نجم الدين يالجين
القاهرة (زمان التركية) – روى المفكر الإسلامي التركي محمد فتح الله كولن، ملهم حركة الخدمة، قصته مع شخص بينما كان على كرسي الوعظ في عام 1980 قائلا:
هناك شخص يبيع اللحم بالعجين (صفيحة لحمة). إنه شخص لن أنساه أبداً وسأتحدث عنه في كل مكان. لقد جاء إليّ قبل عامين، وقال: “أيها الأستاذ، أنت تبحث عن سكن لإيواء الطلاب. فأنا استطعت بناء بيتين من خلال مبيعات اللحم بالعجين، ويكفيني أحد هذين البيتين. فإذا سمحتم أرغب في منحكم البيت الثاني حتى يتمكن الطلاب من المبيت فيه”.
لم أقل له “لا” على هذا الطلب، الذي جاء به بصدق وإخلاص يهدف إلى تحصيل رضا الله عز وجل. قلت “نعم”؛ لأنني عندما سأقبل هذه الصدقة منه ربما يغفر له ربي بإجابة هذا الطلب المبارك. لذا قلت نعم، لكن ليس هذا البيت هو الوحيد الذي أنفقه ذلك الشخص المفعم قلبه بحب الله، بل هناك المزيد.
مرت ستة أو سبعة أشهر أخرى، ثم جاء إلي الشخص ذاته قائلا. “يا خوجا أفندي، توجد حديقة أمام بابي، أريد أن أجعل هذه الحديقة سكنا يتسع لمئة طالب”.
قبل أن أردَّ عليه، نظرت إلى وجه هذا الرجل الذي كان يبيع اللحم بالعجين بعربة في الشوارع، وسألته كيف ستحقق هذا؟ أصدقاؤنا الذين نعتمد عليهم يديرون خمسة أو ستة منشآت، لذلك نطلب منهم أن يعتنوا بألف طالب عندما يأتون إلى الجامعة. كيف ستفعل أنت ذلك؟ فقال لي: “إن شاء الله بإمكاني أن أقوم بهذا العمل بهذه العربة”.
مرت ثمانية أو تسعة أشهر، لنجد أن بطل “هل من مزيد” لا يكتفي ببناء السكن، بل قام بعمل الدهان، وبتركيب شباك السكن وما ماثله من الأخرى أيضا، لإدامة حياته والمواصلة على أعمال الخير. انتهى العمل الذي خطط له، والحمد لله، وهو في مزاج جيد، وبعد ثلاثة أو خمسة أسابيع، زاره أحد الأصدقاء، ليفاجئه يطلب منه حيث سأله عما إذا كان لديه حذاء قديم ليرتديه؟ بمعنى أنه أنفق أمواله في سبيل الله فلم يجد ما يصرفه لشراء حذاء!
بعدما نقل الأستاذ كولن هذا الموقف للمستمعين إليه على كرسي الوعظ، قال لمن حوله: هل تفهمون أيها السادة معنى المؤمن الحقيقي؟ هل تفهمون كم أن قلبه متعلق بالله؟ عدد أمثال هذا النوع من الرجال الرجل تجاوز الآلاف اليوم والحمد لله والمنة لله و الشكر لله. لقد انطلق عهد وجيل جديد على غرار جيل الصحابة.. إنه عصر التضحية بالممتلكات بل الحياة. من يفعل مثل هذا؟ رجال الأعمال يفعلون ذلك.. وكذلك التجار يفعلونه.. أي يعملون بدمهم وبعرق جبينهم ومن ثم يقدمون ما كسبوا لأعمال الخير التي تستثمر في بناء أجيال قد نجحوا في مزاوجة عقولهم مع قلوبهم.