ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ “اعمل الخير وارمه إلى البحر” مثل شائع لدينا في مصر وربما لدى شعوب أخرى حول العالم، فاللغات تختلف في النطق وفي الكتابة ولكن الإنسان -في كل مكان- هو الإنسان بفكره وأقواله وتصرفاته.
والأمثال الوطنية أو الشعبية هي جزء من التراث الهام الذي يساهم في نقل فكر وحكمة الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة.
ولذا، نجد الأمثال دقيقة المعنى مختصرة الكلمات والأحرف، ونجد كلماتها تحتمل معاني مختلفة وعديدة أحيانًا، كما قد يلزمنا وقت كثير لفهم الأمثال والحكم الشعبية، فالمعاني المخبوءة في كلمات الأمثال والحكم الوطنية أو الشعبية -في الغالب- معان عميقة وتحتاج إلى خبرات حياتية واعية وعلى قدر من العمق لاستيعاب هذه المعاني وإدراك مرماها.
وهذا العمق وهذه الجدية الكامنة في كلمات الأمثال والحكم الوطنية والشعبية هما الصفتان اللتان تحملان الحكم والأمثال عبر الأجيال وعبر الزمن الطويل غير المنقطع.
وفي هذا المثل الجميل “اعمل الخير وأرمه إلى البحر” يدعو إلى مساعدة الغير دون انتظار لأجر، أو هكذا قد يبدو معناه لبعض الناس، والمغزى السابق قد يبدو -من زاوية من زوايا الرؤيا- هو الهدف وهو المضمون، ولكن -من زاوية أخرى- قد يدعو المثل الوطني أو الشعبي إلى معان نبيلة أخرى، فالبحر هو عالم كبير في ذاته ولا يعلم عنه كثيرون، وعندما تواجه البحر وتلقى إليه شيء، فأنت تقف عند حدود قدراتك وحدود نفسك وتلقي إلى البحر بما يخصه وما هو من شأن البحر وليس من شأنك أنت، فلكل مهمته ولكل حدوده التي لا يتخطاها.
وعندما تلقى بما فعلت من خير إلى البحر، فأنت تعترف أيضًا بحدودك وحدود إدراكك وحدود قدراتك وتعترف بحدود ما لا علم لك به ولا قدرة لك به أيضًا، وتضيف إلى رصيدك الإيماني وإلى رصيدك الإنساني، وإلى صحتك النفسية كثيرًا.
فالمثل يشجع الإنسان على التعرف إلى نفسه، ويحث المرء -في الأساس- على الإحسان إلى نفسه، فكل إحسان يصدر عنك هو إحسان إليك، وكل شر يصدر عنك هو شر لك، والبحر غيب والغير بحر، ولكن لا شيء يضيع فيه ولا شيء يفقد.