أنقرة (زمان التركية)ــ نشر موقع إذاعة “صوت أمريكا” مقالًا تحليليًا بمستقبل العلاقات التركية السورية على المستوى القريب. وتناول المقال، أول محادثات رفيعة المستوى بين تركيا وسوريا منذ أكثر من عقد، التي جرت في موسكو الأسبوع الماضي وتناولت المصالح المشتركة للبلدين في الحد من الحكم الذاتي للأكراد السوريين، وقد صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه من المقرر إجراء المزيد من المحادثات في وقت لاحق من هذا الشهر.
ويعتقد المحللون الذين تحدثوا إلى إذاعة صوت أمريكا أنه إذا سارت تلك المحادثات على مايرام، فقد يكون هناك اجتماع بين أردوغان والأسد، ولكنهم في الوقت نفسه حذروا من أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يكون غير راغب في تسليم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدية سياسية قبل الانتخابات في تركيا، والتي ربما يتم إجراءها في مايو.
أما عن المحادثات التي تمت في موسكو فقد التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان بنظرائهما السوريين الأربعاء الماضي في موسكو وانضم إليهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وناقشوا “الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة ضد الجماعات الإرهابية على الأراضي السورية” وذلك حسب البيان الرسمي الصادرمن وزارة الدفاع التركية.
ومن المعروف أن تركيا دعمت المتمردين المسلحين الذين سعوا للإطاحة بالأسد في سوريا خلال الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011 مما أدى إلى عداء مرير بين البلدين لسنوات، وكان أول اتصال بين تركيا وسوريا منذ بداية الحرب الأهلية قد بدأ بشكل سري بين أجهزتهما الاستخباراتية منذ عدة أشهر، وقد سلطت المحادثات الأخيرة بين وزيري الدفاع الضوء على جهود أنقرة للدخول في حوار مع دمشق مما يمثل انعكاسًا كبيرًا في السياسة الخارجية لأنقرة.
مصالح مشتركة
كما يأتي اجتماع الأسبوع الماضي في أعقاب تهديد تركيا بشن هجوم عسكري آخر ضد وحدات حماية الشعب في شمال سوريا وهو إجراء عارضته روسيا والولايات المتحدة وإيران، وتشكل وحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهي حليفة الولايات المتحدة في القتال ضد داعش، بينما تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كلا من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باعتباره منظمة إرهابية.
وقد صرح أكار في حديثه للصحفيين قبل المحادثات في موسكو بأن أنقرة على اتصال بموسكو بشأن استخدام المجال الجوي السوري في عملية عسكرية محتملة، أما من جهة الولايات المتحدة الأمريكية فقد صرح السفير السابق لأمريكا في سوريا روبرت فورد لـ صوت أمريكا بقوله: إن أنقرة ودمشق لهما مصلحة في الحد من الحكم الذاتي للأكراد السوريين في شمال سوريا، وأن تلك المحادثات تعكس المخاوف الأمنية المشتركة فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب، وأضاف فورد: “لا أستبعد جهودًا سورية تركية منسقة ضد وحدات حماية الشعب، لا سيما في تل رفعت أو منبج، وعلى الأرجح فإن أنقرة تأمل في أن تتمكن موسكو ودمشق من إقناع وحدات حماية الشعب بالانسحاب من هذه المناطق دون قتال والسماح باستعادة السيطرة السورية الكاملة بدعم من القوات الروسية”. وأضاف أنه على الرغم من العلاقات الصعبة، فإن نظام الأسد يتعاون مع وحدات حماية الشعب أحيانًا لأن الأسد يجد وجودهما في الشمال الشرقي “مفيدًا في بعض الأحيان”.
أما آلان ماكوفسكي وهو زميل بارز في الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأمريكي فيتفق أيضا على أن جهود تركيا للحوار مع الحكومة السورية تمليه جزئيًا مخاوفها من وحدات حماية الشعب، ويرى أن أردوغان يسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع الأسد لإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الحدودية وقمع أي محاولة كردية للحكم الذاتي.
مخاوف الانتخابات وسط مشكلة اللاجئين
وبينما يعتقد الخبراء الذين تحدثوا إلى إذاعة صوت أمريكا أن الانتخابات التركية المقبلة تمثل عاملًا هامًا آخر في اللعبة، فمن جهة أخرى تستضيف تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، وتقول الحكومة إنها تعمل على خطة لإعادة مليون سوري إلى بلادهم على أساس طوعي. وقد تحولت قضية اللاجئين مؤخرًا إلى مسألة حساسة في السياسة الداخلية لتركيا مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها بعد أشهر قليلة.
وفي إشارة إلى المشاعر القوية لدى الجمهور التركي فيما يتعلق بقضية اللاجئين، فيرى ماكوفسك أن أردوغان يأمل في إقناع الناخبين بأن الحوار مع الأسد سيؤدي إلى عودة معظم اللاجئين السوريين.
بينما ألمح جاويش أوغلو إلى مزيد من المحادثات في وقت لاحق من هذا الشهر، فمن المتوقع أن المحادثات المقبلة تكون على مستوى وزيري الخارجية، وقد صرح جاويش أوغلو يوم الثلاثاء الماضي بقوله إن “روسيا اقترحت موعدا لكننا لسنا متاحين في تلك الأيام، لذلك نحن نعمل على تقديم مقترحات أخرى ” كما لم يستبعد جاويش أوغلو إمكانية عقد اجتماع بين الرئيسين قبل الانتخابات التركية لكنه قال إن القرار متروك لأردوغان، مضيفًا أنه يمكن النظر في إجراء محادثات على مستوى الرئاسة بعد اجتماع وزيري الخارجية.
وبحسب وكالة رويترز فإن سوريا عارضت فكرة عقد قمة للزعماء، قائلة إن دمشق تعتقد أن مثل هذا الاجتماع قد يعزز تقارير أردوغان قبل الانتخابات، كما يرى بعض المحللين إنه لابد من وجود بعض التقدم السياسي قبل أن يلتقي الزعيمان.
كما صرح فورد بقوله “أتوقع لقاء أردوغان – الأسد فقط إذا احتاج أردوغان إلى خطوة دراماتيكية لمعالجة قضية اللاجئين أو إذا كان الأسد مستعدًا لتقديم تنازلات كبيرة، مثل ضمان الأمن للاجئين العائدين، لكن من غير المرجح أن يمنح الأسد أردوغان أي هدية سياسية قال فورد”.
ولا تزال جهود المصالحة التركية مع سوريا تتصدر عناوين الصحف التركية والنقاشات العامة، ويصرح الخبراء بأن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى وجود رغبة قوية بين المواطنين الأتراك في حدوث تحول جذري في سياسة الحكومة تجاه سوريا.
ومن جهته فيرى ماكوفسكي إن الزخم الدبلوماسي الأخير والمنطق السياسي يوحيان باتفاق الأسد وأردوغان بحلول الربيع. وأشار إلى مسح أجرته مؤخرا شركة الاستطلاعات التركية Metropoll الذي سلط الضوء على الديناميكيات السياسية المحلية في تركيا.
وصرح بقوله إن “الأتراك يفضلون التحدث إلى الأسد بنسبة تتراوح ما بين 59-29%، ووفقًا للاستطلاع، يمكن أن يستفيد أردوغان سياسيا من مجرد التقاط صورة فوتوغرافية مع الأسد، لكن الأسد على الأرجح ليس لديه مصلحة في مساعدة محاولة إعادة انتخاب أردوغان، لا سيما وأن حزب الشعب الجمهوري المعارض دعا إلى الحوار مع الأسد وعدم التدخل في سوريا منذ عام 2011، ولكن بالرغم من ذلك فمن شبه المؤكد أن روسيا تريد إعادة انتخاب أردوغان، وهي في وضع جيد لجعل الأسد يوافق على مقابلة الرئيس التركي “.
انتقاد الولايات المتحدة وروسيا
وبالنسبة لموقف الولايات المتحدة من تلك المحادثات فقد صرح المتحدث الرسمي للولايات المتحدة، في بيان صادر من وزارة الخارجية وفيه إيماء لمحاولات التقارب التركي السوري، وقد جاء فيه البيان، أن الولايات المتحدة لا تدعم الدول في سعيها “للارتقاء بعلاقاتها حيث أن ذلك سيؤدي إلى تثبيت حكم الديكتاتور الوحشي بشار الأسد” وحث البيان الدول على “النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري” على مدى العقد الماضي.
ويرى المحللون الذين تحدثوا إلى إذاعة صوت أمريكا أن واشنطن لا تريد أن ترى أحدا في المجتمع الدولي يضفي شرعية أو يشجع وجود حكومة الأسد في سوريا، وذلك لأنه سيعد نجاحًا دبلوماسيًا وجيوسياسيًا لروسيا من وجهة نظر واشنطن. كما يعتقدون أن الولايات المتحدة لا تريد اتفاقًا بين دمشق وأنقرة يمكّن الجيش التركي أو القوات الحكومية السورية من “إضعاف أو تشتيت انتباه وحدات حماية الشعب” عن تركيزها على القضاء على داعش.
وبينما يجادل بعض الخبراء بأن روسيا قد تكون على استعداد لإعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية تقوم بها تركيا مقابل الحوار مع حكومة الأسد، فإن ماكوفسكي يعترض على هذا الرأي، قائلًا إن المعارضة الروسية لعمل عسكري آخر من جانب تركيا تبدو حازمة للغاية، وأن طلب أنقرة شراء طائرات مقاتلات طراز F-16 من واشنطن قد يكون عاملا هاما في الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن مبيعات الأسلحة الأجنبية تخضع لموافقة الكونجرس الأمريكي، كما صرح جاويش أوغلو أنه سيلتقي بوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن خلال هذا الشهر في واشنطن لمناقشة القضايا الثنائية بما في ذلك طلب أنقرة للطائرة F-16، كما أن الوزيرين كانا قد تحدثا مؤخرًا عبر الهاتف ووفقًا لما تم تناقله فقد أعرب بلينكين عن قلقه بشأن الوضع في سوريا.