ماهر المهدي
(زمان التركية)ــ الضرر العام مانع كبير لا يمكن تجاهله ولا يعقل تخطيه بالنظر إلى ما قد يترتب عليه في شأن صالح المجتمعات والدول في الحاضر وفي المستقبل. وفي عموم الأحوال، فقد يتعذر تجاوز الضرر العام وتجاهله ربما إلا بسلطان السياسة. فسلطان السياسة واسع ضخم وقد يمكنه – بالنظر إلى الواقع في المجتمع الدولي – ابتلاع كثير من القضايا الخلافية تحت مسميات عديدة، مثل رأى الأغلبية وحكم الأغلبية والممارسة الديمقراطية والتقدم والتحرر. والأمثلة كثيرة في مجتمعات كثيرة متقدمة وغير متقدمة على حد سواء.
فالمصطلحات قريبة الاستخدام، والالتزام أصعب والتحرر أسهل وأسرع. ولكن الجميع مدرك لما هو صالح وما هو طالح، وخاصة إذا كان الضرر يتعلق بصالح المجتمع وبقائه وأمنه وتطوره. فقط ربما يكون هناك من يفضل نفسه ومصالحه – في لحظة تاريخية ما – على صالح الوطن ويبرر ذلك لنفسه بما قد يرى من المبررات المريضة التي يرتاح إليها هو وأتباعه من أرباب الطمع المادى أو السياسي اللامعقول.
التقدم قد يأخذنا إلى إلى مفترق طرق كثيرة مرة ومرات، وعلينا دائما أن نتخذ قرارنا بشأن مسارنا – الحالى والقادم – دون الخضوع لضغوط الغير. فالغير قد يحاول التأثير على قرارنا وتحويله إلى ما هو في صالحه بممارسة الضغوط المختلفة علينا واستعجال قرارنا ليخرج كما يريد هو وليس كما ينبغى أن يكون قرارنا. وعلينا أن ندرك موقعنا من كل شيء، وأن نعرف قدرنا وقدراتنا، وأن نوظف هذه المعرفة جمعاء فيما نحيط به أنفسنا من الثبات والثقة لنأخذ قرارات صائبة أو أقرب ما تكون إلى الصواب في الوقت المناسب. فقرار يصدر قريبا إلى الصواب وفي الوقت المناسب هو أفضل كثيرا من قرار جاء متأخرا ولو كان صائبا رائعا تماما.
الثقافة هي صورة المجتمع في كل شعب في لحظة ما، من حيث العادات والتقاليد واللغة أو اللغات والدين أو الأديان والطموحات والمشاكل والتحديات والتوجهات والأساليب التي يتبعها المجتمع – في محتلف جوانب حياته – وما يحبه المجتمع وما يحض عليه وما ينفر منه المجتمع ويشجع على البعد عنه. والثقافة – في هذه الصورة – تستغرق ربما سنوات وعقودا وأجيالا عديدة متعاقبة لتتكون عناصرها المختلفة وتلتحم وتستقر في عقول وفي قلوب شعب ما بعد تفكر وتدبر وميزان وارتياح. وكل ما قد يطرأ على هذه الصورة من تغيرات – مرغوبة أو غير مرغوبة – قد يحتاج إلى زمن طويل من العمل المتصل أيضا بحسب الحال، سواء كان هذا التغير أو التأثير داخليا أو خارجبا. فالانسان بطبعه يميل إلى الاستكانة والى الركون في موقعه والى ما الفه. وقد يقاوم الإنسان التغيير ولو كان يرى فيه ما هو أفضل له. وانه لأمر حميد أن يحتاج التفيير إلى وقت طويل، لأن عامل الوقت هنا هو بمثابة الدرع والحماية للفرد وللمجتمع معا ضد كل طارئ مخالف لقيم المجتمع وأهدافه وطموحاته ومستقبله المشرق وكل ما قد يمثل ضررا عاما للمجتمع. عامل الوقت والزمن هو حماية ضد الضرر العام كله، سواء كان نابعا من الداخل أو من الخارج. فالحروب الحديثة اليوم تلجأ إلى تقليب الداخل في الدول المعادية وتزرع فيها بذور الفتنة والشقاق ربما على أيدى بعض من أهلها الضالين أو الطامعين الذين أعماهم الطمع ووضع في آذانهم وقرأ وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ولا يهتدون سبيلا ولا يرجعون. وكل ما قد يؤثر أو يساعد على التأثير سلبا على العناصر البناءة في المجتمع – في مختلف المجالات – ويعطل أو يساعد على تعطيل تطور العناصر الجيدة في المجتمع ويحد أو يساعد على الحد من النمو الصحى المطلوب لحاضر ومستقبل المجتمع هو ضرر عام. وللمجتمع وللدولة أن يرفضا كل ما قد يعتبرانه ضررا عاما، ولو جاء من صديق أو حليف هام، فـ الأخوة يظلون أخوة طيلة العمر، ولكنهم قد لا يتفقون أبدا في كثير أو قليل من الأمور العظام.