ماذا تعني عودة نتنياهو بالنسبة إلى تركيا
برلين (زمان التركية)_ نشر موقع “المونيتور” تقريرا يحلل مستقبل العلاقات الإسرائيلية التركية، بعد عودة بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود إلى منصب رئيس الوزراء وتشكيله الحكومة، حيث كانت العلاقات التركية الإسرائيلية قد ساءت ثم انقطعت بين البلدين أثناء رئاسة نتنياهو للحكومة، بعد المناوشات بين نتنياهو وأردوغان والتي كانت تتصدر تويتر.
اليوم وبعد محاولات مضنية من أردوغان لاستعادة العلاقات مع إسرائيل، يأتي نتنياهو ليرأس الحكومة. الكاتبة نزلان إرتان المتخصصة في الشؤون التركية، حاولت الإجابة في التقرير، عن كيف سيكون شكل العلاقات بين البلدين.
وقد جاء في التقرير:
بعث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برسالة تهنئة إلى بنيامين نتنياهو عدوه السابق على فوزه الانتخابي، في رسالة واضحة بأنه يريد استمرار التعاون وأنه عودة العلاقات بصورة كاملة بين البلدين، حيث كتب أردوغان بحسب بيان صادر عن مكتب نتنياهو “أهنئكم بفوزكم في الانتخابات، وأعتقد أن الحكومة الجديدة ستواصل التعاون بين الدول في جميع المجالات، بما يحقق السلام والاستقرار في منطقتنا”.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن أشار كل من أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى أن تركيا مستعدة للحفاظ على العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة شريطة احترام حقوق الفلسطينيين ومكانة القدس، لكن الخبراء يعبرون عن حذرهم بشأن مستقبل العلاقات الثنائية في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية.
فقد أشار جاويش أوغلو إلى أن تركيا وإسرائيل قد أعادا بالفعل العلاقات الدبلوماسية الكاملة من خلال تعيين سفراء وإجراء زيارات رفيعة المستوى، وأضاف بقوله إن “حقوق إخواننا الفلسطينيين ومكانة القدس عاملان مهمان في هذه العلاقة، ونحن مستعدون لدفع عملية التطبيع مع الحكومة الجديدة بناء على هذه العوامل”، وهكذا ردد جاويش أوغلو صدى كلمات الرئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية التي أعادت زعيم الليكود بنيامين نتنياهو إلى السلطة في واحدة من أقصى التحالفات اليمينية في تاريخ إسرائيل، وقال أردوغان إنه يريد الحفاظ على علاقات تركيا مع إسرائيل على أساس “الاحترام المتبادل للحساسيات والمصالح المشتركة” بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، بينما لم يشر بشكل محدد إلى نتنياهو .
وصف نامق تان سفير تركيا السابق في تل أبيب وواشنطن، كلام أردوغان بأنه “بمثابة غصن زيتون يقدم إلى نتنياهو” وتابع قائلا “سعت تركيا جاهدة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ومع توقيع اتفاقيات مختلفة وتسمية سفراء من الجانبين أصبح التطبيع الآن مؤسسياً، و أنا واثق من أن الزعيمين – وكلاهما براغماتي سياسي بارع – سيمتنعان بعناية عن أي تراجع عن التطبيع “.
ولكن في الوقت نفسه نجد أن أنقرة تبنت مثل العديد من الدول موقف الانتظار والترقب عندما بدأ نتنياهو اجتماعاته مع قادة الأحزاب التي تشكل كتلته البرلمانية اليمينية والدينية، وعلى عكس الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذين قاموا باتصلات هاتفية لتهنئة بنتنياهو بعد فوزه الانتخابي، لم يتصل أردوغان بنتنياهو حتى الآن. وتقول مصادر دبلوماسية إن أقرب مكالمة بين الزعيمين ستتم على الأرجح بعد تشكيل الحكومة الجديدة، كما ذكر مصدر دبلوماسي في أنقرة لـ “المونيتور” أنه “من المهم معرفة من سيكون في الحكومة الجديدة ومن سيشغل المناصب” وقال المصدر إن عودة نتنياهو إلى السلطة لم تكن “مفاجأة” ولا تعني “إنهاء عملية التطبيع” مع تركيا.
في الوقت نفسه يؤكد الأكاديميون والسياسيون أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستزيد من المخاطر على العلاقات الهشة، إلا أنها عادت مؤخرًا إلى المسار الصحيح بعد ما يقرب من عقد من التوترات. وقال أونال جيفيكوز نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض: “نحن سعداء بتحسن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ونأمل ألا توجه نتائج الانتخابات في إسرائيل ضربة لها” لكن يبدو أن عودة نتنياهو إلى السلطة ستخلق تعقيدات في العلاقات».
من الجدير بالذكر أن تركيا وإسرائيل تحركتا نحو تطبيع العلاقات العام الماضي حيث تحدث أردوغان عبر الهاتف أولاً مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ثم مع رئيس الوزراء آنذاك نفتالي بينيت، وقد تسارع التقارب مع زيارة قام بها هرتسوغ إلى تركيا في مارس – وهي أول زيارة رسمية لرئيس إسرائيلي منذ 15 عامًا – حيث أشاد الجانبان ببداية عصر جديد بينهما، وقد تلت مغازلة أنقرة مع إسرائيل، عملية مماثلة تجاه الدول العربية في المنطقة، وبينما تمت معالجة الشرط الإسرائيلي الأساسي – الذي يحتوي على منع أنشطة حماس في تركيا – من خلال تكثيف التعاون الاستخباراتي، وتبعه أخيرًا في سبتمبر الماضي لقاء أردوغان ورئيس الوزراء يائير لابيد في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد ذلك بوقت قصير عين البلدان الدبلوماسيين المحترفين إيريت ليليان وساكير تورونلار في عواصم كل منهما.
وفي الوقت نفسه فقد تمت زيارة بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي وزعيم حزب أزرق أبيض إلى تركيا قبل خمسة أيام من الانتخابات وهي تعد زيارة هامة، وكما يصرح تان للمونيتور إن غانتس شخصية مهمة في المؤسسة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الزيارة تهدف إلى تعزيز جوانب معينة من العلاقات قبل الانتخابات،
ويؤكد المسؤولون الأتراك والإسرائيليون الذين عملوا على التطبيع أنهم يهدفون إلى إعادة بناء العلاقات التي ستمكن العاصمتين من التعامل مع التوترات “بهدوء بناء” وأضاف ليليان إن الجانبين يعملان على تشكيل لجنة رفيعة المستوى لنزع فتيل التوترات قبل أن تتفجر إلى أزمات تنتهي باستدعاء الجانبين لمبعوثيهما.
ومن جهته فقد علق كاجري إرهان رئيس جامعة ألتينباش التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها لـ “المونيتور” بقوله “في العقدين الماضيين كانت إسرائيل تعمل على منع السفراء من الشعور بالراحة في مقاعدهم”، فعلى سبيل المثال كريم أوراس السفير المعين لدى إسرائيل في عام 2010 لم يتمكن من بدء عمله بسبب أزمة أسطول غزة، بينما السفير كمال أوكيم والذي تم تعيينه سفيرا لدى إسرائيل عندما حاول الطرفان المصالحة في عام 2016 عاد إلى منزله بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية 60 فلسطينيا خلال احتجاجات على حدود غزة وسط افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في مايو 2018،
وقد زاد من تأجيج الأزمات المعارك الكلامية بين أردوغان ونتنياهو على تويتر فقد غرد أردوغان مجيبا على تغريدة لنتنياهو بقوله “هل تريد درسًا في الإنسانية؟ اقرأ الوصايا العشر ” وذلك بعد أن اتهمه نتنياهو بأنه أكبر مؤيدي حماس، وبعد تلك الواقعة بعام ،عندما وصف أردوغان نتنياهو بأنه “اللص الذي يرأس إسرائيل” خلال تجمع انتخابي ، رد نتنياهو بتصوير أردوغان بأنه “ديكتاتور يسجن آلاف الصحفيين”.
ومن جانبه فقد صرح إرهان لـ “المونيتور” بقوله إن “عودة نتنياهو إلى السلطة تشكل خطراً جسيماً على التطبيع” وربما أقل خطر يمكن أن يهدد التطبيع وجود تلك “الكيمياء السيئة” بين القادة ، لكن الخطر الأكبر على عودة العلاقات بصورة طبيعية يرجع إلى سياسات نتنياهو تجاه الفلسطينيين في الداخل ودوره كمهندس للحرب ضد الفلسطينيين “أضف إلى هذه المعادلة تحالفه مع السياسيين المناهضين للفلسطينيين، ويبدو أن التطبيع على حافة الهاوية.
ولكن فعلى أفضل التقديرات سيحافظ الجانبان على الزخم من خلال التجارة والسياحة والتعاون الأكاديمي والاستخبارات، ولكن لا يمكنني أن أتخيل الزيارة الرئاسية [التي قال أردوغان إنه يود القيام بها] لإسرائيل في أي وقت قريب، ولا أرى أيضا التعاون في مجال الطاقة سيتحقق في الفترة المقبلة”.
ولكن وعلى الجانب الأخر يميل خبراء آخرون إلى إعطاء ولاية نتنياهو الجديدة ميزة الشك لا سيما بالنظر إلى أن نتنياهو لم يستدع تركيا أبدًا في حملته الانتخابية ولم يهاجم حكومة لابيد من أجل التطبيع، حيث يرى جوخان سينكارا المحاضر في جامعة نجم الدين أربكان ومقرها قونية بقوله “شهدت العلاقات التركية والإسرائيلية الأفضل والأسوأ في عهد نتنياهو” وأشار سينكارا إلى أن نتنياهو هو الذي قال إن قوات الأمن الإسرائيلية كانت “تقوم بعملها” عندما أطلقت النار على مجموعة من النشطاء الأتراك الذين حاولوا كسر الحصار المفروض على غزة وأنه هو الشخص نفسه الذي فاجأ الجميع بعد ذلك بثلاث سنوات بالاعتذار العلني لتركيا عن الخسائر في الأرواح،
وأضاف سينكارا للمونيتور بقوله إن “نتنياهو سياسي يعرف تركيا جيدًا، وسيكون من الخطأ افتراض أن فترة ولايته ستعني العودة إلى 2018 و 2019”. وأضاف “نحن نبحث في كومة مختلفة من الأوراق ليس فيما يتعلق بعلاقاته مع تركيا ولكن مع جيرانه العرب، وننتظر كما تنتظر كل الدول لترى مع من في المنطقة سيتحالف نتنياهو”.
إلا أنه وفي الوقت نفسه يرى بعض المحلليلن بأن تكليف إيتامار بن غفير من تحالف – عوتسما يهوديت- بشغل منصب وزير الأمن العام يثير قلق الفلسطينيين وحلفاء إسرائيل العرب وتركيا على حد سواء وهذا القلق ظهر واضحا من خلال مقالة نشرت في صحيفة يني شفق والتابعة لحكومة أردوغان حيث نشرت مقالا بعنوان “إرهابي على رأس الأمن العام” في إشارة إلى تكليف إيتامار بن غفير بشغل منصب وزير الأمن العام.
وفي النهاية لا زال من المبكر الحديث بصورة قاطعة عن مستقبل العلاقات فكلا القائدان يمتازان بالبرجماتية وفي النهاية ستكون المصالح المتبادلة وما يستطيع كل طرف أن يقدمه للطرف الأخر هو العامل الرئيسي في توازن تلك العلاقات ودوام التطبيع بينها ولكن في الوقت نفسه فمن المؤكد أن نتنياهو لن يرضى يوجود أي دعم تركي لحماس لا في تركيا ولا في إسرائيل وقد تكون هذه هي القضية الأبرز والحاسم لتطبيع العلاقات وربما سيطالب نتنياهو أنقرة بالأعتراف بأن حماس حركة إرهابية.