هيثم السحماوي
العدالة المناخية وحقوق الإنسان
تعد العدالة المناخية مزيجًا بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف في المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية، ولذا فإن العدالة المناخية تعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتکاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة.
وتمثل العدالة المناخية رؤية لحل وتخفيف الأعباء غير المتعادلة الناتجة عن التغير المناخي، والعدالة المناخية کعدالة کونية هي أن المسئولية التاريخية عن الجزء الکبير من انبعاثات الغازات الدفيئة تقع على عاتق الدول الصناعية في المرکز الرأسمالي العالمي ، ولو أن المسئولية الرئيسة لدول هذا المرکز من أجل تقليل الانبعاثات قد أدرکت في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية عن التغير المناخي، فإن عادات الإنتاج والاستهلاک للدول الصناعية مثل الولايات المتحدة استمرت في تهديد بقاء البشرية والتنوع الحيوي کونيًا، وقد استعمل مصطلح العدالة المناخية لدراسة التغير المناخي کقضية أخلاقية.
وتثير قضية العدالة المناخية ثلاثة قضايا وهي :
1-قضية العدالة بين الدول: فإذا نظرنا إلى قضية التغير المناخي نجد أن هناک عدم عدالة بين الدول الکبرى المتسببة في الاحتباس الحراري، وبين الدول الفقيرة التي تعاني من التغيرات المناخية بصورة قد تفوق ما تعانيه الدول المتسببة في هذه الظاهرة، ومن ثم فلا يوجد عدالة توزيعية بين الدول الکبرى والدول الفقيرة، ولا عدالة تعويضية؛ فعلى الرغم من أن الدول الکبرى هي المتسببة في حدوث الظاهرة، ومع ذلک فإن الدول الفقيرة هي التي تتحمل العبء الأکبر.
2-قضية العدالة الاجتماعية: حيث يشکل تغير المناخ أيضا تحديًا صعبًا للعدالة الاجتماعية؛ فالأشخاص ليسوا متساويين في التأثر بتغير المناخ، خاصة الفئات الأکثر ضعفًا في الدول النامية “النساء، الأطفال، الفقراء، ذوي الاحتياجات الخاصة والشعوب الأصلية …”؛ لأنها الأقل جاهزية ماليًا واقتصاديًا لمواجهة آثار تغير المناخ، فاالدول النامية هي الأکثر تضررًا من تغير المناخ .
كما يقول الأستاذ الدكتور عبد المسيح سمعان عبد المسيح أستاذ الدراسات البيئية
في مؤلفه عن العدالة المناخية في الورقة الخامسة والثلاثين منه ، أن التغيرات المناخية تعد انتهاكا للعدالة بين الأجيال ويوضح سيادته ذلك فيقول :
(إن إزالة الغازات الدفيئة من البيئة وإرجاعها لطبيعتها العادية بدءًا من اليوم سيستغرق حوالي 1000 سنة “أي في القرن 22″، وإذا أخذنا بمعيار أن الجيل يولد کل 30 سنة فهناک ثلاثة أجيال قادمة سوف تتضرر بسببنا نحن، وهذا يشکل قضية خطيرة بين الأجيال، ولکن الحد من تغير المناخ غير ممکن حاليًا لهذا نجد أن تغير المناخ انتهاک للعدالة بين الأجيال).
وفيما يتعلق بجهود الأمم المتحدة في هذا الإطار فيقول الاستاذ الدكتور هشام بشير
الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني سويف ، في بحث سيادته الذي بعنوان (العدالة المناخية من منظور القانون الدولي ) المنشور هذا العام 2022.
أن اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية لعام 1992م تناولت العدالة المناخية تحت مبدأ الإنصاف؛ حيث يشير هذا المبدأ إلى العدل ومفاهيم أخرى مشابهة هي: حماية وتأمين النظام المناخي لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.
أما فيما يتعلق ببروتوکول کيوتو لعام 1997م في اليابان :
الذي يشکل إضافة مهمة في مجال حماية المناخ، کما أنه يُعد أول اتفاق ملزم لکل الدول بشأن تخفيض ترکيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للحد من إلحاق الضرر بالنظام المناخي للأرض، ويميز البروتوکول بين الالتزامات التي تقع على عاتق جميع الدول الأطراف، وتلک التي تقع على عاتق الدول المتقدمة فقط، استنادًا إلى المبدأ الذي نصت عليه الاتفاقية، والذي يقضي بتنوع المسئولية تبعًا لظروف ودرجة تقدم الدولة، والذي حمل الدول المتقدمة المسئولية الأولى عن انبعاث هذه الغازات في الجو، فقد نص صراحة على العدالة المناخية تحت مبدأ الإنصاف.
وبالنسبة لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015:
حيث كان قد عُقد المؤتمر الحادي والعشرين المعروف بمؤتمر مناخ الأرض في باريس عام 2015م لإعلان الاتفاق الدولي بشأن تغير المناخ، والذي عُرف باتفاقية باريس للمناخ.
وأعلنت الاتفاقية أنها تهدف إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند اثنين درجة مئوية عن عصر ما قبل التصنيع، مع تشجيع الأعضاء على استهداف ارتفاع 1.5 درجة مئوية فقط، ولا شک أن تطبيق هذه الاتفاقية سيعکس مبدأ العدالة ومبدأ المسئولية المشترکة لجميع الدول في مواجهة تغير المناخ مع مراعاة التباين بين الدول المرتبطة باختلاف الإمکانيات والمسئولية.
وينهي الدكتور بشير بحثه موصيا بالآتي :
*ضرورة تعديل اتفاقيات تغير المناخ لتنص صراحة على مبدأ العدالة المناخية، وتجعله مبدأ ملزمًا لا سيما للدول الصناعية الکبرى
*من الضروري أن تتحمل الدول المتقدمة عبء أکبر من الفقيرة في التصدي لتغير المناخ، وهو ما يُعرف بمبدأ المسؤولية المشترکة لکن المتباينة.
*ضرورة عمل المزيد من الأبحاث والدراسات التي تتناول قضية العدالة المناخية من أجل إلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية ووضع التصورات والاقتراحات من أجل تنفيذ مبدأ العدالة المناخية على نحو يحقق أهدافه..