أنقرة (زمان التركية)_ نشرت مجلة ذا ترامبت الأمريكية مقالا يتناول التوترات الدائرة اليوم بين تركيا واليونان، وحاول المقال أن يجاوب عما إذا كانت الحرب ستندلع بين البلدين أم أنها مجرد مناوشات من أجل الداعية الانتخابية القادمة، والتي يتخوف منها أردوغان.
جاء في المقال الذي كتبه ميهايلو س. زيكيتش:
بينما تركز أوروبا حاليًا على الحرب بين روسيا وأوكرانيا باعتبارها أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، لكن هذا ليس النزاع الوحيد على الأطراف الشرقية لأوروبا فالتوترات تتصاعد بين اليونان وتركيا، هناك توترات كافية لتتصدر الصحف عناوين من قبيل: “هل يمكن لليونان وتركيا الدخول في الحرب؟ الجواب نعم” بحسب صحيفة (19FortyFive)، أو “اليونان للحلفاء: الضغط على تركيا أو مواجهة خطر أوكرانيا أخرى” بحسب صحيفة (بوليتيكو) أو “اليونان تحذر الحلفاء من خطر الصراع مع تركيا وسط حالة من التوتر” بحسب صحيفة (أسوشيتد برس)، أو غيرها من المقالات المشابهة والتي تتسائل هل احتمالات نشوب حرب في شرق البحر المتوسط خطيرة؟ وهل يمكن أن تشهد أوروبا حربًا كبرى ثانية على حدودها الشرقية؟ ما سبب التصعيد بين أنقرة وأثينا؟
والحقيقة فإن هذه أسئلة جميعها أسئلة جدية وتحتاج إلى إجابة، فبينما أوكرانيا لا تنتمي إلى تحالف كبير، تنتمي كل من اليونان وتركيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، كما أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن أية حرب بين اليونان وتركيا ستجر بقية أوروبا، بالإضافة إلى أن كل هذه الدول لديها أسلحة نووية فخطر تقسيم حلف الناتو بشكل لا يمكن إصلاحه في تبادل نووي بين الدول الأعضاء. يعد أمرا كارثيا لمستقبل العلاقات الدولية ولازدهار الدول الأعضاء.
ولكن التاريخ عندما يتحدث يخبرنا بأن اليونان وتركيا لديهما سجل طويل من الاقتتال لمئات السنين، ولقد قاتلوا على أراضي شرق البحر الأبيض المتوسط على مدى القرنين الماضيين، وكادوا أن يخوضوا الحرب للسيطرة على جزيرة قبرص في عام 1974 وتلك الخلافات القديمة لا يتوقع لها أن تختفي في أي وقت قريب، لكن المخاطر أكبر بكثير الآن وهذا ما يجعل الكثيرين متوترين، وإذا كان لليونان وتركيا تاريخ طويل من القتال فيما بينهما، فمن الذي يقول بعدم إمكانية اندلاع حرب جديدة؟
ويرجع سبب التوتر الحالي إلى اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليونان بنشرها قوة عسكرية على جزر منزوعة السلاح، وبينما تنفي الحكومة اليونانية هذه التهمة، صرح أردوغان في خطاب ألقاه في 3 أيلول / سبتمبر مخاطبا اليونان قائلا: إن “احتلالكم للجزر لا يعوقنا” واعلموا أنه “عندما يحين الوقت والساعة سنقوم بما هو ضروري.” وهكذا هدد أردوغان بـ “بإطلاق عملية عسكرية فجأة” ضد اليونان.
واستمر أردوغان في تهديداته فبعد ثلاثة أيام وأثناء زيارته للبوسنة والهرسك، ضاعف أردوغان تهديده، وكما نقلت وكالة أسوشيتيد برس قوله: “ما أتحدث عنه ليس حلما “وتابع قائلا” إذا قلت أننا يمكن أن نباغتكم ليلا “فهذا يعني” أنه عندما يحين الوقت ، يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة.” وأضاف قائلا: “لديهم قواعد في هذه الجزر، وإذا استمرت تلك التهديدات غير المشروعة ضدنا ، فإن لصبرنا حدود”.
ومن طرفها فإن أثينا تأخذ هذه التهديد على محمل الجد، وهو ما دعا وزارة الخارجية اليونانية لإرسال رسائل إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي حول تصريحات أردوغان، وقال وزير الخارجية نيكوس ديندياس إن كلمات الرئيس التركي كانت “غير مبررة وغير مقبولة وإهانة لليونان والشعب اليوناني”. وطالب المنظمات للتدخل. وقال في إشارة إلى حرب أوكرانيا: “إن عدم القيام بذلك في الوقت المناسب أو التقليل من جدية الأمر، مجازفة لوقوع حالة مماثلة لتلك التي تقع حاليًا في جزء آخر من قارتنا”.
إلا أنه في السياق نفسه نجد أن لدى تركيا انتخابات رئاسية العام المقبل، و يحكم أردوغان تركيا بقبضة من حديد منذ عام 2003 أما الانتخابات الماضية فلم تكن أكثر من مجرد طوابع مطاطية لإضفاء الشرعية على حكمه، لكن تشير نتائج بعض استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن قبضة أردوغان على السياسة التركية آخذة في الانزلاق، لا سيما بعد أن انتخبت كلا من اسطنبول وأنقرة رؤساء بلديات معارضين. ولذلك فربما يحاول أردوغان تصنيع أزمة لتعزيز شعبيته داخليا، حيث يشير استطلاع أجرته شركة الاستطلاعات التركية متروبول إلى أن 51.1 في المائة من المواطنين الأتراك يعتقدون أن خطاب أردوغان عبارة عن دعاية انتخابية.
وقد كتب المحلل السابق في البنتاغون مايكل روبن في صحيفة 19 FortyFive: معلقا على ما يحدث بقوله إن أردوغان صعد إلى السلطة قبل عقدين من الزمن مستخدماً الاستياء الواسع النطاق من التضخم وضعف الليرة التركية وفساد النخبة الحاكمة، واليوم تجاوز معدل التضخم 80 في المائة وفقدت الليرة التركية أكثر من 80 في المائة من قيمتها على مدى السنوات الخمس الماضية، وأصبح أردوغان وعائلته وبدون أي سند قانوني من أصحاب المليارات، و نظرًا لأن أردوغان مارس سيطرة دكتاتورية على تركيا وأطاح وسجن أو قام بتهميش أي معارضة فعالة، فإنه لا يستطيع التنصل من المسؤولية عن الضائقة المالية والاقتصادية التي تعيشها تركيا، وبدلاً من ذلك يسعى إلى تخليق أزمة من أجل تشتيت الانتباه.
ويدعي روبن أن هذا ما يجعل تركيا أردوغان أكثر ميلا لمهاجمة اليونان، وكتب يقول: “إن الاستيلاء على الجزر وتجرؤ أثينا على ذلك سيكون تسريبًا مثاليًا” يمكن أن يستخدمه أردوغان لخلق حالة النزاع، لكن السؤال الحقيقي هل من شأن استفزاز كل أوروبا بالحرب أن يجعل أردوغان يتمتع بشعبية بين الناخبين؟ إن تورط تركيا في صراع مع جارتها ما هو إلا طريقة جيدة لجعل أردوغان غير مقبول، لكن لا يمكن أن نغفل أن أردوغان قام بمحاولة انقلابية ضده في عام 2016، كما لا يمكن إغفال حقيقة أن تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة، و من المشكوك فيه أنه سيرغب في إعطاء أي عذر للجيش للإطاحة به. وستكون الحرب مع اليونان غير الضرورية.
بالطبع قد يأمل أردوغان في أن الاستيلاء على “بضع جزر صغيرة” سيكون “ثانويًا” بما يكفي بحيث تسعى أوروبا إلى “حل دبلوماسي” وعندها يمكن أن تحصل أنقرة على كعكتها وتأكلها أيضًا. لكن واقع أن روسيا شنت فعليًا غزوًا لأوكرانيا قبل بضعة أشهر فقط، وأنه إذا لم تتدخل أوروبا لحماية اليونان، فسيكون هذا بمثابة وضع جيد لتوغل من نوع أخر ربما من روسيا في، ولا تستطيع بروكسل أن تسمح بحدوث أي نوع من “التوغل البسيط” وأردوغان يعرف ذلك، وقد يكون جريئًا بما يكفي للمحاولة على أي حال، لكن هذا غير محتمل للغاية نظرا لعواقب ذلك، إلا أن أردوغان زعيم لا يمكن التنبؤ بقراراته بشكل لا يصدق ويمكن أن يفعل شيئًا غير متوقع في الأشهر أو السنوات المقبلة.