهيا أو إعلاميًّا. وهي مطروحة لكي يصدقها الجمهور دون أن تتضمن مصادر، ودون أن تقدم دلائل مؤكدة على أنها واقعية .
وفي بحث للأستاذة الدكتورة صفاء إبراهيم عميد كلية الإعلام بجامعة السودان المفتوحة، كان بعنوان (الإشاعة وأثرها على الفرد والمجتمع) تقول: يُستهدف من وراء نشر الشائعات التأثير على الرأي العام، تحقيقًا لأهداف قد تكون عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، وتجد الشائعات الأرضية الملائمة لسهولة انتشارها بين الناس وقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وفي زمن الحروب نظرًا للأزمات النفسية التي يعاني منها الأفراد في هذه الأوقات، وقد أصبحت الشائعات إحدى الوسائل التي تستخدمها الدول من أجل تثبيت وتمرير سياستها الداخلية أو الخارجية.
وعن خطر الشائعة الإلكترونية يقول الدكتور/مفيد عبد الجليل الصلاحي المتخصص في القانون الجنائي، في بحثه الذي بعنوان (القانون والشائعات) أن الشائعات الإلكترونية تعد نمط اتصالي هدام مشكوك في أغراضه يروج وينشر عبر وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، فهي إما أن تحمل جزء من الحقيقة فيتم تضخيمها أو التقليل من شأنها، أو أنها لا تحمل أي جزء من الحقيقة وإنما هي مغلوطة مما يشكل موضوعًا للحوار والدردشة في المجتمع الإفتراضي لمستخدمي الشبكة العنكبوتية ثم ينتقل الأمر منهم إلى الآخرين في المجتمعات الواقعية.
والشائعة التي تظهر وتنتشر في المجال الإلكتروني ترتبط بصورة مباشرة بمن يملكون قدرات فنية وتقنية كبيرة في مجال التكنولوجيا، وقد يتصل مجالها بما يُرتكب على الشبكة العنكبوتية من جرائم، مثل اختراق مواقع الآخرين بهدف الحصول على معلومات يتم تزييفها واستخدامها بطرق غير قانونية في عمليات مشبوهة تشكل مادة لشائعات يتداولها الناس شفاهة أو عبر الوسائل الإلكترونية المختلفة. و الشائعة الإلكترونية في كثير من الحالات تقع في مصاف الجرائم التي يعاقب عليها القانون، مثل جرائم اختراق المواقع الخاصة وتزييف معلوماتها، ومن ثم استغلالها على نحو يسيء لأصحاب هذه المواقع، كذلك جرائم استخدام المواقع المشبوهة لنشر صور أشخاص سواء من الذكور أم من النساء بعد تغيير عناصرها لتصبح مادة لشائعات متداولة تستهدف التشهير بالأسر والعائلات، كذلك تسويق الشائعات على شبكة الإنترنت والتي تكون من شأنها زعزعة الاستقرار والامن في الدول، أو خلق جو من الفوضى والاضطرابات داخل المؤسسات الحكومية او الشارع العام مما يؤدي إلى تكدير السلم والأمن العام ومن ثم الإضرار بالدول والأفراد …
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيفية مواجهة هذه الجريمة ذات الأخطار الكبيرة من النواحي التقنية العلمية، والناحية الدينية، والناحية القانونية؟
استأذن القارئ الفاضل أن يكون ذلك محل الحديث في المقالات القادمة إن شاء الله.