بقلم هيثم السحماوي
بعد نهاية سلسلة المقالات التي وُضع لها عنوان (الأمم المتحدة وقضايا العصر) كتبتها على مدار العام الماضي، والتي تكونت من 40 مقالًا. ابدأ هذا العام 2023 –الذي أهنئ حضراتكم بقدومه؛ وأتمنى لكم فيه تحقيق كل ما تأملون- سلسلة مقالات اخترت لها عنوان (المجرمون الجُدُد)
.. وبداية: أرجو أن يسمح لي القارئ الفاضل الكريم بتوجيه أسمى معاني الشكر والعرفان والتقدير للسادة الأساتذة القائمين على جريدة زمان التركية والذين لهم الفضل في تواصلي مع حضراتكم عبر مقالاتي ولما أراه فيهم دائمًا من دماثة الخلق والذوق الرفيع والمهنية العالية..
الأمر الآخر الذي أود أن أُشير إليه التعبير عن سعادتي في استقبال أي تساؤل أو التواصل مع حضراتكم عبر إيملي المكتوب في المقال.
عودة للمقال، “المجرمون الجُدُد” هم المجرمين الذين يرتكبون جرائمهم باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والتي على رأسها شبكة الإنترنت. وأول موضوع أتناوله في هذه السلسلة عن (المجرمين الجدد المُضرون بأمن الدولة) فالحقيقة أن التطور الذي شهدته شبكة الإنترنت أدى إلى تحديات عديدة ومتنوعة على رأسها التحدي الأمني، حيث ارتكبت وترتكب العديد من الجرائم المضرة بأمن الدول من قبل مجرمين جُدُد يقومون بنشاطهم الإجرامي باستخدام شبكة الإنترنت.
وفي ذلك يقول عبد الله محمد صالح الشهري في رسالته للماجستير بعنوان (المعوقات الإدارية في التعامل الأمني مع جرائم الحاسب الآلي): تمثل شبكة الإنترنت مسرحًا للعديد من الحوادث الجنائية المباشرة وغير المباشرة، وبات التحدي المطروح اليوم على شكل سؤال يتردد علي لسان العاملين في أجهزة الأمن يقول هل بدأ فعلًا عصر الجريمة الذكية غير العنيفة؟! يقصد غير التقليدية.
بالطبع هذا التساؤل لم يعد له محل الآن، وأنا أعرضه فقط كتاريخ لبداية وجود مثل هذه الجرائم منذ أكثر من عشرين عامًا.. أما الآن فما كان تساؤل وهاجس في الماضي، أصبح حقيقة وواقع بلا شك، وواقع فاق حدوثه ما كان متوقع من قبل المختصين في بشاعته وشدة اتساعه.
ولعل من أنماط الجرائم الجنائية المضرة بأمن الدول الأكثر شيوعًا والأشد خطورة التي تتم عن طريق استخدام شبكة الإنترنت هي الجريمة الإرهابية.
وفي دراسة كتبها السيد (جابريل ويمان) خبير الإرهاب الدولي بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الامريكية، كانت عن كيفية استغلال الجماعات المنظمة لشبكة الإنترنت، أوضح فيها أن الإرهابيين يستخدمون في جرائمهم شبكة الإنترنت للأهداف التالية :(للبحث عن المعلومات، الاتصالات، التعبئة وتجنيد إرهابيين جُدُد، إعطاء التعليمات والتلقين الإلكتروني، التخطيط والتنسيق، الحصول على التمويل)
وبالنظر في الواقع العملي فنجد أن التاريخ يثبت أن الإرهابيين لا يتأخرون في الحقيقة عن مواكبة أي تقدم ولا يضيعون على أنفسهم فرصة من الاستفادة من أي تطور تكنولوجي ولعل خير شاهد عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي وقعت في أمريكا، وكيف اعترف منفذو العملية بشدة حرصهم على مواكبة التطورات التكنولوجية واستخدام أحدث التقنيات الإلكترونية، كما ذُكر على لسان الأستاذ الصحفي الدكتور يسري فوده في كتابه (في طريق الأذي)
ويقول الدكتور محمد الألفي في أطروحته للدكتوراة التي بعنوان (الجرائم المضرة بأمن الدولة عبر الإنترنت) أن تقدم وتطور تقنيات الإنترنت تبعها تغير في شخصية ومواصفات المجرمون الجُدُد، فبعد أن كان ارتكاب الجرائم الإلكترونية أمر يحتاج الى خبراء في المجال أو اشخاص علي مستوي عالي من الذكاء، تغير شكل وصفات مرتكبو هذه الجرائم، فمن يرتكبوا هذا النوع من الجرائم قد يكونو من البالغين أو الأحداث أو المتعلمين والمثقفين والفقراء والأغنياء ومن الرجال والنساء، وقد تكون جرائمهم مضرة بأمن الدولة من الداخل أو من الخارج، وقد يستهدف المجرمون الجدُدُ غير ذلك من الأشخاص أو الاموال.
ويعتبر أفضل التصنيفات للمجرمين الجُدُد مرتكبي جرائم الإرهاب الإلكتروني، التصنيف الذي ذكره David icove, Paul serger et william Vonstouch )
في كتابهم الذي كان بعنوان “جرائم الكمبيوتر”، تم تصنيف فيه المجرمون الجُدُد من الإرهابيين الي ثلاثة طوائف كالاتي ( المخادعون _ المخترقون – الجواسيس)
في الحقيقة أن الأمر أخطر مما نتصور، ولذا فعلى الجميع التكاتف في دحض هذ الخطر الكبير الذي يهدد أمن الدول والأفراد، ولا أحد بمنأى عن شروره وتهديداته سواء بالشكل الذي عليه الآن، أو بالشكل الذي يجب العمل على الحيلولة دون الوصول إليه والمتمثل في امتلاك الجماعات الإرهابية اسلحة الدمار الشامل ومن ثم تكون الطامة الكبرى، وبالتالي فالجميع مسؤول وله دور سواء من الدول أو الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية والإقليمية وكل من يستطيع المساعدة في مواجهة ومنع الإرهاب عن طريق السُبل المباشرة وغير المباشرة لتحقيق ذلك.
وليكن المقال التالي إن شاء الله عن المجرمين الجُدُد والجرائم العسكرية وجرائم اختراق النظم الأمنية..