أنقرة ﴿زمان التركية﴾_ وسط انفتاح أنقرة على دمشق استولت هيئة تحرير الشام وهي جماعة متطرفة تسيطر على إدلب شمال سوريا، مؤخرا على عفرين وتسعى إلى القيام بصفقة لتوسيع سيطرتها في مناطق تسيطر عليها الفصائل المتحالفة مع تركيا.
حدث تحول جذري في السيطرة في عفرين ومناطق أخرى تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في شمال غرب سوريا منذ الأسبوع الماضي، مما أثار تساؤلات حول حسابات أنقرة في سعيها لإصلاح العلاقات مع دمشق.
ولا يمكن إغفال كون هيئة تحرير الشام والتي تصنف على أنها جماعة إرهابية ومتحالفة مع فصائل من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا سعت لاقتحام عفرين، المدينة ذات الأغلبية الكردية والتي استولت عليها تركيا من خلال عملية غصن الزيتون العسكرية عام 2018. وقد أطاحت هيئة تحرير الشام وشركاؤها بجبهة الشام وجيش الإسلام من المنطقة في 13 أكتوبر / تشرين الأول. حيث تشكل المجموعتان العمود الفقري للفيلق الثالث، والذي يعد جزء من نظام الحسابات القومية.
وفي الوقت نفسه فإن فيلق الشام يعتبر إحدى الجماعات الأقرب إلى تركيا، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تسيطر على منطقة رئيسية على الطريق من إدلب إلى عفرين -حيث لم تواجهها أية عقبات في تحقيق ذلك مما سمح لهيئة تحرير الشام بالتقدم في بلدة جنديرس القريبة من عفرين، وبالرغم من المقاومة التي أبداها فصيلان آخران من الجيش الوطني إلا أنها كانت مقاومة قصيرة الأمد، وفي النهاية وبالتحديد في 13 سبتمبر استولت هيئة تحرير الشام على 26 قرية وبلدة، فيما استولت فرقة السلطان سليمان شاه -وهي الأخرى مدعومة من النظام التركي- على 13 قرية بعد أن تقدمت من الغرب، وسيطرت فرقة الحمزات على المنطقة الواقعة شمال غرب عفرين.
وقد سبق أن دخلت هيئة تحرير الشام عفرين في يونيو / حزيران وسط أعمال قتالية بين أحرار الشام وجبهة الشام، لكنها تراجعت بعد تدخل تركيا، ولكن هذه المرة لم يتوقف التنظيم في عفرين، بل تحرك باتجاه بلدة أعزاز الحدودية، وهي جزء من جيب درع الفرات الذي تسيطر عليه تركيا وحلفاؤها منذ عام 2016 وأصبحت فصائل أخرى في المنطقة في حالة تأهب، بعد وقوع اشتباكات عنيفة في المنطقة، بينما انسحب من كفر جنة وهي بلدة رئيسية على طريق أعزاز الفيلق الثالث حيث صرح قائد الفيلق الثالث بقوله إن رجاله انسحبوا من عفرين لمنع إراقة دماء المدنيين.
وهكذا سيطرت أحرار الشام وفرقة الحمزات على دوير الهوى واخترين بريف حلب الشمالي، وكذلك الحمران التي توفر ممرًا إلى منبج والتي تعد بلدة رئيسية تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، كما خسرت جبهة الشام مواقعها في ريف الباب.
الجدير في الذكر أن خلف هذه التحركات العسكرية اتضحت أهداف هيئة تحرير الشام ليلة أكتوبر 13 حيث جرت محادثات وقف إطلاق النار مع الفيلق الثالث وذلك تحت إشراف تركي عند معبر باب الهوى الحدودي، وبحسب ما ورد طرحت المجموعة شروطا منها ما يلي: توحيد جميع الجماعات المسلحة في المنطقة تحت قيادة واحدة وتعطيل أولئك الذين يرفضون الامتثال؛ سحب الجماعات المسلحة من شؤون الإدارة المدنية ونقاط التفتيش في المناطق السكنية ونشرها على طول خطوط التماس مع مناطق سيطرة النظام وقوات سوريا الديمقراطية، مع ترك الأمن الداخلي لقوات حكومة الإنقاذ.
وبحسب ما ورد تم قبول الشروط في جولة ثالثة من المحادثات في 16 أكتوبر، على الرغم من أن الصفقة لم يتم الإعلان عنها رسميًا ولم يتم تأكيدها، ويقال أن المناقشات مستمرة حول كيفية تنفيذ الصفقة، كما كانت هناك تكهنات بأن هيئة تحرير الشام قد تسلم المناطق التي استولت عليها في عفرين إلى أحرار الشام، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن القوات التركية وأعضاء هيئة تحرير الشام كانوا يقومون بدوريات مشتركة في عفرين في 16 أكتوبر / تشرين الأول.
أما الخلاف بين المتمردين الإسلاميين المتحالفين مع تركيا فيعود إلى عام 2017 عندما فقدت أحرار الشام أعضاء في جبهة الشام، ويُنظر إلى أحرار الشام وفرقة حمزة وفرقة السلطان سليمان شاه على أنها خيول طروادة تستخدمها هيئة تحرير الشام لتوسيع وجودها في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا. وقد اندلعت المواجهة الأخيرة على خلفية مقتل أحد نشطاء المعارضة وزوجته الحامل في مدينة الباب في أكتوبر/ تشرين الأول والذي اتهم به كتيبة حمزة.
ولكن بالعودة لما يحدث في عفرين، فقد اتهمت فصائل الجيش الوطني بارتكاب انتهاكات لا تعد ولا تحصى مثل النهب والابتزاز والاختطاف، ومع اقتحام دبابات هيئة تحرير الشام عفرين وعدت الجماعة الأكراد بالحماية والخدمات واصفة إياهم بـ “الإخوة”، في إشارة إلى أن هيئة تحرير الشام لا تعتزم الخروج نشرت بسرعة أعضاء من جهاز الأمن العام التابع لها في عفرين.
والجدير بالذكر أيضا قيام المخابرات التركية بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام منذ نشر القوات التركية على أطراف إدلب بموجب اتفاق تم التوصل إليه في محادثات عقدت في عام 2017.
ولقد أثارت اتصالات أنقرة الأخيرة بدمشق والداعية لإصلاح العلاقات قلق متمردي الجيش الوطني السوري، واستغلت هيئة تحرير الشام الوضع حيث صرح زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني قبل عدة أشهر بقوله إن مؤسسات هيئة تحرير الشام ستكون جاهزة للتوسع بمجرد أن يكسب التنظيم مناطق جديدة.
أما فيما يتعلق بتركيا فعلى عكس تدخلها في يونيو، اقتصرت تركيا هذه المرة على الوساطة مما يشير إلى موافقة ضمنية على خطوة هيئة تحرير الشام، ومع ذلك فقد يتغير موقف تركيا إذا فشلت الصفقة وانتشرت الاشتباكات، و بطبيعة الحال فالمسؤولون الأتراك ينكرون أن تركيا تقف إلى جانب هيئة تحرير الشام.
كما أدى صمت أنقرة بشأن الاشتباكات ومحاولة الوساطة إلى إثارة تفسيران متضاربين لحساباتها التفاضلية في سوريا، والتفسير الأول يرى أن تركيا تخطط لترك المنطقة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وهي تراجع سياستها تجاه سوريا، وفي حالة المصالحة مع دمشق ستكون هيئة تحرير الشام هي القربان الذي تقدمه أنقرة لسوريا.
أما التفسير الأخر فيستند إلى فشل تركيا في تحويل الجيش الوطني السوري إلى تحالف موحد ومنضبط، وأن أنقرة تستخدم هيئة تحرير الشام لتنظيم الميدان والحصول على قوة متمردة موحدة في الوقت الذي تسعى فيه إلى نوع من الاتفاق مع دمشق، ومن شأن ذلك أن يقوي موقف تركيا ويضع دمشق في مواجهة جبهة معارضة قوية بقيادة وإدارة مشتركة.
وبالطبع فالمراقب للوضع في سوريا يدرك جيدا أن قيام تركيا بتمهيد الطريق للتخلي عن قوى المعارضة قد يكون أمرا سابقة لأوانه، وعلى الرغم من أن تركيا عادة ما تصم آذانها تجاه الاتهامات الموجهة لها حول دعم الجماعات الإرهابية في سوريا، إلا أن توسيع سيطرة هيئة تحرير الشام سيعزز حجة دمشق وحلفائها بشأن مكافحة الإرهاب، وسيجعل موقف تركيا دوليا أصعب على كل حال.