بقلم: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – في إطار حملات تطبيع العلاقات مع دول المنطقة الرامية إلى وضع نهاية لعزلة تركيا الإقليمية والدولية، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.
الرئيس التركي أردوغان صافح نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، يدا بيد على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم، الذي انطلق في قطر أمس الأحد.
أظهرت الصورة التي نشرت على الموقع الرسمي للرئاسة التركية الرئيسين وهما يتصافحان مبتسمين، بعدما ساد الفتور العلاقات الثنائية بين البلدين منذ تولي السيسي الرئاسة في مصر عام 2014.
وذكرت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأخبار أن أردوغان صافح السيسي وأجرى محادثات معه لفترة وجيزة.
في حين أعلنت قناة القاهرة الإخبارية مساء الأحد في نبأ عاجل، نقلًا عن مراسلها في العاصمة القطرية الدوحة، عن اللقاء الذي جمع بين الرئيسين التركي والمصري، واصفة إياه بـ”أول قمة مصرية تركية على هذا المستوى منذ عام 2014″.
أردوغان يتراجع
تأتي هذه المصافحة التي وصفتها كثير من وسائل الإعلام التركية والعربية على حد سواء بـ”التاريخية” بعد تصريحات نارية كثيرة في أوقات مختلفة أكد فيها الرئيس أردوغان أنه لا يمكنه الالتقاء بالسيسي لأنه أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013.
في تصريح في 21 مايو 2015 قال أردوغان عن الرئيس المصري: “لقد أكدت في محافل دولية أنني لا أعترف بـ السيسي كرئيس للجمهورية المصرية، وأكرر ذلك الآن مرة أخرى. فالرئيس المصري بالنسبة لي هو محمد مرسي. لم أجلس معه _السيسي_ في الطاولة عينها في مقر الأمم المتحدة. لو جلست لكنت قد أنكرت نفسي وتخليت عن ديمقراطيتي”.
وفي سياق رده على سؤال صحفي وجه له في الأول من مارس 2015 عما إذا كان سيلتقي السيسي أم لا، قال أردوغان: “لا بد أنك تمزح! هذا غير وارد.لا يوجد في أجندتنا شيء من هذا القبيل. وحتيطى يمكن ذلك ينبغي على الجانب المصري اتخاذ خطوات إيجابية حاسمة”.
وفي 13 مارس 2019 أشار أردوغان إلى وجود كثير من الزعماء الذين يرغبون في إصلاح علاقته مع السيسي، وأضاف: “لكني أرفض هذه الدعوات ولا يمكنني أن أقبلها. لماذا؟ لا يمكنني أن أجتمع ولا أجلس في الطاولة ذاتها مع شخص غير ديمقراطي أرسل مرسي الحاصل على دعم ٪52 من شعبه وزملائه إلى السجن”.
وكان أردوغان وصف في 17 يونيو 2019 السيسي بـ”الظالم الذي استولى على الحكم من خلال انقلاب عسكري”، وذلك عقب قرار إعدام صادر عن السلطات القضائية بحق نحو 50 معارضا، كما انتقد الدول الغربية لسكوتها على تلك الإعدامات، متهما إياها باتباع سياسة الكيل بمكيالين.
على الرغم من هذه التصريحات الرافضة لأي نوع من اللقاء مع الرئيس المصري، إلا أن أردوغان تراجع وقرر إجراء مباحثات لتطبيع العلاقات مع مصر بداية من عام 2021، على غرار التطبيع الذي حققه مع كل من إسرائيل أولا، ثم الإمارات العربية المتحدة، وأخيرا السعودية.
ورغم وجود تحسن نسبي في العلاقات بين تركيا ومصر بعد اجتماعات عقدت على مستوى نائبي وزيري الخارجية، إلا أنّها كانت بطيئة التقدم ولم يتفق البلدان على تبادل السفراء، وذلك لأسباب كثيرة أبرزها الخلاف على الملف الليبي والتحركات التركية للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية “متنازع عليها” مع اليونان، إلى جانب الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر وعديد من الدول العربية جماعة إرهابية.
بينما تدعم تركيا حكومة عبد الحميد الدُبَيْبة في طرابلس، تؤيد مصر برلمان طبرق والحكومات المنبثقة عنه، فضلا عن اصطفاف مصر إلى جانب اليونان في حسابات شرق المتوسط بدلا من تركيا.
وكذلك تعتبر القاهرة الوجود التركي العسكري في الوطن العربي تهديدا لأمنه القومي وتطالب حكومة أردوغان بوقف العمليات العسكرية المستمرة في كل من شمال سوريا والعراق واحترام سيادة ووحدة أراضي الدول العربية. وقد أصرت القاهرة على تضمين ذلك في البيان الختامي لوزراء خارجية جامعة الدول العربية الذي عقد بالقاهرة في نهاية مارس 2022.
وفي إطار تطبيع العلاقات مع مصر، قدمت حكومة أردوغان عديدا من التنازلات، منها إغلاق بعض القنوات الفضائية المعارضة لمصر، ومنع جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أي نشاط سياسي ضد السلطات المصرية، ومطالبة عدد من نشطاء الجماعة بمغادرة تركيا.
رغم هذه الخطوات التركية نحو المصالحة مع مصر، إلا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري كشف الشهر الماضي عدم استئناف مسار المباحثات مع تركيا لأسباب عديدة ذكر من بينها عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف.
رغم هذه التصريحات المصرية السلبية، إلا أن أردوغان أعلن استعداده لمراجعة علاقاته مع كل من سوريا ومصر، وبدء كل شيء من الصفر، وذلك في حوار مع الصحافيين الأتراك لدى عودته من قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، الأسبوع الماضي.
اختراق كبير
صحيفة القدس اللندنية استبعدت أن يكون اللقاء بين أردوغان والسيسي مرتبا له مسبقا، ورجحت أنه “مجرد مصافحة” بين الطرفين على غرار ما جرى مع باقي الزعماء، إلا أنها اعتبرته “اختراقا كبيرا في العلاقات بين البلدين، وبين الرئيسين” بشكل خاص عقب سنوات طويلة من القطيعة والخلافات السياسية الحادة.
وأشارت الصحيفة إلى رمزية وأهمية حصول المصافحة الأولى بين أردوغان والسيسي في قطر التي أعادت تطبيع علاقاتها مع مصر مؤخرًا، حيث جرى الحديث كثيرًا عن إمكانية أن تلعب الدوحة دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة في سياق مسار دبلوماسي أوسع يهدف إلى العودة لسياسة “صفر مشاكل”.
وعلقت الصحيفة على الحدث قائلة: “ورغم نجاح أنقرة في قطع خطوات سريعة في مسار العلاقات مع الإمارات والسعودية حليفتي السيسي، إلا أن التطورات تظهر أن الخلافات حول الملف الليبي كانت أعمق وأكبر من أن تحتويها الخطوات الإيجابية في الملفات الأخرى، وهو ما يبقي مصير العلاقات بين البلدين مرهونا بالتطورات في هذا الملف”.