أنقرة (زمان التركية) – لازالت السياسات الخارجية لأردوغان غير واضحة فبعد أن قام نظام أردوغان باتباع سياسة (صفر أعداء خارجية) قبل عشرين سنة شاهد الجميع كيف صنعت تركيا لنفسها أعداء داخل وخارج وسطها الجغرافي خلال السنوات العشر الأخيرة، وبينما يحاول أن يصلح تلك العلاقات التي قام بتدميرها بنفسه؛ ما زالت تركيا تحاول أن تخلق لنفسها دورا في كل نزاع ويتناول هذا المقال الذي نشرته صحيفة أوروآسيا تايمز وكتبه الصحفي الهندي المخضرم براكاش ناندا، وهو زميل وطني سابق في المجلس الهندي للبحوث التاريخية وحاصل على منحة جائزة سيول للسلام ، وهو أيضًا زميل متميز في معهد السلام والصراع.
وقد جاء في المقال :
إن تركيا ليست صديقة للهند، ويجب على مودي فك رموز “طموحات أردوغان الخطيرة” التي تهدد الهند وما وراءها، فمنذ أن بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتقد أن لديه مهمة إلهية لإحياء العظمة المفقودة للإمبراطورية العثمانية، خلص إلى أن الطريق لتحقيق هذا الطموح يكمن في متاهة النهضة الإسلامية.
ففي الوقت الذي التقى فيه وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو في نيويورك يوم 21 سبتمبر، وبعدها بساعات قليلة صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه من “المؤسف” أن كلا من الهند وباكستان لم تستطيعا إحلال السلام بينهما رغم مرور أكثر من 75 عامًا من الاستقلال وأضاف قائلًا: نأمل في “سلام عادل ودائم في كشمير”.
ووفقًا للممارسات السابقة فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، فكلما تحدث أردوغان عن كشمير، قام المسؤولون الهنود على الفور بالالتقاء مع قادة كبار من اليونان أو قبرص أو أرمينيا أو الدول التي لديها نزاعات إقليمية مع تركيا، لكن هذه المرة، يشير اجتماع وزيري الخارجية في نفس اليوم الذي ألقى فيه أردوغان خطاب الأمم المتحدة إلى أن “العامل الباكستاني” في العلاقات الهندية التركية يتضاءل، وأن كل من نيودلهي وأنقرة تعيدان ضبط سياساتهما تجاه بعضهما البعض في مواجهة التغيرات الجيوسياسية الجارية. ويبدو أيضًا أن تركيا أصبحت مستاءة بشكل متزايد من حليفتها الاستراتيجية باكستان.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد فترة وجيزة من إلغاء المادة 370 التي تنص على وضع خاص بموجب الدستور الهندي لولاية جامو وكشمير السابقة، من قبل الحكومة الهندية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في أغسطس 2019؛ فقد أثارت أنقرة قضية كشمير في مختلف المنتديات.
وقد طرح الرئيس أردوغان القضية لأول مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 ومنذ ذلك الحين، كان يتحدث مرارًا وتكرارًا عن قضية كشمير في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام، وفي عام 2020 قال الرئيس التركي: “إن صراع كشمير يعد مفتاحًا للاستقرار والسلام في جنوب آسيا، نحن نؤيد حل هذه القضية من خلال الحوار في إطار الأمم المتحدة” وقرارات الامم المتحدة خاصة بما يتماشى مع تطلعات شعب كشمير ” ولقد فعل ذلك وهو يعلم جيدًا أن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والعالم بأسره لا يرغبون في التدخل في أمر يعتقدون أنه يقع مباشرة في الشؤون الداخلية للهند.
ولكن في عام 2021 كرر الأمر نفسه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: ” إننا نحافظ على موقفنا المؤيد لحل المشكلة المستمرة في كشمير من خلال الحوار بين الطرفين وفي إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.. و خارج الأمم المتحدة، لم يتردد الرئيس التركي في القول إن “الهند الآن أصبحت دولة تنتشر فيها المجازر، ما المجازر؟ مذابح المسلمين بواسطه من؟ الهندوس “.
في خطابه يوم 14 فبراير 2020 أمام جلسة مشتركة للبرلمان الباكستاني ، قال أردوغان: إننا لم ننس ولن ننسى أبدًا المساعدة التي قدمها الشعب الباكستاني من خلال تقاسم خبزه معنا خلال حرب الاستقلال، كشمير هي نفسها وستظل هي نفسها بالنسبة لنا. بالأمس كانت جناق قلعة، واليوم كشمير لا يوجد فرق “, وقد أثارت تصرفات أردوغان ردود فعل قوية من الهند، ورد رئيس الوزراء مودي بعقد اجتماعات مع رئيس قبرص ورئيسي وزراء أرمينيا واليونان على هامش الاجتماعات السنوية للمنظمة العالمية، وذكّرت الهند تركيا بأنه على عكس أنقرة التي غزت واحتلت جزءًا من دولة قبرص ذات السيادة في عام 1974 ، لم تتخذ نيودلهي أي إجراءات من هذا القبيل فيما يتعلق بكشمير، إلى جانب ذلك ألغى مودي لاحقًا زيارته المخطط لها إلى تركيا في أكتوبر 2019 وتم إنهاء صفقة بحرية مربحة بقيمة 2.3 مليار دولار مع شركة دفاع تركية، كما قطعت الهند صادراتها الدفاعية الأخرى إلى تركيا والتي شملت الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج مثل المتفجرات والصواعق.
ومنذ ذلك الحين خفضت الهند وارداتها من تركيا بشكل كبير، كما أبرمت الهند اتفاقية دفاعية بقيمة 40 مليون دولار مع أرمينيا، المنافس التقليدي لتركيا في المنطقة، تضمنت أربعة رادارات لتحديد مواقع الأسلحة من طراز SWATHI طورتها منظمة الدفاع والبحث والتطوير الهند.
إعادة العلاقات بين الهند وتركيا
في ظل هذه التطورات يرى الخبراء أن خطاب الرئيس أردوغان هذا العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن كشمير كان معتدلًا وحياديًا للغاية، حيث قال “الهند وباكستان، بعد أن رسخا سيادتهما واستقلالهما قبل 75 عاما، لم يقم كل منهما بعد بالسلام والتضامن. هذا مؤسف جدا. ونأمل وندعو الله أن يعم السلام العادل والدائم والازدهار في كشمير “.
وهذا على عكس سياسته في الماضي، فلم يدعم موقف باكستان بأن قضية كشمير يجب حلها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي المؤرخ في الخمسينيات من القرن الماضي، وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن لطف أردوغان بشأن كشمير كان بسبب “المناقشات البناءة للغاية” بينه وبين رئيس الوزراء مودي في سمرقند (أوزبكستان) خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) قبل أسبوع، حيث تمت مناقشة المجالات التي تهم كلًّا من الهند وتركيا على المستوى الثنائي بين البلدين، وعلى الصعيد الإقليمي .
أسباب قيام أنقرة بإعادة علاقاتها مع الهند
سنجد أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل أنقرة تتخذ خطوات إيجابية نحو إعادة وتقوية علاقتها بالهند وهذه الأسباب هي:
أولاً : تولي الهند رئاسة منظمة شنغهاي للتعاون، كما أن الهند ستتولى رئاسة مجموعة العشرين ذات النفوذ الكبير (الاقتصادات الكبرى في العالم) في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ويجب على تركيا أن تكسب المزيد من الأصدقاء لا سيما وأنها تمر بأزمة اقتصادية كبيرة مع معدل تضخم مرتفع بلغ 80%، فذلك يعد خيارا براغماتيا وليس أيديولوجيا لأردوغان .
وقد صرح أردوغان بأن تركيا تريد أن تصبح عضوًا في منظمة شنغهاي للتعاون (وهي الآن مجرد شريك في الحوار) وأنه سيتابع الفكرة في اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون 2023 في الهند، ومن الواضح أن الموقف المعادي للهند لن يساعد تركيا في ظل الظروف المتغيرة، خاصة وأن العلاقات التجارية الثنائية بين الهند وتركيا واسعة النطاق على الرغم من العلاقات المتوترة حتى الآن، فالتعاون التجاري بين البلدين يقترب من 10 مليارات دولار.
وقد منحت الهند كونسورتيوم من أكبر خمسة أحواض بناء سفن رائدة في تركيا ، TAIS عقد بناء سفن بحرية بقيمة 2.3 مليار دولار، وقد أكملت الشركة التركية Savronik مشروعًا مرتبطًا بوزارة الدفاع لبناء نفق في طريق Leh-Manali السريع الهندي.
كما أن الهنود اليوم يأتون في المرتبة الثالثة من حيث عدد السياح الآسيوين الذي يقومون بزيارة تركيا بعد الصين وإندونيسيا، كما تعمل الشركات الهندية في جميع القطاعات من الغذاء إلى التكنولوجيا على توسيع وجودها تدريجياً في تركيا.
ثانيًا: ربما تدرك تركيا الآن فشلها في الظهور كزعيم لـ “الجماعة الإسلامية” المكونة من باكستان وماليزيا وإيران وقطر، وذلك في محاولاتها كسر التفوق الأيديولوجي للسعودية والإمارات في العالم الإسلامي.
وقد كان رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان أكبر مؤيدي أردوغان، ولكن عندما تم عزله من منصبه، اعتمدت باكستان سياسة مالية معتمدة على المملكة العربية السعودية وهو ما قضى على فكرة أردوغان وزعامته لباكستان، من ناحية أخرى تقوم تركيا “البراغماتية” الآن بتطبيع العلاقات مع دول مثل إسرائيل والسعودية والإمارات في فبراير/شباط، كما زار أردوغان الإمارات لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح بعد الانحرافات التركية فيما يتعلق حول ليبيا والحصار الاقتصادي الذي تفرضه الإمارات والسعودية على قطر. وفي الآونة الأخيرة أعادت تركيا إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد أكثر من عقد من التوترات التي اندلعت في عام 2010 عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية 10 نشطاء أتراك على متن سفينة مساعدات تركية في محاولة لكسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة.
وقرروا تعيين سفراء كل منهم لأول مرة منذ أربع سنوات، بعدما طرد البلدان سفراء بعضهما البعض في 2018 بسبب مقتل عشرات المتظاهرين في غزة على يد جنود إسرائيليين في ذكرى قيام دولة إسرائيل.
ولكن والأهم من ذلك، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سافر في يونيو إلى تركيا لتطبيع العلاقات بعد أن وافقت محكمة تركية على إحالة القضية المتعلقة بقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018 إلى الرياض وهو ما أزال عقبة كبيرة تقف حاجزا بين إعادة العلاقات بين البلدين.
ثالثًا: أصبح من الواضح بشكل متزايد أن تركيا أصبحت محبطة من أمالها في باكستان، وهو العامل الأكثر أهمية وراء عداءها للهند، فعدد المهاجرين الباكستانيين غير الشرعيين في تركيا أصبح مصدر إزعاج كبير لعلاقات أنقرة مع إسلام أباد.
ووفقًا للسلطات التركية ، هناك ما بين 3000 و 6000 مواطن باكستاني غير شرعي قيد الاحتجاز، بينما يظل الكثيرون غيرهم في تركيا حتى يجدون طريقة للذهاب إلى أوروبا، لكن ما يقلق السلطات التركية هو أن المهاجرين الباكستانيين لا يحترمون ثقافة البلاد ولا سيما النساء.
كما تزعم تقارير المخابرات أنه تم العثور على مهاجرين باكستانيين غير شرعيين ينغمسون في حروب العصابات وغيرها من الجرائم والأعمال غير القانونية، بما في ذلك الاتجار بالبشر والمخدرات واختطاف السياح الذين يزورون تركيا ومطالبتهم بدفع فدية، وهذا يعد تحديًا كبيرًا لأن تركيا وجهة مفضلة، وتعد السياحة مصدرًا مهمًا لتوليد الدخل للاقتصاد. كان الحادث الأخير (أواخر أبريل) هو اختطاف مجموعة صغيرة من السياح النيباليين في اسطنبول، ولحسن الحظ تم إنقاذهم من قبل الشرطة، كما تم اعتقال ستة باكستانيين ارتكبوا الجريمة وطلبوا فدية قدرها 10000 يورو.
بالنظر إلى كل هذا ، يرى الخبراء أن العلاقات الهندية التركية لديها فرصة حقيقية لتشهد انتعاشة حقيقية .