(زمان التركية)-نشر موقع المونيتور (Al-Monitor) تحليليًّا هامًّا حول موقف تركيا من قضية أقلية الإيغور ومدى تأثير ذلك على العلاقات التركية والصينية، ما بين الماضي والحاضر. وذكر التحليل أن بعض نشطاء الأويغور متشككين بشأن مدى التزام أنقرة بالدفاع عن حقوق الأويغور على الرغم من الخلاف الأخير مع بكين.
وجاء في التحليل الذي كتبه “فهيم تستكين (Fehim Taştekin)” المتخصص في الشؤون التركية، ما يلي:
لا يزال كثير من المتابعين للعلاقات التركية الصينية غير مقتنعين بما صرحت به تركيا مؤخرًا بأن علاقتها مع بكين تتضرر بسبب قضية معاملة الأقلية الأيغورية في الصين، أما موقف نشطاء الأويغور فهم على صعيد آخر متشككين بشأن مدى التزام أنقرة بالدفاع عن حقوق الأويغور على الرغم من الخلاف الأخير مع بكين، فبينما أقرت تركيا بانحسار العلاقات مع الصين بسبب معاملة بكين لأقلية الأويغور، لكن الواقع يشير إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيحاول تجنب أي تحرك قد يضر بالعلاقات.
وإذا نظرنا إلى أصداء تلك القضية على الداخل التركي سنجد أن أردوغان يواجه احتجاجات من قبل الأويغور في الشتات على تسليم الأويغور المطلوبين إلى الصين، بالإضافة إلى تعرض الرئيس التركي لضغوط من المعارضة لاتخاذ موقف دفاع أقوى عن الأقلية المسلمة التي تعيش في منطقة شينجيانغ الصينية، والأمر الذي يجعل من قضية الأيغور أهمية داخل تركيا هو ما للأقلية الأيغورية من أصول تركية وما لذلك من صدى قوي في الأوساط القومية التركية بما في ذلك قاعدة حزب الحركة القومية (MHP) والذي يعد وبحق الشريك الفعلي في الائتلاف الحاكم في تركيا بزعامة أردوغان، وغالبًا ما يطرح حزب الخير هذه القضية في البرلمان في محاولة لمحاصرة الحكومة وحزب الحركة القومية.
وخلال الأسبوع الماضي أفادت وكالة أنباء الأناضول أن وزير الخارجية التركية “مولود جاويش أوغلو” ألقى باللوم على بكين “إبطاء” أي تقدم في العلاقات الثنائية، كما شدد على أن تقرير الأمم المتحدة الأخير قد وثق انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في شينجيانغ وأن تركيا “لا يمكنها أن تصمت دون الرد على مثل هذه الانتهاكات”.
والجدير بالذكر أن الرئيس “شي جين بينغ” كان قد اقترح قبل خمس سنوات بأن يقوم وفد تركي بزيارة معسكرات الأويغور في شينجيانغ لرؤية الوضع على الأرض، لكن في الوقت نفسه أصرت السلطات الصينية أن مثل هذه الزيارة لا يمكن أن تتم إلا بشروطها، وهو ما دعى جاويش أوغلو للتصريح معلقًا “لماذا نكون أداة للدعاية الصينية؟ ” وأضاف أيضا إن تركيا لن تسلم أي من الإيغور الذين حصلوا على الجنسية التركية، رافضًا تقارير تسليم المجرمين ووصفها بأنها “كذبة مطلقة”، وقد كانت آخر مرة زار فيها أردوغان بكين في يوليو/تموز 2019 وسط غضب دولي متزايد بشأن التقارير التي تفيد بأن مئات الآلاف من الأويغور محتجزون في معسكرات “إعادة التأهيل “.
وهكذا ظلت قضية الأويغور شوكة في العلاقات التركية الصينية، وقد أثار أردوغان غضب بكين في عام 2009 عندما قال إن قتل الأويغور في شينجيانغ يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، لكن في أبريل 2012 أصبح أردوغان أول رئيس وزراء تركي يزور بكين منذ 27 عامًا وأول رئيس وزراء تركي يزور أورومتشي عاصمة شينجيانغ، ثم اشتعلت أزمة جديدة في أوائل عام 2015 حيث ألقت السلطات الصينية القبض على 10 مواطنين أتراك بتهمة تقديم جوازات سفر تركية مزورة للأويغور لمساعدتهم على الفرار من الصين، وبينما أكد أردوغان دعمه لوحدة أراضي الصين وشجب حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM) -وهي جماعة انفصالية من الأويغور في شينجيانغ- وذلك أثناء زيارته لبكين في يوليو 2015، إلا أن الصين اتهمت وحمّلت تركيا المسؤولية عن ترسيخ أعضاء حركة تركستان الشرقية المرتبطين بالقاعدة وطالبان في شمال غرب سوريا، إلا أن العلاقات اتخذت منحى المصالحة بين البلدين بعد زيارة جاويش أوغلو للصين عام 2017 حيث عدت الزيارة بمثابة نقطة تحول في العلاقات البينية بين البلدين، وأكد الوزير أن تركيا لن تسمح بأي أنشطة تستهدف الصين مشددا على أنها صنفت حركة تركستان الشرقية باعتبارها منظمة إرهابية.
ومع ذلك، كان لدى بكين أسباب للشك في سياسة أنقرة تجاه الحركة، ففي تناقض جوهري واضح تمكن الأويغور المرتبطون بالقاعدة وطالبان من اللجوء إلى تركيا، في حين تم منع زعيمة الأويغور المنفية ربيعة قدير من إعطاءها تأشيرة دخول تركية، وبدت بكين مستعدة للتغاضي عن مثل هذه التناقضات خاصة بعد اعتراض حزب العدالة والتنمية على سلسلة من الاقتراحات البرلمانية للتحقيق في الاضطهاد المزعوم للأويغور.
ولكن وفي ظل وضع تركيا الاقتصادي اليوم فلابد من إلقاء نظرة عابرة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين لنجد أن الشركات الصينية استحوذت على حصة قدرها 65٪ في ميناء كومبورت في اسطنبول وحصة قدرها 51٪ في جسر معلق جديد فوق مضيق البوسفور، كما عرضت شركة التأمين على الصادرات والائتمان الصينية مبلغ يصل إلى 5 مليارات دولار لدعم صندوق الثروة السيادية التركي، كما كان أردوغان يأمل في الحصول على تمويل صيني لمشروعه المثير للجدل لبناء ممر مائي اصطناعي كبديل لمضيق البوسفور.
إلا أن القضية الأيغورية عادت على مشهد العلاقات التركية الصينية في نوفمبر 2022 حيث أثار حريق مميت في أورومتشي احتجاجات في تركيا وسط مزاعم بأن قيود الإغلاق أعاقت جهود الإنقاذ، وفي اجتماع للناتو في ذلك الشهر صرح “جاويش أوغلو” بأن بكين فشلت في تقديم تفسير مقنع بشأن الحريق، كما وجدت الحكومة التركية نفسها في موقف دفاعي بعد أن تم تصوير شرطي وهو يحذر المتظاهرين الأويغور خارج القنصلية الصينية في اسطنبول قائلا لهم بأنهم “سيُجرفون بالقوة” قبل اعتقالهم وترحيلهم.
إلا أنه وعلى كل فقد كان النقد الأخير الذي وجهه جاويش أوغلو للصين نقدا مفاجئا بالنظر إلى صمت تركيا عندما صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضد إجراء مناقشة حول انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ في أكتوبر / تشرين الأول 2022، وقد تعرضت الحكومة التركية لانتقادات واسعة في ذلك الوقت من قبل المعارضة لأنها لم تفعل شيئًا لإقناع الدول الإسلامية بدعم الاقتراح، ولكن يظل الموقف التركي غير واضح حيث يأمل أردوغان في الإنضمام إلى مبادرة الطريق والحزام الصينية، ويبدو أن إعلانه في سبتمبر / أيلول 2022 عن سعيه لعضوية تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون يزيد من اعتماده على شي.
وهكذا يمكننا أن نخلص إلى نتيجة مفادها أنه وباختصار فإن أنقرة مترددة بين حساسيات دولة الصين وبين الغضب القومي في الداخل، وأن توبيخ الحكومة التركية من حين لآخر للصين يهدف في الغالب إلى إراحة حليفها حزب الحركة القومية واسترضاء القاعدة الشعبية في الداخل ليس إلا، وهذا ما يصرح به بعض نشطاء الأويغور، فهم غير مقتنعين بدعم أنقرة لهم كما يتضح من منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتهمون فيها حزب العدالة والتنمية بالنفاق السياسي.