أنقرة (زمان التركية)_ بينما كان يلتقي وزير الدفاع الإسرائيلي مع نظيره التركي لإعادة ربط جسور التعاون الأمني بين البلدين، بعد أن كانت تلك الروابط انقطعت لعقد من الزمان، نشرت الصحيفة الإسرائيلية الشهيرة “ذي جيروزاليم بوست” تقريرا هاما حول الوجود التركي في سوريا، عبر الجماعات الجهادية التابعة لداعش.
يعني ذلك أنه بينما إسرائيل كدولة تعقد اتفاقات أمنية مع تركيا، تريد أيضا أن يعرف العالم أن تركيا لازالت ترعى الإرهاب في سوريا، وأنها أيضا تقف موقف أمريكا الغير قابل لتحركات تركيا داخل سوريا. وقد كتب المقال جوناثان سباير الكاتب والمحلل الذي يركز على الشؤون الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والشرق الأوسط، كما أنه زميل باحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية (JISS)، وزميل في منتدى الشرق الأوسط ومحلل أمني مستقل ومراسل في، IHS Janes كما يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والأبحاث التحليلية (MECRA).
جاء في التقرير:
لقد أظهرت التطورات الأخيرة في شمال غرب سوريا وجود علاقات غامضة بين السلطات التركية وإحدى أكبر الجماعات الجهادية في سوريا، فقد لاحظ المراقبون السوريون منذ فترة طويلة حقيقة التعاون الضمني بين أنقرة وجماعة تحرير الشام؛ المعروفة سابقًا بجبهة النصرة والتي كانت سابقًا تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.
إلا أن الأحداث الأخيرة تشير إلى مستوى متزايد من التعاون، وبينما تعد الأسباب الكامنة وراء هذا التقارب المتزايد محل نزاع، إلا أنه في الوقت نفسه تكشف المراقبة الدقيقة عن الطبيعة المختلة للغاية للحياة في شمال غرب سوريا والخاضع للسيطرة التركية، حيث نجد الميليشيات الإسلامية تتنافس على السيطرة، بينما تعمل القوات النظامية التركية كحكم نهائي، ولا يزال هدف أنقرة النهائي غير واضح.
أما عن الأحداث الأخيرة فقد شهدنا تحرك هيئة تحرير الشام بقوة في مدينة عفرين شمال غرب سوريا وذلك قبل أن تنسحب جزئيًا بإصرار تركي على ما يبدو، والجدير بالذكر أنه منذ عام 2018 عندما دمرت القوات التركية مقاطعة عفرين الكردية، أصبحت المدينة ومحيطها تحت سيطرة تركيا بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” هذا الأخير هو عبارة عن اندماج العديد من الميليشيات الإسلامية في هيكل أسسته أنقرة، هو الجيش الوطني السوري الذي يعد رسمياً تابعا لـ “الحكومة السورية المؤقتة” ومقرها في أعزاز شمال غربي سوريا، قد تشكلت هذه السلطة من فلول قيادات المعارضة السورية.
تركيا وسوريا
إن كلا من الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني السوري هم بقايا من القوات التي رفعت راية الثورة على نظام الأسد قبل 10 سنوات، وهي محصورة في منطقة من سوريا أكثر ما يميزها هو الفقر، ويتجاهلها العالم إلى حد كبير، فهي موجودة لأن تركيا لأسبابها الخاصة تفضل إبقاء هذه المنطقة بعيدة عن أيدي سلطة الأكراد الممتدة في الشرق السوري. وفي حين أن الجيش الوطني السوري هو منظمة موحدة من الناحية النظرية، فإن الميليشيات الإسلامية المختلفة المدعومة من تركيا تحافظ على هياكلها المنفصلة وتنخرط في نزاع مع بعضها البعض على السيطرة على الموارد.
لكن هذه المنظمات لا تدير كامل منطقة السيطرة التركية الفعلية من شمال غرب سوريا إلى الجنوب حيث محافظة إدلب، بينما تحتفظ هيئة تحرير الشام بمنطقتها الخاصة، وتحكم ما يسمى بـ “حكومة الإنقاذ السورية”.
ولقد تم تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية من قبل كل من الولايات المتحدة وحكومة تركيا، ومع ذلك فتلك المنظمة الإرهابية قادرة على حكم هذه المنطقة بسبب الوجود العسكري التركي والذي لولا وجوده لتحركت قوات الأسد النظامية تجاه المنظقة للسيطرة عليها.
الجدير بالذكر أيضا أنه يقدر أن حوالي 2.6 مليون شخص يعيشون في المنطقة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، بينما يعيش 2.3 مليون شخص في المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الوطني
إذن ما الذي يحدث في سوريا؟
بدأت سلسلة الأحداث الحالية في 7 أكتوبر / تشرين الأول بمقتل الناشط المحلي محمد عبد اللطيف في مدينة الباب التي يسيطر عليها الجيش الوطني، وقد قُتل لطيف وزوجته الحامل على أيدي مسلحين، وخلص الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني السوري، والذي كان يسيطر على المنطقة، إلى أن ميليشيا منافسة والتي تدعي فرقة الحمزات كانت مسؤولة عن عمليات القتل، وقد وداهم الفيلق الثالث عددا من منشآت لواء الحمزة في الباب ومدينة عفرين، وهكذا بدأت الاشتباكات بين القوتين.
وتدخلت هيئة تحرير الشام التي تقيم علاقات تعاون عسكرية مع فرقة حمزة وعدد من الجماعات الأخرى التابعة للجيش الوطني السوري في القتال نيابة عن فرقة الحمزات، وأرسلت مقاتلين ودبابات إلى عفرين لمساعدتهم وسرعان ما سقطت المدينة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، كما سيطرت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها على بلدة جنديرس وعدد من القرى المجاورة.
وعكست الخطوة التي اتخذتها هيئة تحرير الشام طموحًا طويل الأمد من جانب التنظيم لتوحيد الجيوب المتبقية المتمردة / التي تسيطر عليها تركيا تحت حكمها، وقد أشار أيمن جواد التميمي الباحث المقيم في المملكة المتحدة والذي يراقب الجماعات الجهادية السورية عن كثب إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني ألمح إلى هذه الرغبة في خطاباته الأخيرة.
كما أشار التميمي إلى أن حسابات تويتر البارزة لهيئة تحرير الشام عقب الاستيلاء على عفرين بدأت بالتعبير عن دعمها لهذا الهدف، وبدأ أحد هذه الحسابات في استخدام وسم “منطقة واحدة محررة” وكتب أبو ماريا القحطاني من هيئة تحرير الشام ، بحسب التميمي في 13 أكتوبر / تشرين الأول أن الاستيلاء على عفرين قد يكون “بداية لمرحلة جديدة وفجر جديد يعيش فيه الناس بأمان على دينهم وحياتهم وعائلاتهم وثرواتهم .”
كما كتب طاهر العمر وهو صحفي مقرب من هيئة تحرير الشام على حسابه الشخصي على تليجرام في 15 أكتوبر / تشرين الأول أن الجهود جارية لتشكيل مجلس عسكري واحد موحد وسلطة مدنية واحدة موحدة بما يعني ضمناً أن هذين سيكونان تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.
وبحسب هذا الرأي الذي كرره محللون في عدد من وسائل الإعلام الإقليمية، فإن نية تركيا الحقيقية هي التفاوض على عودة نظام الأسد إلى شمال غرب سوريا كجزء من جهد أكبر لتطبيع علاقات أنقرة مع دمشق. ولتسهيل ذلك ووفقًا لهذا الرأي تريد تركيا السماح لهيئة تحرير الشام بتعزيز سيطرتها وبعد ذلك ستُعاد المنطقة بأكملها إلى النظام.
وكما قال أحد سكان المنطقة في حديث مع التميمي “تريد تركيا في المرحلة الأولى أن يبايع الشعب السوري وثورة الشعب السوري أبو محمد الجولاني تمهيدًا لمبايعته للنظام وكمرحلة ثانية تدمير ثورة الشعب السوري”.
لكن مصدرًا مقربًا من المعارضة السورية المدعومة من تركيا ذكر في محادثة مع هذا الكاتب نفيه لهذا الرأي، وأشار المصدر بشكل إلى أن تركيا نشرت خلال نهاية الأسبوع قواتها في عفرين لتسهيل انسحاب هيئة تحرير الشام من هذه المنطقة، ويبدو أيضًا أن تركيا منعت هيئة تحرير الشام من المضي قدمًا لغزو أعزاز حيث تتمركز الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا.
واعتبارًا من الآن أعادت قوات تحرير الشام بالفعل انتشارها من عفرين، ومع ذلك سيكون من الخطأ رفض تأكيدات التعاون الضمني تمامًا بين أنقرة وهيئة تحرير الشام، وربما كان إعادة الانتشار السريع لهيئة تحرير الشام من عفرين استجابةً لضغوط الولايات المتحدة، فقد طالب بيان صادر عن السفارة الأمريكية على حساب تويتر النشط في سوريا هيئة تحرير الشام بالانسحاب “الفوري” من عفرين واصفة شعورها بـ “القلق” من التطورات الأخيرة.
الجدير بالذكر أن أنقرة لديها الآلاف من القوات في هذه المنطقة وتسيطر على المجال الجوي، ووفقا لذلك فقد كان بإمكان تركيا منع توغل هيئة تحرير الشام إذا كانت ترغب في ذلك لكنها لم تفعل، علاوة على ذلك فقد نصت الاتفاقية التي تم الإعلان عنها بوساطة تركية في 15 أكتوبر ، بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث على إنشاء إدارة عسكرية موحدة تحت إشراف هيئة تحرير الشام، ويبدو أن مصير الاتفاق غير مؤكد بعد تجدد الاشتباكات بين الجانبين، ولكن حقيقة أن تركيا لم تبذل أي جهد لمنع التقدم الأولي لهيئة تحرير الشام، وأنها مستعدة للتوسط في اتفاق يسمح لها بالدخول إلى إدارة المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني تشير إلى أن مزاعم التواطؤ بين هذين اللاعبين لها بعض المزايا.
فهذا لا يعني أن تركيا لديها خطة لدعم هيئة تحرير الشام ومن ثم تسليم المنطقة للأسد، ومن المرجح أن أنقرة تدرك ببساطة كلا من التماسك النسبي وقوة هيئة تحرير الشام عند مقارنتها بالفصائل الفاسدة والمنقسمة والمتنازع عليها التي يتألف منها الجيش الوطني، ومع ذلك، تُظهر أحداث الأسابيع الماضية في منطقة عفرين مدى تعاون الحكومة التركية مع الفصائل الجهادية باعتبارها مسألة سياسية بما في ذلك المنظمات التي تصنفها أنقرة نفسها على أنها إرهابية.
إلا أن تلك التطورات الأخيرة لها تداعيات تتجاوز الركن البائس الواقع في شمال غرب سوريا والذي تسيطر عليه تركيا وهيئة تحرير الشام، فهذه الدراسة تقدم لجميع البلدان الدافع الرئيسي لسلوك تركيا الحالي فيما يتعلق بوجودها في سوريا باعتبارها مسألة في غاية الأهمية.
_
تركيا، هيئة تحرير الشام، الوضعةفي عفرين، سوريا، الوجود التركي في سوريا